تربية الأولاد والتحديات المعاصرة



 

 

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن إدراج "التربية الجنسية" في مقررات تعليم الأطفال، الأمر  الذي أحدث مخاوف لدى الآباء، بسبب حساسية الموضوع ولما قد يكون له من تأثير على الطفل لصغر سنه. فكيف يمكن التعامل مع هذا الأمر؟ وما هو المنهج الإسلامي الذي وصى به القرآن الكريم للتعامل مع الأطفال؟

صحيح أن هذا الأمر قد يكون تحديا كبيرا بالنسبة للمجتمع بصفة عامة وللآباء بصفة خاصة، حيث لم يقتصر هذا الأمر على الدول الأوروبية فقط، بل شمل بعض الدول العربية أيضا. ولمواجهته لابد من توفر الشروط التربوية البناءة والمتمثلة أولا في الآباء، لأن العملية التربوية تبدأ من البيت وتخص الآباء بالدرجة الأولى، فالأم والأب هما المثال والقدوة، وكل سلوك منهما يصبح درسًا بالنسبة للطفل.

 فلابد للبيئة الحاضنة (البيت) أن تكون مبنية على الحب والأمان والحوار والعمل بتعاليم القرآن الكريم حتى تعطي الطفل الطاقة الإيجابية والثقة في النفس لتقوية  مناعته، حتى يستطيع مواجهة العالم الخارجي بكل تأثيراته، ويكون مهيأ نفسيا وروحانيا... فدور الأسرة مطلوب وبقوة في خضم التحديات التي نعيشها، بما فيها الحرب التكنلوجية التي أصبحت تسيطر على العقول الكبيرة والصغيرة، حيث أصبحنا نعيش في مجتمع يفتقر إلى القيم الأخلاقية والدينية سواء في المجتمعات الأوروبية أو الإسلامية للأسف.. لهذا فعملية بناء جيل يتمتع بالقيم الأخلاقية والدينية، يقتضي تهيئة أرضية مناسبة حتى تكون عملية الرزع والحصاد مثمرة (أي زرع القيم والمبادئ في الطفل منذ الصغر، لجنيها عندما يكبر) لأنه لا يمكننا تغيير العالم الخارجي،  ووضع قوانين تخدم مصالحنا حسب رغبتنا وبالشكل الذي نريده، ولكن في المقابل يمكننا بدأ هذا التغيير في أنفسنا وبالتالي في أطفالنا.

معلوم أن للمجتمع والمدرسة دور مهم في التربية، لكن أساس وضع البذرة يبدأ من البيت، وإذا كانت هذه البذرة صالحة، فلن تفسد مهما كانت العوائق والظروف.

 ويقدم لنا القرآن الكريم منهجا تربويا رائع، يتمثل في النصح والإرشاد والحوار .

يقول الله تعالى في سورة لقمان: «وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ"

نلاحظ من هذه الآيات كم التوجيهات والنصائح التي قدمها لقمان لابنه، والتي تشمل كل ما يحتاجه الأبناء في دينهم ودنياهم، والأسلوب الرائع الذي تكلم به. وهناك أمثلة كثيرة قدمها القرآن الكريم تبين  كيفية التعامل مع الأبناء في كل مراحل حياتهم، حيث يعتبر القرآن الكريم أقدم منهج تربوي منذ اكثر من 1400 سنة صالح لكل زمان ومكان، من خلال تقديمه أجمل النماذج التربوية المتمثلة في كيفية تعامل الأنبياء والصالحين مع أبنائهم عبر العصور .رغم ما واجهوه من ظروف صعبة وتحديات قاسية، جعلتهم  محاطين من كل جانب، من كفر وشرك وجهل وحروب..  ولكن مع ذلك تركوا ذرية صالحة مازال بريقها ساطع إلى يومنا هذا، فقد كانوا مثالا يحتدى في زمانهم وبعده من أمة الى أمة... وإذا ما قارنا وضعنا الحالي نجد العديد من الامتيازات التي سخرها الله لنا والتي جعلت حياتنا سهلة بكل المقاييس، بما وصل إليه الإنسان من تقدم في جميع المجالات...لذلك علينا استغلال هذه الامتيازات لصالحنا واستعمالها بطريقة محكمة، وتعليم أبنائنا حسن التصرف .

في كتابه "منهاج الطالبين" بين الخليفة الثاني للإمام المهدي والمسيح الموعود (رضي الله عنه) طرق التربية، وقدم إرشادات مهمة للآباء للتعامل مع الأبناء، وفي كل موضع كان يركز على ضرورة تحلي الآباء بالحلم واتباع التعاليم الدينية، يقول:

" يجب على الطفل عندما يكبر أن يطيع أوامر الشريعة لفظا وعملا واعتقادا، وأن تكون عزيمته قوية حتى لا يتعرض لفتنة او ابتلاء في المستقبل"

وقد قدم لنا بدوره رضي الله عنه مثالا رائعا في تربية أولاده من نصح ورفق وامتثال لأحكام الله عز وجل، وذالك أسوة بوالده عليه السلام الذي كان أبا وصديقا ومعلما لأولاده وللمحيطين به .

ومن توجيهات حضرة ميرزا مسرور أحمد، الخليفة الخامس للإمام المهدي والمسيح الموعود:

"في محيط هذا العصر الذي يتعلم فيه الصغار من غيرهم في المدرسة أمورا دنيوية أكثرَ من ذي قبل، كما أن المدارس تعلّمهم بحجة الحرية أمورًا هم في غنى عنها إذ لا علاقة لهم بها في هذه السن، بل يقول البعض دعوا الأولاد ينموا في جو حر، ولا ينبغي أن يعلَّموا أي دين، بل سيقرّر الولد بنفسه عندما يكبر ما إذا كان سيختار الدين أم لا، وأي دين يختار، أقول: في مثل هذه الأوضاع وفي مثل هذا المحيط الذي يدفع الأولاد من كل جانب إلى المادية، قد أصبحت تربية الأجيال الناشئة تحديا كبيرا للآباء والأمهات الذين يحبون الدين (من خطاب أمير المؤمنين ميرزا مسرور أحمد (أيده الله تعالى بنصره العزيز) الذي ألقاه يوم 04/08/2018 في خيمة النساء بمناسبة الجلسة السنوية).

وقال حضرته كذلك:

"يجب على الأمهات تكوين علاقة وثيقة مع أبنائهن منذ الطفولة وتعليمهم أمور دينهم. ومن واجب الأم المسلمة الأحمدية أن تغرس في أبنائها أن عليهم دائمًا إيثار دينهم على الدنيا وألا تستحوذ أو تسيطر عليهم أضواء الدنيا البراقة وطرقها السطحية"

"ولذلك فمن واجبكن تربية أبنائكن وبناتكن تربية حسنة منذ الصغر – فهذه هي الطريقة لحماية أجيالكن القادمة وهذا هو التحدي الأكبر في عصرنا. لذا لا تعتبرن قضايا منطقتكن ومشاكلها المحلية هي التحدي الأكبر. بل يكمن التحدي الحقيقي في محاربة التراجع الأخلاقي، والشرور التي تتفشى في العالم" (من اللقاء الافتراضي للخليفة الخامس نصره الله مع لجنة إماء الله في الكبابير 06/06/2021).  فيؤكد حضرته دائما على ضرورة التربية الصحيحة وضرورة العمل بالتعاليم الدينية السمحة .

زبدة القول أن العالم يتغير بوتيرة سريعة ومخيفة لذلك علينا أن نكون جاهزين لكل تغيير سواء كان لصالحنا أو لا، وتعتبر الأجيال الصاعدة المشعل الذي سينير طريق المستقبل، لذلك فإن طريقة تربية هذه الأجيال هي من سيحدد الشكل الذي سيكون عليه .