الحقيقة المقلقة حول هدر الطعام وكيف يمكن تفادي ذلك بحسب التعاليم الإسلامية؟



 مع الأسف، تتحدث عناوين الصحف الرئيسة بصورة متكررة عن المجاعة في أجزاء معينة من العالم. وفي الوقت نفسه، فإن التقارير المتعلقة بارتفاع معدل الإصابة بمرض السكري والسمنة - بسبب الاستهلاك المفرط - في أجزاء أخرى من العالم تنذر بالخطر أيضًا.

هناك ما يكفي من الغذاء في العالم لإطعام الجميع. (بحسب التقرير السنوي لمنظمة الأغذية والزراعة لعام 2018) ومع ذلك، فإن واحدًا من كل تسعة أشخاص في العالم لا يملك ما يكفي من الطعام؛ أي أن 793 مليون شخص يعانون من نقص الغذاء. (اليونيسف/ منظمة الصحة العالمية، المستويات والاتجاهات في سوء التغذية، 2018). فإذا أمكن توفير ربع الطعام المهدر حاليًا، فسيكون ذلك كافيًا لإطعام 870 مليون شخص جائع.
ووفقًا لتقرير حديث صادر عن منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو): يُهدر، على مستوى العالم، ما يقرب من ثلث الأغذية المعدة للاستهلاك البشري أي ما يعادل 1.3 مليار طن من الغذاء سنويًا (برنامج الأمم المتحدة للبيئة، تقرير مؤشر نفايات الطعام 2021). ويُهدر ما يقرب من نصف الفواكه والخضروات المنتجة (أي 3.7 تريليون تفاحة).
 
ونظرًا لأن إنتاج الغذاء يستنزف الموارد، فإن الخسائر والنفايات الغذائية مصحوبة بشكل غير مباشر بمجموعة واسعة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، إلى جانب الآثار البيئية كتآكل التربة وإزالة الغابات وتلوث المياه والهواء، فضلاً عن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن عمليات إنتاج الغذاء والتخزين والنقل وإدارة النفايات.
 
تحدث نفايات الطعام طوال عملية الإنتاج بأكملها، من المزرعة إلى التوزيع إلى تجار التجزئة إلى المستهلك. ويتم تصنيف هذه النفايات بشكل مختلف بناءً على مكان حدوثها: تحدث "خسارة" الطعام قبل وصول الغذاء إلى المستهلك نتيجة لمشاكل في مراحل الإنتاج والتخزين والمعالجة والتوزيع. يشير مصطلح "نفايات" الطعام إلى الأطعمة الصالحة للاستهلاك ولكن يتم التخلص منها عن قصد في مراحل البيع بالتجزئة أو الاستهلاك.
 
ويُهدر ما يقرب من 88 مليون طن من الغذاء في الاتحاد الأوروبي كل عام. وفي الولايات المتحدة، يهدر ما يصل إلى 40٪ من جميع المواد الغذائية المنتجة دون أن تؤكل، وينتهي الأمر بحوالي 95٪ من الطعام المهمل في مكبات النفايات. ومن بين 40 مليون طن من الطعام الذي يُهدر كل عام، فإن الكثير منها صالح للأكل ومغذٍ تمامًا. (الهدر: كيف تخسر أمريكا ما يصل إلى 40 % من طعامها؟، مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية، 2017).
 
وعلى مستوى البيع بالتجزئة، فإن من بين الأسباب الرئيسة لتلف الأغذية في المخازن ما يلي: عرض المنتجات المكدسة، وتوقع المنظر الجميل للفواكه والخضروات والأطعمة الأخرى، والعبوات كبيرة الحجم، وتوافر الطعام الجاهز حتى الإغلاق، والأغذية التي بيعت قبل آخر يوم من تاريخ الصلاحية، والسلع التالفة والمواد الموسمية القديمة والإفراط في شراء الأطعمة التي لا تحظى بشعبية. (قيمة خسائر الفاكهة والخضروات على مستوى التجزئة والمستهلكين في الولايات المتحدة، مجلة شؤون المستهلك، 2011).
وفي حين أن هدر الطعام يحدث في جميع مراحل سلسلة التوريد الغذائي، فقد تم تحديد المنازل الخاصة على أنها جهات فاعلة رئيسية في توليد نفايات الطعام.
تعادل نفايات الطعام في الولايات المتحدة أكثر من 100 كيلوغرام (220 رطلاً) من النفايات لكل شخص، أي 21٪ من المواد الغذائية المشتراة، ويكلف هذا المتوسط 1800 دولار أمريكي سنويًا. (وكالة حماية البيئة الأمريكية، تقرير الأغذية المهدرة لعام 2018) وهذا يعادل قيام كل شخص بإلقاء أكثر من 650 تفاحة متوسطة الحجم في القمامة مباشرة، أو بالأحرى في مقالب القمامة، حيث ينتهي الأمر بمعظم الأطعمة المهملة هناك.
تتضمن بعض طرق التعامل مع الطعام الزائد، التي توفرها وكالة حماية البيئة الأمريكية في "التسلسل الهرمي لاسترداد الغذاء"، تقليل المصدر، وهو أول منع من خلال تقليل الحجم الإجمالي للأغذية المنتجة. ويمكن التبرع بالأطعمة الزائدة التي تم شراؤها للمجتمع أو لمنظمات الإغاثة من الجوع مثل بنوك الطعام. ويمكن التبرع بفضلات ونفايات الطعام للمزارعين المحليين، الذين يمكنهم استخدامها لتغذية الحيوانات وإنشاء السماد العضوي أو الطاقة الحيوية أو الأسمدة الطبيعية.
 
تم في 29/09/2020، الاحتفال باليوم الدولي الأول للتوعية بهدر الطعام. وجاء ذلك خلال جائحة كوفيد -19 العالمية، الذي أثار دعوة للاستيقاظ بشأن الحاجة إلى تغيير وإعادة التوازن في طريقة إنتاج طعامنا واستهلاكه.
يعد اليوم الدولي للتوعية بهدر الأغذية فرصة للدعوة إلى اتخاذ إجراءات من قبل السلطات الوطنية أو المحلية والقطاع الخاص (الشركات والأفراد) على حدٍ سواء، لإعطاء الأولوية للجهود والمبادرات للحد من هدر الأغذية من أجل تعزيز الكفاءة واستخدام الموارد الطبيعية والتخفيف من حدة تغير المناخ ودعم الأمن الغذائي والتغذية.
 
الإسلام وهدر الطعام:
يوجه الإسلام المؤمنين إلى الاعتدال. إذا كان الله قد أنعم على إنسانٍ بوفرة الرزق، فلا ينبغي له العيش في تقتير، ولا في تبذير:
"وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا".
وفي الآية 32 من سورة الأعراف يقول الله تعالى:
"يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"
 وفي الآية 28 من سورة الإسراء يقول الله تعالى:
"إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا"
يحرم الإسلام الهدر في كل جانب من جوانب الحياة - سواء كان ذلك بالوقت، أو بالطاقة، أو الثروة، أو حتى الطعام.
إذا كان الله قد أنعم علينا بأكثر من حاجتنا، فعلينا أن نكون شاكرين له، ولإظهار الامتنان والتقدير لله، يجب أن نجتهد في مشاركة وتوزيع الفائض بين الفقراء والمحتاجين في المجتمع. يقول الله تعالى في الآية 142 من سورة الأنعام:
"وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ".
 
نفهم من هذه الآية أن الطعام معرض جدًا للهدر. ومع ذلك، لا يأمرنا الله تعالى بعدم هدره فحسب، وإنما يعلمنا في نفس الآية أيضًا كيف نتجنب ذلك. فقد أمرنا الله أن نتقاسم طعامنا مع الفقراء - ليس من بقايا الطعام بعد طرحه في السوق، ولكن في نفس يوم حصاده.
لقد تناول حضرة خليفة المسيح أيده الله تعالى بنصره العزيز موضوع هدر الطعام في مناسبات عديدة، لا سيما في الجلسات والاجتماعات.
وخلال كلمة ألقاها في جلسة المملكة المتحدة السنوية، شجعنا على الانتباه للطعام الذي نتناوله في أيام الجلسة وعدم إهداره. وقال حضرته أيضًا إن الأطفال يميلون إلى إهدار الطعام، لذلك يجب على الآباء الانتباه إلى تقديم الطعام لأطفالهم بشكل مناسب.
 
بالنسبة لكثير من الناس في العالم، خاصةً حيث يكون الطعام وفيرًا وأقل تكلفة، أصبح إهدار الطعام عادة: من شراء طعام أكثر مما نحتاجه، إلى ترك الفواكه والخضروات تفسد في المنزل أو أخذ كميات أكبر مما يمكننا تناوله. ولا يتم غالبًا استغلال بقايا الطعام بشكل كافٍ ويتم التخلص من بقايا الطعام التي لا يزال من الممكن استهلاكها أو تحويلها إلى سماد. تضع هذه العادات ضغطًا إضافيًا على مواردنا الطبيعية وتضر ببيئتنا.
عندما نهدر الطعام، فإننا نهدر العمل والجهد والاستثمار والموارد الثمينة (مثل الماء والبذور والأعلاف وما إلى ذلك) التي تدخل في إنتاجه. يعد الحد من إضاعة الأغذية وهدرها أمرًا ضروريًا في عالم يعاني فيه ملايين الأشخاص من الجوع كل يوم. ويتعلق الأمر بأداء كل شخص دوره، من الأفراد إلى الشركات الكبيرة، وتحمل المسؤولية وإجراء تغييرات صغيرة لإحداث تغييرات هادفة ومستدامة لكوكب الأرض.