مقتبسات من الخطاب الذي ألقاه أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام في خيمة النساء في "حديقة المهدي" بمناسبة الجلسة السنوية في بريطانيا يوم 29/7/2017م
القرآن الكريم يأمر الرجال والنساء بالتحلي بالتقوى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (الحشر: 18)
هذا الأمر يشمل المؤمنين والمؤمنات وهذه الآية من الآيات التي تُقرأ بمناسبة عقد القران. فهي تنصح الرجال والنساء أن ينظروا إلى مستقبلهم متحلِّين بالتقوى. عموما نلاحظ أن السبب الأساسي للذنوب والخطايا هو عدم المبالاة وعدم الشعور بشناعتها، أي عدم الشعور والاهتمام بما يريده الله منّا ورسولُه. فلا نسعى لإدراك الأوامر التي ذكَرها لشئون حياتنا القرآنُ الكريم الذي هو خطة عمل لنا. يقول الله تعالى إنكم إذا كنتم مؤمنين فيجب أن تضعوا في الحسبان دوما أنه يجب أن تقضوا حياتكم سائرين على مسالك التقوى. وعليكم أن تنظروا إلى كل عمل لكم، عليكم أن تهتموا على الدوام بغدكم ومستقبلكم بحيث يجب أن لا تهتمّوا بتحقيق رغبات مادية بل ينبغي أن يكون لديكم اهتمام بتحسين الأخلاق والتقدم في الروحانية.
معنى قول الله تعالى "وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ "
إذا كنا نوقن- وكان هذا اليقين جزءا من إيماننا- بأن هذه الدنيا فانية، وأن الحياة الحقيقية والخالدة ستبدأ بعد الموت، وأن الله تعالى مالك القدرات كلها، وأنه عالم الغيب والشهادة وهو عليم بأسرارنا ومطَّلع على ما في أعماق قلوبنا، فيجب أن نتدبر قول الله "وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ" ونضع في الحسبان كل حين وآن، ما هي الأعمال التي أنجزناها لنيل رضوان الله تعالى وما الذي أنجزناه لتربية أجيالنا القادمة. فغدُنا لا ينحصر في غدنا المادي أو الحياة الآخرة بعد الموت فحسب بل المراد من غدنا ذريتنا أيضا. فإذا كانت تربيتهم الحسنة وتخلُّقُهم بأخلاق سامية وتمسُّكُهم بالدين وكونُهم مواطنين أوفياء ومن ذوي السلوك العالي سيحسِّن حياة أولادنا وعاقبتَهم ويمكِّنهم من نيل رضوان الله ففي الوقت نفسه سيُكسبنا الله أجرًا لتربيتنا الحسنة لهم. من المعلوم أن الله لا يترك أي عمل لنا دون أجر وجزاء، فكيف يترك دون جزاء أعمالا أنجزتْ ابتغاء مرضاة الله فقط واستجابةً لأوامره. ثم عندما ستستمر ذريتنا في إحراز حسناتنا وتدعو لنا سيتحسن بذلك غدُنا وهذه الأدعية سترفع درجاتنا في العالم الآخر أيضا.
فهذا الغد الذي أمرَنا الله بأن ننظر ماذا قدَّمنا له وقال انظروا ما قدمتم لغد، واسعٌ جدا. ولهذا الغد معانٍ واسعة، وهو يشمل هذا العالم والعالم الآخر أيضا، ويشمل النصيحة بتربية أنفسنا وتربية ذريتنا أيضا من كل النواحي. إن المحطات التي لا يتصورها الإنسان المادي قد سيَّرنا الله على الطرق المؤدية إليها في هذه الآية. فالإنسان المادي يسعى لتوفير المال فقط لغده ويسعى لاقتناء العقارات فقط، ولا يُهمُّه الروحانية والسعيُ لنيل رضوان الله، أما المؤمن فقد أُمر بأن لا يهتم بالمتاع الفاني أي المتاع المادي في هذه الدنيا، وأود أن أوضِّح أن كسب المتاع الفاني المادي ليس ممنوعا بل هو جائز لكن يجب أن لا يشغل بالَكم الحصولُ عليه وحده بل يجب أن تهتموا بحياتكم الروحانية أيضا. وإن لم تقوموا بتربية صحيحة لأولادكم فسوف يأكلون المتاع الفاني المادي وينفدونه مهما تركتم لهم. وإن لم تربّوهم تربية صحيحة فسوف يتعرضون لبطش القانون إثر تورطهم في الأعمال الخاطئة السيئة، ولن يغني عنهم ذلك المال.
قصة كان يذكرها المسيح الموعود (عليه الصلاة والسلام) عن خطر الإفراط في دلال الأطفال:
كان سيدنا المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام يذكر قصة من هذا القبيل ويقول: كان لامرأة ابنٌ مدلل وكان من عادته أن يقوم بأعمال الشغب والتصرفات المشينة خارج البيت ويسبب للناس خسائر بسيطة أيضا، ثم بدأ يقوم بسرقات صغيرة أيضا، فكان الناس يمسكون به ويُحضرونه إلى والدته فكانت تنحاز إليه، وتكتم تصرفاته المشينة رغم العلم بها وتقول لم يحدث شيء، وإن ابني ليس من هذا القبيل وإنما الناس يتهمونه بما لم يفعل. فكبر الولد مع هذه العادات السيئة ودلال أمِّه غير المبرر ورسخت عاداتُه وأخيرًا صار يوما من الأيام قاطع طريق وقاتلا مشهورا. فاعتُقل يوما بهذه الجريمة، وصدر الحكم بإعدامه، ولما سُئل قبيل الإعدام إذا كانت لديه أمنية أخيرة قال: لي أمنية وحيدة فقط وهي أن تُحضَر لي أمي. فلما جاءت قالت له: ما هي أمنيتك الأخيرة يا ولدي؟ فقال إني سأُعدَم بعد قليل وفي هذه اللحظات أود أن أقبِّل لسانكِ، فلما أخرجتْ له الأمُّ لسانها عضَّه بشدة حتى انقطع اللسان. بدأت الأم تصرخ وتئنّ بألم عندها لام الناس هذا الابن ولعنوه قائلين: أيها الشقي، قد ارتكبت هذا الظلم البشع في هذه اللحظات الأخيرة في حياتك، لم؟ فقال: عندما كنت أرتكب أعمالا مشينة وكان الناس يُحضرونني إليها ويشتكون كانت تؤيدني بدلا من أن تصلحني وتربِّيني وتبدي الغضب على تصرفاتي السيئة، ولو كانت تنصحني وتعاقبني لَما وصلت إلى هذا الحال. فاللسان الذي ظلَّ يؤيدني في أعمالي السيئة بدلا من نصيحتي وتربيتي الصحيحة فذلك اللسان وتلك الأم تجدر بهما هذه العاقبة حصرًا.
على المسلمة الأحمدية أن تسعى لرفع روحانيتها وتربية أولادها على إيثار الدين:
إن أولاد مسلمةٍ غير أحمدية يمكن أن يقولوا إنهم لم يتلقوا تربيةً إذ لا نظامَ لتربيتهم. أما المرأة الأحمدية التي آمنت بإمام الزمان فيجب عليها أن تسعى لرفع مستوى روحانيتها شخصيا وتربي أولادها أيضا تربية تمكِّنهم من إيثار الدين على الدنيا بدلا من السعي لكسب الدنيا.
يمکن لأحد أن يقول: كثير من الناس في الدنيا أكثر مالا وسعة من آبائسهم وأجدادهم وهم لا يزالون يزدادون ثراء مع أنهم يغشّون في تجارتهم ويقومون بأعمال سيئة أخرى أيضا، ولكن مع ذلك لا يحلّ بهم زوال دنيوي.
فلذا وجَّهَنا الله تعالى بقوله "ولتنظر نفس ما قدمت" إلى أنه لا شك أن حالة هؤلاء الناس المادية جيدة ولكنكم يا من تدَّعون الإيمان بإمام الزمان ويا من تدّعون بيعة الخادم الصادق للرسول ﷺ ويا من تدّعون أن البيعة هيأت لكم أسباب إصلاحكم، لا بد أن تنظروا إلى الغد واهتموا بآخرتكم. أما الآخرون فهم محرومون من الدين والروحانية، فإنهم لم ينظروا إلى حياة الآخرة ولم يعرفوا الحياة بعد الممات، لذا فهم مضطرون ومعذورون، لأنهم حسبوا هذه الدنيا كل شيء ولم يستفيدوا من الغد الروحاني. يقول الله تعالى: لن تنتهي الحياة في هذه الدنيا فقط بل هناك حياة الآخرة أيضا، فإن لم ينالوا عقاب سيئاتهم في هذه الدنيا فلا بد أن ينالوه في الآخرة، ولكن أنتم الذين تدّعون الروحانية عليكم أن تنظروا إلى حياة الدنيا والآخرة كليهما، فنحن الذين ندّعي دخول جماعة المبعوث من الله تعالى ونحن الذين نؤمن بأن الرسول ﷺ آخر الأنبياء المشرّعين وبأن القرآن الكريم الذي نزل عليه يُعطينا تعليما كاملا من جميع النواحي لإصلاح دنيانا وآخرتنا، علينا أن نسعى للعمل بأحكامه مُحدثين في أنفسنا تغييرا طيبا، ويجب علينا أن نضرب نماذج حسنة لأولادنا أيضا لكي تنال أجيالنا القادمة رضى الله تعالى على التوالي.
المرأة وحدها من يستطيع المحافظة على الأجيال القادمة:
إن الإسلام ألقى على المرأة مسئولية رعاية الجيل القادم، المرأة وحدها تستطيع أن تحافظ على الأجيال القادمة، وإذا لم تفهم المرأة أحكام الله تعالى ولم تسْعَ لذلك فلا ضمان لتربية الأجيال أبدا.
مكانة المرأة عند رسول اللهﷺ:
لم يقُل النبي ﷺ قولا عاطفيا عابرا بل قرّر للمرأة هدفا لحياتها من أجل الحفاظ على الأجيال ولإصلاح دنياهم وآخرتهم. لقد بين ﷺ في جملةٍ مكانة المرأة العظمى ووجّه إلى مسئولياتها فقال: "الجنة تحت أقدام الأمهات." هذه الجملة حيث تصرّح ببشارة مع ذكر مكانة المرأة كذلك تنم عن إنذار أيضا أن الأم التي ليست تحت قدميها جنة فلا بد أن يكون هناك جهنم، وقد ذكرتُ آنفا مثاله في قصة السارق والقاتل. فالجنة تحت قدمي الأم لأن الطفل بسبب التربية التي ينالها من أمّه يصبح مواطنا صالحا وثروة قومية ويقدِّم الدين على الدنيا. ينبغي التذكر هنا أن التربية لا تثمر ما لم تدعمها الأدعيةُ، وحين يرى الأولادُ أمّهم ملتزمةً بالدعاء يتوجهون إلى الدعاء تلقائيا، فالتربية الظاهرية لا تكفي بل من الضروري للأم أن تلتزم بالدعاء وتتعلق بالله تعالى. ولا شك أن من واجب الآباء أيضا أن يهتموا بهذه الأمور ويُقيموا أعلى المستويات في الروحانية والعبادة.
مسؤولية الآباء والأمهات:
أقول هنا للرجال أيضا أن يلعبوا دورهم في جعل بيوتهم جنة، ولا تُلقوا المسئولية كلها على النساء فقط، لأنه إضافة إلى اهتمام الأمهات بتربية الأولاد الحسنة فإن إظهار الرجال الحب والوئام في البيوت وأداءَهم مسئوليتهم لمما يزيد الأولاد تربيةً حسنة، ولكن لا ينبغي للأمهات أن يجلسن بحجة أن الرجال ليسوا على ما يرام فماذا نفعل نحن وكيف نربي الأولاد، لأنه كما قلتُ في كثير من العائلات نشأ الأولاد على أحسن وجه دينيّا وكمواطنين صالحين أيضا بسبب الأمهات المتربَّيَات تربية حسنة بالرغم من سلوك الآباء السيئ. إذا كان الأولاد ذكورا فبسبب تربية الأمهات إياهم سيصبحون أزواجا وآباء صالحين وذوي أخلاق عالية ومُعينين زوجاتهم في خلق الجنة في هذه الدنيا. فإذا لم تستطع الأمهات الحفاظ على جيل فعليهن أن يحافظن على جيلٍ قادم، أعني إن لم يستطعن حماية أزواجهن من الفساد فعليهن أن يربين أولادهن تربية حسنة وهكذا يحافظن على الأزواج والآباء القادمين. وإذا كان الأولاد إناثا فهن بسبب تلقي التربية الحسنة سيصبحن أمهات يذهبْن بأولادهن إلى الجنة، فالمسئولية المهمة التي ألقاها الإسلام على المؤمنات والتي بيّنها النبي ﷺ بكلمات بليغة ورائعة للغاية ينبغي أن تتذكرها دوما نساؤنا وبناتنا.
لماذا لا تستطيع المرأة أن تؤمَّ الصلاة في المسجد؟
سألتني صحفية في ألمانيا عن قضية قد أُثِيرت كثيرا في هذه الأيام وهي: لماذا لا تستطيع المرأة أن تؤمَّ الصلاة في المسجد؟ فأخبرتـها بأن المرأة معفاة من الصلوات والعبادات في بعض الأيام في حالات خاصة، ثم إن الإسلام وزّع المهام، يقول الإسلام للرجال أعمال وللنساء أعمال. وأخبركم هنا بأن الإسلام يأمر الرجال بإعانة النساء في أعمالهن في البيوت والعمل معهن ونجد أمثلة واضحة لذلك في سيرة النبي ﷺ وسُنته ولكن لا يأمر الإسلام النساءَ بأنه يجب أن تساعدن الرجال في أعمالهم. يتبين من أسوة النبي ﷺ الحسنة كيف كان يساعد زوجاته في بيوتهن في أعمال البيت. باختصار، أجبتُ الصحفية أن الإسلام يعفي النساء بسبب بعض مشاكلهن الخاصة في أداء بعض الأحكام، ومنها ما يجب أن يقوم به إمام، وكذلك قد وزّع الإسلام مهام النساء والرجال، ولكنكن تُثِرْنَ قضية إمامة المرأة وكأنكن تتأذَيْن أكثر من المسلمات، لذا تُثِرْنَ هذه القضية وتضخّمْنَها، فالإسلام أعطى المرأة مكانة أعظم من الإمامة، يقول رسول الإسلام ﷺ الجنة تحت أقدام الأمهات، لا يستطيع أي إمام أن يعطي المصلين في اقتدائه ضمانَ الجنة.
بل هناك روايات مفادها أنه إذا انتابت الإمام أثناء الصلاة أفكار مختلفة واختلجت في قلوب المقتدين أيضا أفكار فإن ذنب مقتديه أيضا يُكتب في حساب الإمام. فكيف يمكنهم إذًا أن يقودوا الآخرين إلى الجنة؟! ولكن المرأة يمكن أن تحتل منـزلة إمام صالح وتقودَ أولادها إلى الجنة وتجعلهم مواطنين صالحين أو علماء بارعين أو زعيما أعلى لبلد ما. إذًا، إن مكانة المرأة عظيمة جدا فلا حاجة لمسلمة أحمدية حقيقية أن تشعر بالدونية بتاتا.
ذات مرة جاء زعيم حزب سياسي ليقابلني وقال: سيأتي زمان حين سيصلّي الرجال والنساء في المسجد معا وفي مكان واحد. قلتُ: بل قد سبق أن أتى هذا الزمن وأكل عليه الدهر وشرب. كانت الصلاة في زمن النبي ﷺ تقام في مكان واحد إلا أن الرجال كانوا يقفون في الصفوف الأمامية والنساء في الصفوف الخلفية، وهذا يمكن أن يحدث اليوم أيضا إذا اقتضت الضرورة، غير أن النساء في هذه الأيام يصلّين في مكان منعزل لسهولتهن حتى يستطعن أداء الصلاة بحرية ويخلعنَ وشاحهن ورداءهن بحرية إذا اقتضت الحاجة وذلك في اجتماعات عادية دون الصلاة. وقلتُ له أيضا إن الرجال يتفننون في أفكارهم وتصرفاتهم، والمعلوم أن الصلاة عبادة وإذا كانت النساء أمامهم أو مختلطات بينهم فقد يكون هناك من الرجال من سينظر إلى النساء بدلا من العبادة ولن يركِّز على الصلاة، فقال مبتسما: كلامك صحيح تماما. ثم علمتُ بعد ذلك بواسطة مصادر أخرى أن هذا الرجل السياسي ذكر هذا الأمر في مجالس مختلفة وقال بأن هذا هو الجواب الذي تلقيتُه على سؤالي وبناؤه على المنطق والحقيقة. إذًا، إن الذين فسدوا بأنفسهم ثم يُنشئون البدعات في الدين فهذا خطأ منهم بل إنهم يستهزئون بالدين. والمسلمون أيضا يقومون بمثل هذه التصرفات باسم الإسلام وبذلك يسخرون هم الآخرون من الدين. الذين لا يفقهون علم الدين يفعلون ذلك جهلا منهم، أما المسلمون فكان مقدّرا أن تبلغ حالتهم إلى هذه الدرجة إذ قد أنبأ النبي ﷺ أن هذا النوع من الجهل سيتطرق إليهم فيقومون بتصرفات من هذا القبيل.
ومن ناحية ثانية يقوم المسلمون بالظلم والهمجية باسم الدين، ويعاملون المرأة بقسوة شديدة لدرجة كأنه لا أهمية لها قط. لذلك أرسل الله تعالى إمام الزمان أي المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام ليصلح ما نجم عن الإفراط والتفريط اللذين تطرقا إلى تعليم الإسلام نتيجة تصرفات المشايخ. إن الناس يُدخلون البدعات في تعليم الإسلام باسم السهولة واليُسر، ويضعون القيود غير المبررة بعذر القسوة في تعليم الإسلام وتُرتكب أعمال سيئة بناء على كلا الموقفَين، فكان مقدرا أن يُرشد المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام كلا الطرفين إلى الصراط المستقيم، فأرشدهم وإيانا فعلا.
ضرورة الفصل بين الرجال والنساء في ضوء تعليم الإسلام:
على السيدة المسلمة الأحمدية أن تستيقن أن تعليمنا وحده هو الذي سيكون غالبا في نهاية المطاف، وجميع المساعي الجارية باسم حرية المرأة ستبوء بالفشل والخيبة. لقد شرح المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام ضرورة الفصل بين الرجال والنساء في ضوء تعليم الإسلام فقال: هذه هي الحكمة من الحجاب الإسلامي، وهذه هي الهداية الشرعية. لم يقصد كتابُ الله بالحجاب اعتقالَ النساء وحبسهن كالأسرى، ذلك ظن الجهلة الذين لا يعلمون عن المبادئ الإسلامية شيئا. المقصود من الحجاب الإسلامي هو كفُّ النساء والرجال جميعا عن إلقاء نظراتٍ حرة، وكشفِ زيناتٍ للجانب الآخر، وتبرُّجِ الجاهلية، لأن في الكف عن كل ذلك مصلحةَ الجنسين.
كما يجب أن نتذكر أيضا أن غضّ البصر في لغة العرب هو أن ينظر الإنسان بعين فاترة بحيث يصون نظرَه عما لا تحِلّ رؤيته، ولا ينظر إلا إلى ما يجوز النظر إليه (أي إذا كان هناك اضطرار لذلك فلتكن العين فاترة ولكن يجب غض البصر بوجه عام، ولا تنظروا إلى ما لا يجوز رؤيته. هذا هو المراد من غض البصر)
وقال عليه السلام أيضا ما مفاده: هناك من يركّزون على السفور ويرفعون عقيرتهم بحرية النساء من هذا المنطلق ولكن ليعلموا أن ذلك سيؤدي إلى المزيد من الفسق والفجور وستبتعدون من الدين وتتورطون في السيئات. ثم قال: إذا كان هذا النوع من الحرية والسفور قد أدى إلى الزيادة في عفة النساء فسنقرّ بأننا مخطئون. وقال أيضًا مبيّنا حالة الرجال: عليكم أن تنظروا إلى حالتهم فقد أصبحوا كحصان خليع الرسن، لم تعُد عندهم خشية الله ولا الإيمان بالآخرة وقد اتخذوا الملذات الدنيوية إلها لهم. فالأهم والأَولى في الموضوع هو أن يتم تحسين حالة الرجال الأخلاقية قبل تلك الحرية والسفور. فإذا تحسنت حالتهم وأصبحوا قادرين على ألا تغلبهم العواطف النفسانية على الأقل عندها يمكن أن تثيروا قضية فيما إذا كان الحجاب ضروريا أم لا؟ وإلا فإن مَثل التركيز على الحرية والسفور في الحالة الراهنة كمثل تقديم الشياه للأسود.
إيثار الدين على الدنيا:
إذا كنا قد قطعنا العهد بإيثار الدين على الدنيا فلا بد من الانتباه لأوامر الله فهو قد أمر الرجال أولا بغض البصر، وعدم النظر إلى النساء دونما سبب، وعدم حضور مجالسهن. فبالعمل بهذا الأمر يمكن أن يجتنب الرجال هذه السيئات ويحسِّنوا دنياهم وعقباهم. ثم أمر الله تعالى النساء أن يغضضن أبصارهن، ويُخفين زينتهن من غير المحارم، ويحافظن على الحياء. وإذا فعلن ذلك فسوف يتمكّنّ من خلق الحياء في أجيالهن أيضا. إذا كان يجب على الأمهات أن يُقمن أسوة لأولادهن في العبادة والأخلاق والملابس المحتشمة لكي يحمين غدَهن فأقول للرجال أيضا أن يتمسكوا هم أيضا بهذه الأمور.
لا تشاركن في سباق دنيوي بإظهار زينتكن بل تشاركن في سباق الدين:
أريد أن أقول لكن بصراحة ألا تشاركن في سباق دنيوي بإظهار زينتكن بل تشاركن في سباق الدين وتحسين مستقبلكن ومستقبل أجيالكن وجعل هذه الدنيا جنة والآخرة جنة، ولا يمكن ذلك ما لم يكن الله تعالى أولى في كل أمر..
وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (الرحمن:47):
يقول المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في تفسيرها: اعلموا أن الذين يتقدمون في سبيل الله بالصدق والإخلاص لا يُضاعون، بل يُعطون النعم في كلا العالَمين كما يقول الله تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ، وذلك لكيلا يظن أحد أن القادمين إليه يخسرون الدنيا. بل لهم جنتان، جنة في هذه الدنيا وجنة في الأخرى.
فينبغي أن نتذكر أن الله تعالى يريد منا أن ننظر إلى الغد، لكي نُحرز جنة هذه الدنيا وجنة الآخرة أيضا. لا يريد الله تعالى القضاء على حرية أية امرأة بل يريد من الرجل والمرأة أن يعمل كل في دائرته، لكي يتحسن مجتمع هذه الدنيا ويقدّم نموذج الجنة ولكي تنالوا الجنة في الآخرة أيضا نتيجة سلوككم درب مرضاة الله تعالى.