الكذب على الأطفال
دكتوراه في التربية تخصص تقنيات التعليم
نسمع دائمًا أن سنوات الطفولة المبكرة هي أهم السنوات في حياة الطفل وتشكيل شخصيته.. ولكن لماذا هي مهمة؟ وما هي التصرفات والأفعال التي يقوم بها الأهل ويكون لها آثار مستقبلية خطيرة؟
انطلاقاً من أهمية هذه المرحلة سنتناول موضوعات وتفاصيل في حياة الطفل الصغير، تجعلنا نفهم أكثر الآثار المستقبلية لأي سلوك نقوم به مع الطفل.
يتعلّم الطفل الصغير "الكذب" بشكل غير مباشر، أي من خلال تشرّب هذه العادة من الأبوين بالدرجة الأولى، ومن محيطه الاجتماعي الأوسع بالدرجة الثانية.
وكما هي حال أي عادة أخرى فهي تبدأ كبذرة صغيرة مع بداية تشكّل السلوك، ولذلك فإن التركيز في هذا المقال سيكون على مرحلة الطفولة المبكرة (السنتين الأولى والثانية)، وفيما يلي بعض الممارسات الشائعة والمتوارثة من جيل إلى جيل، والتي نأخذها ونقوم بها دون تفحّصها والوعي بمخاطرها في تعليم الطفل الكذب:
التصرف الأول: عندما نبعد عن الطفل أي شيء مؤذٍ أو خطير، وتفاديًا لبكائه نقول له: إن "القطة أو العصفور" قد أخذه..
إضافة إلى أن هذا الطفل سيأتي يوم يكبر فيه ويعرف بأن هذا القول غير صحيح أو غير صادق، فإنه سوف يتعلّم أسلوب المراوغة، ويشرّع لنفسه الكذب في تبرير المواقف..
التصرف الصحيح: وإن لم يكن الطفل يفهم كل ما نقوله، فإنه يجب علينا تبرير تصرفنا (إخفاء الأشياء الخطيرة) بالنزول لمستوى نظر الطفل والتكلّم معه بهدوء، والقول له بعبارات وكلمات تناسب عمره: بأننا أزلنا هذا الشيء لأنه مؤذٍ وخطير وممكن أن يجرحك..
والحقيقة أنه بتكرار هذه العادة (شرح الأسباب الحقيقية لسلوكنا)، سيعتاد الطفل على أسلوب شرح الأسباب المنطقية، وسيكون هذا أسلوبه في المستقبل أيضاً..
ملاحظة: قد تثير عادة التواصل اللفظي البصري مع الطفل الصغير استغراب أو استهزاء الأشخاص المحيطين بالأبوين.. وقد يوجهون ملاحظات جارحة مثل: كيف تتكلّم مع طفل لا يفهم من حديثك سوى عدّة كلمات.. وللتذكير فإننا هنا نحاول أن نؤسس عادة رائعة مع أطفالنا؛ وهي الحوار معهم، ومساعدتهم على ضبط غضبهم من خلال التعرّف على أسباب المواقف المزعجة التي تحصل معهم..
وبغض النظر عن رأي الآخرين فإن نتائج هذه العادة ستجني ثمارها قريبًا.. وستتفاجأ عندما يطلب منك طفلك الصغير بشكل غير متوقع تفسير موقفٍ ما حصل معه..
التصرف الثاني: عندما نريد منع الطفل من الذهاب لمكان معين، أو مصاحبة شخص ما، وتفاديًا لنوبة غضبه، فإننا نقول له: إن هناك (وحش) أو (حيوان ما...إلخ) سيأخذك، أو أن الطبيب سيعطيك حقنة.
من الأضرار المباشرة لهذا التصرف توليد الخوف عند الطفل، وبمرور الوقت سيخاف الطفل من الأماكن المظلمة، أو من الأشخاص الغرباء، أو من البقاء وحده معتقدًا أن هذا (الحيوان، أو الوحش، أو الطبيب المخيف... إلخ) سيكون موجوداً، وبالتالي سيتولّد لديه الجبن أيضاً.
التصرف الصحيح: هو التفسير المنطقي للأسباب الذي ذُكر في الفقرة السابقة.. وإن هذا التفسير يبدو هنا مهماً جداً خاصة في حالة إذا كانت الأم عاملة، وهي مضطرة لمغادرة المنزل يومياً وترك طفلها.. ورغم صعوبة المرحلة الأولى إلا أن الطفل سيعتاد خروج والدته وعودتها في وقت محدد.. دون الحاجة لزرع المخاوف في نفس الطفل من احتمال عدم عودة والدته لأنها ذهبت إلى مكان خطير باعتقاده..
أضف إلى ما سبق الموقف السلبي الذي سيشكلّه الطفل من زيارة الطبيب عند الحاجة.. وما يتبع ذلك من مواقف مخيفة للطفل تثير انفعالاته، ومحرجة لنا كأهل، نحن الذين أوجدناها في حياته..
ملاحظة: يولد الطفل ولديه خوف طبيعي من السقوط والأصوات العالية فقط.. والمحيط الاجتماعي هو المسؤول عن تعليم الطفل الخوف.. فالخوف مكتسب.. أي متعلّم..
التصرف الثالث: عندما نريد صرف انتباه الطفل عن شيء ما، أو إيقافه عن فعل ما، فإننا نقول له: تعال لأعطيك لعبة ما، أو لأصطحبك في نزهة.. وبمجرد تلبية الطفل لرغبتنا لا نفي بوعدنا السابق له..
إن تكرار هذه المواقف ستُفقد الطفل ثقته بوالديه وتزعزعها.. وبمرور الوقت ستعلّمه التمرّد على تعليمات والديه، والنظر باستخفاف إلى ما يقولانه أو يفعلانه..
التصرف الصحيح: وإن كان الطفل صغيراً.. وتعتقد أنه لن يتذكر أو يفهم ما تقوله.. فلا تعده بشيء ما، وأنت تعرف مسبقاً أنك لن تفعله، أو أنك غير قادر على فعله.. مهما كان هذا الوعد يبدو صغيراً أو تافهاً بنظرك..
والأهم أن نتذكر أنه:
لا توجد كذبة صغيرة أو كبيرة.. ولا توجد كذبة بيضاء أو سوداء..
الكذب كذب.. وليس له حجم ولا لون ولا مبرر.. فلنواجه أنفسنا دون مبررات لا تقنع أي عاقل..