مـــريـَـمتــــي – الجزء الثالث



 

مـــريــمتـــي – الجزء الثالث

لحضرة المصلح الموعود (رضي الله عنه)

تعريب: خلود العطيات

في عام 1942، عندما كنت في السند، أصيبت مريم بمرض شديد حيث ساءت حالة قلبها بشكل ملحوظ وتلقيت برقية عن حالة قلبها السيئة. فاستفسرت عما إذا كان عليّ أن أعود، لكنهم أخبروني أنّ صحتها قد تحسنت. لقد استمرت آثار النوبة القلبية بضعة أشهر إلا أنها تحسنت في الفترة ما بين يونيو/حزيران ويوليو/تموز .في نفس ذلك العام وفي نفس الفترة، عانت أم ناصر أحمد أيضًا من نوبة قلبية ولم تكن الأسباب معروفة.

أخذتها إلى دلهي في أيار/مايو 1943، لطلب العلاج من الحكماء [الأطباء الشرقيين] حيث زرنا ابن الحكيم محمود أحمد خان لطلب العلاج، لكن مريم كانت تعالج نفسها بالطريقة التي تفضلها فقط. وبالتالي، لم تكن مستعدة للخضوع لذلك العلاج ولم تكمل البرنامج العلاجي وهنا أصيبت بنوبة طفيفة أخرى، لكنها استردت صحتها بسرعة.

في القطار من وإلى دلهي، كانت تستلقي على الأرض وتضع أطفال زوجاتي الأخريات على الأرائك [المخصصة للنوم في القطار]. عند عودتنا من دلهي، عانيتُ من عدوى شديدة في الصدر وحمى فاعتنت مريم بي عناية فائقة وخلال تلك الأيام الصيفية الحارة، كانت تقيم معي وغالباً ما كانت تحمل المرحاض المتنقل من أجلي ومن ثم تقوم بتفريغه بنفسها. كانت تطهو لي باستمرار وتبقى واقفة على قدميها دائمًا، فإذا بقيتُ مستيقظًا في الليل، كانت تبقى مستيقظة معي وإذا كنتُ نائمًا واستيقظتُ بسبب السعال، كانت أول من يحضر إلي وعندما تعافيت إلى حدٍ ما من هذا المرض وسافرت إلى دلهوزي، تولت على الفور مسؤولية المطبخ وترتيب مقر الإقامة.

وهناك عانت أيضًا من سوء في حالتها الصحية ولكنها بسبب مرضي، لم تبد أبدًا أي تذمر.

عندما تعافيت قليلاً وسافرت إلى تشامبا، أصرت على مرافقتي رغم مرضها وهناك ركبت الخيل لأننا في جزء من الرحلة لم نتمكن من العثور على داندي [ كرسي سيدان مركب على أعمدة خشبية يحمله الحمّالون على أكتافهم، ويستخدم في التلال]. فشرحت لها أن الذهاب في هذه الحالة لن يكون فكرة جيدة، ولكن كالعادة، كان ردها: "أنت لا تريدني أن أستمتع؛ سأذهب لا محالة". 

في نهاية المطاف، أوقفت، واضعًا مرضها في عين الاعتبار، الآخرين من الذهاب وأخذتها معي.

بعدها حلّ رمضان، ووفقًا للأعراف الهندية، بدأ الأشخاص الذين كانوا مسافرين معنا بالشكوى من الطعام. ففي النهاية يُعامل الخدم بطريقة خاصة، لذلك صارت مريم تستيقظ في الساعات الأولى من الفجر لعمل ما يقارب ستة إلى ثمانية أرطال من الباراتا [خبز جنوب آسيوي مقلي] وتقدمها للجميع على السحور وذلك رغم حالتها المهددة للحياة مما أدى إلى ضعف جهازها المناعي بشكل كبير وتداعت قدرتها على مقاومة المرض.

لم أتمكن بسبب الضعف من الصيام، ولكنني بمجرد أن علمت بما يحصل أوقفتها عن القيام بذلك، فأجابت: "من يدري إن كنت سأحصل على فرصة القيام بعمل صالح مرة أخرى" واستمرت في أداء هذه المهمة.

عندما عدنا إلى المنزل، كانت صحتها لا تزال ضعيفة وبعد ثلاثة أو أربعة أسابيع أصيبت بنوبة قوية أخرى. كنتُ أعاني من آلام في الكلى وفي ذلك الوقت فقط علمت أن النوبة قد تكون مميتة لها. كانت تلك هي المرة الأولى التي فكرت فيها بوفاة مريم..

لم أكن في وضع يسمح لي بالمشي، لذا عندما تُرِكت وحدي في الغرفة، وضعت وجهي على السرير ودعوت متضرعًا يائسًا على عتبات ربي. فأظهر الله تعالى رحمته بتأجيل ساعة وفاتها وعندما تعافيتُ أصبحتُ أزورها بانتظام.

عانيتُ من النقرس بعد بضعة أيام ومرة أخرى لم أستطع زيارتها، وبخطأ طبي، تم حقن مريم بيغم بأدوية لا تناسبها فكانت تتألم باستمرار. وفي وقت لاحق، أثناء إقامتي في لاهور، علمت من  عدد من الأطباء الكبار أن تلك الحُقن كانت ضارة في الواقع لحالتها، وقد كان تأثيرها واضحًا لدرجة أنها أدت إلى انتفاخ بطنها بصورة ظاهرة للعيان. 

بسبب النقرس، جاهدتُ للوصول إليها وعندما وصلت ووجدت أن حالتها قد ساءت، اتصلتُ على الفور بالعقيد هايز من لاهور والدكتورة ڤاين من أمريتسار. 

وصلا في اليوم التالي، واقترحا نقلها إلى لاهور.. وبناءًا على ذلك،، تم نقلها إلى لاهور براً في 17 ديسمبر 1943. قرر العقيد هايز معالجتها بأدوية مختلفة، لذلك بدأ بخطته من 17 ديسمبر/كانون الثاني إلى 8 أو 9 يناير/ كانون الثاني. 

لكن في نهاية المطاف، تم التوصل إلى قرار بأن السبيل الوحيد للمضي قدمًا هو إجراء عملية جراحية. كان الدكتور مير محمد إسماعيل ضد ذلك إلا أنني لم أر أي حلٍ آخر.

وهكذا، عرضت الوضع على مريم وقلت لها :"مهما كان قرارك، سيكون القرار النهائي". كان ردها أن عليهم المضي قدماً في العملية ومع أنها صاغت هذه الكلمات بلباقة، إلا أن سيدة كانت تقيم معها أخبرتني أنها كانت كثيرًا ما تقول لها:"ادعي أن لا يتراجع حضرة صاحب عن العملية في اللحظة الأخيرة"  مما يدل على أنها قد اعتبرت العملية ضرورية..

على أي حال أجريت العملية لها في 15 يناير/ كانون الثاني 1944 وبعدها لم تشف بشكل جيد. مما أدى إلى تفاقم حالة قلبها، وعندها انتبه الأطباء للوضع ونقلوا لها الدم مما ساعد في شفائها التدريجي.

في 25 مارس/ آذار، قيل لي إنها ستخرج من المستشفى في غضون أيام قليلة فطلبت إذناً منها وعدتُ إلى قاديان لعدة أيام.

بعد أن عدت إلى قاديان تدهورت صحتها مرة أخرى وفُتح الجرح -الذي كان يُظن أنه قد شُفي-. لم أكن على علم بكل هذا، ونتيجة لذلك بقيتُ في قاديان طوال الأسبوع. وكان الدكتور غلام مصطفى الذي ساعد كثيراً أثناء مرضها - جزاه الله أحسن الجزاء- يطمأننا باستمرار عبر الاتصالات الهاتفية والبرقيات ويقول إنه ليس هناك داعٍ أن أستعجل العودة إليها.

لكن مساء الخميس، تلقيت مكالمة هاتفية من شيخ بشير أحمد أخبرني فيها: "الأخ سيد حبيب الله شاه يخبركم بأن صحة أخته سيئة وعليكم القدوم على الفور". بعد سماع هذا، عدت إلى لاهور يوم الجمعة فوجدتها ضعيفة جدًا لدرجة أن صحتها لم تتحسن منذئذ. 

تم تكليف ممرضتين بفحصها باستمرار، ليلًا ونهارًا، ولأن أجرتهما كانت تقريبًا 50 أو 60 روبية يوميًا، أدركتُ أن ذلك كان عبئًا عليها، وقد صرّحتْ بذلك لعدد من صديقاتها المقربات قائلة "لقد صار بسببي مثقلًا بالكثير من الأعباء". عرفتُ ذلك بطريقة ما فطمأنتها بالقول: "مريم، لا تقلقي على الإطلاق. أنا أنفق هذا المال من أجل راحتك، وليس لإزعاجك." 

كما طلبتُ من بعض صديقاتها المقربات أن يشرحن لها أن هذه النفقات قد جلبت لي الراحة والسعادة والله شاهدٌ على ذلك. وصل هذا إلى مرحلة فكرت فيها ذات يوم أنّ علاجها قد طال كثيرا وتساءلت كيف يمكنني تحمل نفقات العلاج في المستقبل. بعد ذلك بوقت قصير ودون أي تردد، قررت أن أبيع دار الحمد والبستان المجاور له. وقلت لنفسي إنّ قيمتهما مرتفعة جدا، وحتى إذا بيعا بمبلغ ضئيل، فلن يقل سعرهما عن 75000 روبية. 

وبهذه الطريقة، حتى إذا اضطررت إلى تحمل نفقات علاج مريم لعام آخر، سأتمكن من دفع 6000 روبية شهريًا دون قلق. ليس هذا فحسب، بل كنت على استعداد لبيع كل جزء من ممتلكاتي من أجل مريم بيغم من أجل إبقائها على قيد الحياة فقط حتى ولو بقيت مريضة.

بعد مرور بضعة أيام شعرت أنها كانت تعاني الأمرّين بسبب مرضها، وقد ازداد الأمر سوءا بسبب الجرح ولم يعد يطاق. وعندها دعوتُ الله تعالى قائلًا:  

"يا ألهي! أنت الشافي، أتوسل إليك أن تمنح مريم بيغم الصحة. ولكن، إن كنت ترى لأي سبب من الأسباب أن وجود مريم بيغم في هذا العالم ليس جيدًا لحياتها وإيمانها، ولا لي، فاحمها يارب من هذه المعاناة التي يمكن أن تضر بإيمانها". 

بعد هذا الدعاء الذي دعوته قبل وفاتها بثمانية أو تسعة أيام، لاحظتُ انخفاضًا تدريجيًا في آلامها الجسدية، لكن الألم الناجم عن الضعف ومشاكل القلب قد ازداد وكان السبب الظاهر لذلك هو أننا نقلناها إلى مستشفى السير غانغا رام لكي يعالجها الدكتور باروشا الذي بدأ بإعطائها المهدئات كعلاج. على أية حال، كانت النهاية تقترب وكنا أنا وهي على ثقة كاملة بالله عز وجل. 

عند رؤية حالتها الضعيفة قبل يوم من وفاتها، بدأت إقبال بيغم - التي اعتنت بها لمدة شهرين ونصف (أثابها الله في الدنيا والآخرة) - في البكاء. قالت ذات مرة إن مريم عندما رأتها تبكي، قالت لها بمحبة: "لماذا تبكين؟ إن الله على كل شيء قدير، ادعيه لأنه الشافي"  

في مساء 4 مارس / آذار، أبلغني الدكتور مير محمد إسماعيل والدكتور حشمت الله أن قلبها كان ضعيفًا للغاية ولم يعد للأدوية تأثير كبير. وهكذا، بقيتُ هناك لفترة أطول من المعتاد وعندما شعرا ببعض الرضا، ذهبتُ إلى منزل شيخ بشير أحمد لآخذ قسطًا من الراحة.

حوالي الساعة الرابعة صباحًا، أتى أحدهم إلى المنزل راكضًا وقال لي أن أهرع إلى المستشفى لأن حالتها قد ساءت. في تلك اللحظة تأكدتُ أن حبي كانت جاهزة لمغادرة هذا العالم. فبدأتُ أدعو من أجل روحانيتها وروحانيتي.

 الآن، بدأت حالة قلبها تتدهور أكثر فأكثر بينما بدأ قلبي يميل نحو الوجهة النهائية لكل إنسان.

عندما عدتُ إليها حوالي الساعة الخامسة رأيتها من الغرفة المجاورة حيث جلستُ مع أخصائيي القلب، كانت تتصبب عرقاً بارداً وتظهر عليها علامات الإغماء الشديد رغم أنها كانت لا تزال تستطيع التحدث. قالت لي شيئًا فنصحتها حوله ولكنها فهمت من ذلك أنني أقصد أنها أظهرت ضعفًا روحانيًا.. نظرت نحوي بعينين تتوسلان الرحمة وقالت: "سيدي العزيز! لا تدعني أموت كافرة"، وكانت تعني أنها إذا ارتكبت خطأ، فلا يجب أن أغضب منها، بل يجب أن أرشدها إلى الطريق الصحيح.

في تلك اللحظة، كنت أرى الموت يسارع خطاه نحوها. وعندها كانت العواطف الخارجة عن إرادتي تمامًا تجتاح قلبي الهش، وبدأت أفقد قوتي. ولكن سرعان ما أدركت أن الولاء التام لله تعالى ولمريم يتطلب مني أن أحضها على الاستمرار في ذكر الله وأن علي نسيان كربي. نجحت في السيطرة على مشاعري واستجمعت نفسي ثم ركعت بجانب مريم وقلت لها بهدوء: "لا تسيئي الظن بالله؛ فهو لن يسمح لمن هي من نسل رسول الله محمد ﷺ -حيث أنها من ذريته - وزوجة ابن المسيح الموعود عليه السلام أن تموت كافرة".

في تلك اللحظات التي كانت فيها قادرة على التحدث والاستماع، رغبت بالتعبير لها عن حبي، ولكنني أدركت أنها الآن لم تعد تنتمي إلى هذا العالم وأنها انتقلت إلى الدارة الآخرة، وقد وصلت علاقتنا إلى نهايتها وصارت علاقتها الآن مع إلهها فقط، لذا فإن التدخل في هذا الوقت من شأنه أن يخل بقدسية تلك العلاقة. لذلك قررت أن أذكّرها بالآخرة لكي تشغل نفسها بذكر الله. إلا أنني خشيت قول ذلك صراحة حتى لا يغرق قلبها الهش أمام هذه الفرصة المثالية لذكر الله.

فقلت لها أخيرًا: "مريم.. سيموت الجميع يومًا. اسمعي، لو متّ قبلك، سأطلب من الله أن يسمح لي بلقائك بين الحين والآخر. لكن إذا متِّ قبلي، فاطلبي من الله أن يسمح لك بمقابلتي بين الحين والآخر. مريم، إذا حدث هذا، بلغي سلامي للنبي صلى الله عليه والمسيح الموعود عليه السلام.

ثم قلت: "مريم، بسبب مرضك، لا يمكنك قراءة القرآن فدعيني أقرأه لك" ثم قرأت لها سورة الرحمن، التي كانت عزيزة عليها (وهو أمر لم أكن أعلمه وأخبرتني به صديقاتها المقربات فيما بعد) مع ترجمتها وعندما أكملت التلاوة، طلبت مني بصوتٍ منخفض أن أقرأ أكثر. فعرفت حينها أنها قد أدركت أن تلك هي لحظاتها الأخيرة، فبدأتُ بتلاوة سورة ياسين.

 

الآن بعد أن أدركتْ دنو لحظاتها الأخيرة، حاولت أن تخبرني شيئًا قائلة: "حبيبي ..." فقلت لها: "مريم، حان الوقت الذي يجب فيه أن تنسي حبك لي وتركزي على ذكر من هو لي ولك."

"مريم، الآن هو الوقت المناسب لذكر الحبيب"، ثم أخذت أردد كثيرًا ما يلي وأطلب منها تكرار ذلك بعدي:

لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ

رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوْبِي إنه لَا یَغْفِرُ الذُّنُوْبَ اِلَّا أنتَ

بِرَحْمَتِك أسْتَغِیْثُ یَا اَرْحَمَ الرَّاحِمِیْن

بعد وقتٍ قليل، لاحظت أنها انشغلت في ذكر الله. كان هنالك سكينة غريبة على محياها، وبدا من حالتها أنها كانت في حضرة الله تطلب رحمته تعالى، وكانت تردد بكثرة بصوتٍ جميلٍ وعذب الكلمات التالية:

یَا حَيّ یَا قَیُّوْمُ بِرَحْمَتِكَ اَسْتَغِیْث

كانت تردد ذلك وتزمّ شفتيها وهي تقول كلمة "أستغيث" بطريقة جعلتنا نعتقد أنها كانت تتحدث معه تعالى بكل يقين فكانت تقول تلك الكلمات في حالة من العبادة فقط، وإلا فإن روحها كانت تقول  "يا إلهي، أعلم أنك ستغفر لي."

في وقت لاحق اتصلت بالدكتور مير محمد إسماعيل وقلت له إنني لم أعد أستطيع التحمل وأن عليه الاستمرار في طمأنتها. وهكذا، تابع تلاوة أجزاء من القرآن وترديد مختلف الأدعية بصوت عالٍ، ثم عدت لفترة قصيرة من الزمن، ثم عاد مير صاحب مرة أخرى وبهذه الطريقة، تناوبنا على الحديث مع مريم. لقد صمتَ صوتها الآن.. رغم أن شفتيها لا تزالان تتحركان.

في ذلك الوقت، وصل الدكتور لطيف من دلهي وأخبرنا أن مرضها يفاقم حالة الربو التي تعاني منها. كان يخشى أن يزيد ذلك من معاناتها واقترح إعطاءها الأكسجين. أُحضر جهاز التنفس الصناعي الذي ساعدها على التنفس، ولكن ورغم ذلك، صارت أنفاسها تتقطع أكثر فأكثر. واستمرت شفتاها تتحركان بترديد الأدعية.

في النهاية، وعند الساعة الثانية وعشر دقائق وبعد أن غادرتُ الغرفة بقلق، غادر ميان بشير أحمد الغرفة [شقيق حضرة ميرزا بشير الدين محمود أحمد رضي الله عنه] وأومأ إلي بالدخول، تلك الإيماءة كانت تعني أن قدر الله قد حل.. دخلتُ الغرفة ورأيت مريم ساكنة بلا حراك وآثار السعادة والرضا بادية على محياها. كنت أخشى أن تظهر عليها تعابير العصبية في ساعاتها الأخيرة بسبب مرضها الطويل وطبيعتها الانفعالية، لذا، عندما رأيت إيمانها ونهايتها غير العاديين والنموذجيين، صرخت بشكل عفوي، "الحمد لله!"

سجدت باتجاه الكعبة قرب سريرها وشكرت الله مراراً وتكراراً على أنه أنقذها من الابتلاءات وأن حياتها انتهت وهي تحمد الله. بعد ذلك قمنا بعمل الترتيبات اللازمة لنقل جثمانها إلى قاديان. تم نُقل جثمانها إلى منزل شيخ بشير أحمد، حيث غُسلت ونقلت أخيرًا إلى قاديان - دار مسيح الله - بعد أن تم ترتيب السيارات والعربات.

في الليلة الأولى، تم حفظ جثمانها في الطابق الأرضي من منزلها وفي اليوم التالي، بعد صلاة العصر، نُقلت إلى مثواها الأخير في مقبرة بهشتي عند أقدام مسيح الله، حيث وقفت بجانب رأسها وساعدتُ في إيواء جسدها الأرض. 

اللهمّ ارحمها وارْحَمْنِي

الأولاد

كان لديها أربعة أطفال - ثلاث بنات وابن واحد - أمة الحكيم، وأمة الباسط، وطاهر أحمد [خليفة المسيح الرابع رحمه الله] وأمة الجميل. بارك الله بهم جميعًا وكان معهم في الدنيا والآخرة. عندما أحضرنا جثمانها إلى منزل شيخ بشير أحمد، بدأت الابنة الصغرى، أمة الجميل البالغة من العمر سبع سنوات (والتي كانت عزيزة جدًا على مريم وعلي) بالصراخ والنواح: أماه! أماه! .

 

اقتربت منها وقلت:"جامي (كما كنا ندلعها)، لقد ذهبت أمك إلى بيت الله. هناك، ستكون مرتاحة أكثر.. لقد كان قرار الله أن تذهب إليه.. اسمعي.. لقد مات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أيضًا وجدك (المسيح الموعود عليه السلام) قد مات فهل كانت والدتك أعظم منهما؟

أدعو الله أن لا تُحرم هذه الفتاة من ملجأه تعالى أبداً ولا لدقيقة، لأنني بمجرد أن قلت لها هذه الكلمات، لم تعد تنوح على والدتها ولو لمرة وبمجرد سماعها تلك الكلمات، التزمت الصمت، لدرجة أنه في اليوم التالي عندما صرخت أختها الكبرى - التي لم تكن على ما يرام - خلال موكب الجنازة وفقدت الوعي، اقتربت جامي من زوجتي الصغرى مريم الصديقة، وقالت: "شوتي أبا (كما كان يسميها أطفالي)، يا لغرابة أختي يقول لها والدي إنها إرادة الله أن تتوفى أمي وهي لا تزال تبكي.

 

يا رب! ألن تحفظ هذه الإنسانة في الآخرة، التي لم تبد ابنتها أي جزع على وفاة والدتها من أجل مرضاتك فقط، من أي معاناة وألم؟

يا إلهي الرحيم! من حق عبادك أن يتوقعوا مثل ذلك منك وتحقيق هذه الأمنية هو ما يليق برحمتك.