كيف يتأتى التوحيد الكامل؟
فليتضح أن التوحيد الكامل لا يتأتّى أصلا بغير اتِّباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكما بيّنا آنفا أن صفات الله التي لا يمكن انفصالها عن ذاته لا تُرَى بالعين إلا من خلال مرآة وحي النبوة، والنبي وحده هو الذي يُريها رؤية العين. ولو افترضنا جدلا حصول هذه الرؤية - وإن كان بصورة ناقصة - فلا يخلو ذلك من شوائب الشرك، ما لم يقبل الله تعالى هذا المتاع المغشوش ويوفِّق صاحبه للإسلام؛ لأن ما يناله الإنسان من الله بواسطة رسوله إنما هو ماء سماوي، ولا فخر له فيه ولا مجال للعُجب والزهو. أما ما يحصل عليه الإنسان بسعيه هو فتشوبه شوائب الشرك لا محالة. فبناء على هذه الحكمة أرسِل الرسل لتعليم الناس التوحيد ولم يُترك أمرهم لعقولهم فقط، وذلك لكي يبقى التوحيد خالصا ولا تشوبه شائبة شرك عُجْبِ الإنسان. ولهذا السبب لم يكن التوحيد الخالص من نصيب الفلاسفة الضالين، لأنهم كانوا أسرى الرعونة والكبر والعُجب بينما التوحيد الخالص يقتضي الفناء. وهذا الفناء لا يحصل ما لم يدرك الإنسان بصدق القلب أنه لا دخل لسعيه في ذلك، وإنما هو فضل الله البحتُ. فمثلا هناك شخص يسهر الليل كله، ويسقي زرعه متكبدًا عناءً كبيرا، وهناك شخص آخر ينام طول الليل نوما هادئا فتأتي سحابة وتملأ أرضه ماء. هنا أتساءل: هل سيكون كل واحد منهما على درجة واحدة من الشكر لله؟ كلا، بل الذي سُقيت أرضُه دون أدنى سعي منه سوف يشكر الله أكثر من صاحبه. لذا قد ورد في كلام الله تعالى مرارا وتكرارا أن اشكروا الله الذي أرسل الرسل وعلّمكم التوحيد. (حقيقة الوحي)