الذِّكر الإلهي



 

أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فقال له: يا رسول الله، إنَّ شرائع الإسلام قد كثرت عليَّ، فأخبرني بشيءٍ أتشبَّث به؟ قال: "لا يزال لسانُك رطبًا من ذكر الله " خرَّجه الإمام أحمد.

ونحنُ إن استنتجنا من سؤال هذا الصحابي الجليل شيئًا فإنما نستنتج مدى فضلِ الصحابة ونُبلهم وحرصهم على كلِّ خير، حيث أراد هذا الصحابيُّ معرفةَ طريق من طرق الخير ليخصَّها بمزيد من الاعتناء رغبة بالتقرب من الله عزَّ وجلَّ، وما كان من الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أنْ أخبره أن يلزم ذِكرَ الله تعالى، وكأنّه عليه السلام قدّم إليه مفتاحَ العروج الروحاني لنيل الفيض الرباني.

فماذا يعني الذِّكر الإلهي:

لقد بيّن المصلحُ الموعود رضي الله عنه معنى الذِّكر الإلهي، والاستقاءُ من فيضه رضي الله عنه يروي القلوبَ العطشى إلى التقرّب من الله تعالى، ويكشف الضبابيةَ التي تعتري العقول أحيانًا، وقد بيّن حضرتُه بكلمات لطيفة معنى الذِّكر الإلهي بقوله: "هو تذكُّر حضور الله تعالى والطريق المستخدم لتذكر حضور الله تعالى يُسمّى بذكر الله، وهو استحضار صفات الله تعالى وترديدها باللسان، وإقرارها في القلب، والتفكير في قدراته تعالى" (الذِّكر الإلهي ـ ص 9)

أهميّة الذِّكر الإلهي:

تتجلّى أهميةُ هذا الموضوع في قوله تعالى "وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ " (العنكبوت: 46)

فالله عزّ وجل أعطى الذِّكرَ الإلهي أهميةً قصوى واعتبره أعظم شيء، ووجهنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا إلى هذا الأمر الشّديد الأهمية في آياتٍ كثيرة نورد منها قوله سبحانه وتعالى:" وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا"  (الإنسان: 26)

أي يا عبدي اذكرني صباح مساء.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر"

الحالات التي تنتاب المداومين على ذكر الله:

كثيرًا ما يهتم الإنسان بمعرفة الآثار النَّاجمة عن دواءٍ تجرعه ليُشفى من مرضٍ ما، وتجد المؤمن أكثرَ حرصًا على تتبّع الحالات التي تستجد عليه من التزامه بأمرٍ إلهي قرأ عنه ووعاه بعقله وتعشّقه بقلبه، فيأخذه وِردًا له ويتتبع آثارَه المشرقة في قلبه خلال حياته، فلنتعرّف على الحالات الناجمة عن المداومة على الذِّكر الإلهي:

أولًا ـ إن ذكر الله تعالى يُولّد في قلوب المؤمنين الوجل والخشية منه سبحانه؛ لأنه يمنح القلوبَ الذاكرة اليقينَ بأنه إله عظيم ذو مجد وجلال.

ثانيًا ـ الشعور بحالة من القشعريرة خوفًا ووجلًا من الله تعالى.

ثالثًا ـ لين القلوب والجلود.

رابعًا ـ يخرّون سجدًا، أي ينشغلون في عبادة الله عزّ وجل.

خامسًا ـ  البكاء في حضرته سبحانه وتعالى.

هذه هي الحالات التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في آياته الكريمة حيث قال سبحانه:"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ"  (الأنفال: 3)

وقوله تعالى: "تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ" (الزمر: 24) وقوله عز وجل: "إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا" (مريم: 59)    

ومن هُنا يتبيّن أنَّ أيّ حالات مختلفة عما تم ذكرُه مثل الرقص والطرب والغياب عن الوعي والقفز والصياح فلا علاقة لها بالذكر الإلهي.

طُرق الذِّكر الإلهي :

بعد ما تقدّم يتساءل المؤمن عن طرق الذِّكر الإلهي التي تجعله يأخذ بأسباب ومسلتزمات العروج الروحاني، فهل هي مجرّد التسابيح والأذكار المتعارف عليها الشفاهية، أم هي أفعالٌ واجبةٌ على المؤمن، ولتقفَ عزيزي القارئ على الإجابة الشَّافية إليك هذه الوصفة الناجحة التي أمرنا الله تعالى بها في القرآن الكريم وأكّد عليها وهي:

أولًا: الصلاة.

ثانيًا: تلاوة القرآن الكريم.

ثالثًا: ذِكْرُ صفاتِ الله مرارًا وتكرارًا والإقرار بها وذِكر تفاصيلها باللسان.

رابعًا: ترديد صفاتِ الله علانيةً بين النّاس إضافةً إلى ترديدها سرًّا على انفراد.

إنّ العملَ بهذه الأمور الأربعة ضروري من أجل الروحانية، وتركها يوجب الحرمان من الثواب العظيم؛ لذلك ينبغي التّمسك بها وعدم التّخلي عنها.

إنّ أعظم هدفٍ من ذِكر الله تعالى هو تنمية محبّة الله تعالى في القلوب، وذلك لأنّ الإنسان يأنسُ بمن كان على علاقةٍ معه كلّ حين إلى درجة أنّه يحبُّ القرية أو المدينة التي يقطنها. فإذا داوم المرء على ذِكر الله تعالى كل حين فلابدّ أنَّ محبةَ الله تعالى ستزداد في قلبه رويدًا رويدًا حتى لكأنّها الهواء والماء له ... ويمكنك أن تتخيل عزيزي القارئ الفتوحات العظيمة التي سينالها عُشّاق الله تعالى فمن أحبّ ملكًا من ملوك الدنيا وتقرّب إليه نال من عطائه، فكيف بمن يتقرّب إلى الله الذي بيده ملكوت السموات والأرض سبحانه، مهما عددنا لا يمكننا حصر الفوائد العظيمة المُتنزّلة  على عباد الله المداومين على ذكره سبحانه وتعالى.. أدعو الله تعالى أن يعيننا للاستفادة من الفيض الإلهي في كل حين وأن نحيا بذِكر الله في جنّة الدنيا قبل جنّة الآخرة بقدرته ورحمته سبحانه.

 

ما تقدّم مستوحى من كتاب "الذِّكر الإلهي" للمصلح الموعود رضي الله عنه.

تم بفضل الله