السيدة خديجة بنت خويلد (رضي الله عنها)
ولدت أم المؤمنين السيدة خديجة (رضي الله عنها) لعائلة نبيلة في مكة عام 556م. كان والدها تاجرًا كبيرًا، وقد علّمها كيفية إدارة تجارته، فأصبحت سيدة أعمال ذات شرفٍ عظيم وثروة، وكانت توظّف الرجال لتسيير أمور تجارتها مقابل حصولهم على نسبة معينة من الربح، وكانت رضي الله عنها معروفة بذكائها وحنكتها وطهارتها وعفّتها، وقد سميت بـ "الطاهرة" و"سيدة نساء قريش".
لقد قدمت لنا السيدة خديجة (رضي الله عنها) مثالًا عمليًا على تعاليم الإسلام المتعلقة بحق المرأة في العمل.
قال الله تعالى: "لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ [النساء: 33]
كانت السيدة خديجة (رضي الله عنها) في الأربعين من عمرها عندما تزوجت بنبينا الحبيب محمد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) وكان عمره آنذاك 25 سنة، عاش الزوجان بسعادة كبيرة وكانت حياتهما الزوجية مليئة بالحب والمودة الكبيرة.
بقيت السيدة خديجة (رضي الله عنها) حتى وفاتها عن عمر يناهز 65 عاما، مصدرا للحب الهائل والراحة والدعم للنبي (صلى الله عليه وسلم) وكانت حتى بعد وفاتها أحب زوجات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إليه:
"عن عائشة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة، فيحسن الثناء عليها. فذكرها يوماً من الأيام فأدركتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزاً، فقد أبدلك الله خيراً منها! فغضب حتى اهتز مُقدّم شعره من الغضب، ثم قال: "لا، والله ما أبدلني الله خيراً منها، أمنت إذ كفر الناس، وصدّقتني وكذبني الناس، وواستني في مالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذ حرمني أولادَ النساء" . قالت عائشة: فقلت في نفسي: لا أذكرها بسيئة أبدًا".(أسد الغابة)
ومن شدة حب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ظلت ذكراها معه حتى نهاية أيامه وسمى حبها له رزقًا، وكان بعد وفاتها يكرم صديقاتها إكرامًا لها:
"روي عن أنس قال كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم إذا اُتي بهدية قال: "عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتي بالشيء يقول: "اذهبوا به إلى فلانة ، فإنها كانت صديقة خديجة . اذهبوا به إلى بيت فلانة ، فإنها كانت تحب خديجة" (الأدب المفرد للبخاري)
"وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا قَالَتْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ فَيَقُولُ أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ قَالَتْ فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا فَقُلْتُ خَدِيجَةَ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا" (صحيح مسلم).
ومع أن السيدة خديجة (رضي الله عنها) كانت تعيش في جنة الدنيا التي وعد الله بها المتقين إذا كانت زوجة من هو رحمةٌ للعالمين، إلا أن الله تعالى بشرها أيضًا في حياتها بجنة الآخرة:
"عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا عَزَّ وَجَلَّ وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ" (صحيح مسلم)
"وعن أنس قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده خديجة قال إن الله يقرئ خديجة السلام فقالت إن الله هو السلام وعلى جبريل السلام وعليك السلام ورحمة الله وبركاته" (السنن الكبرى للنسائي)
ولدت حضرة خديجة للرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) ولدين ماتا في سن الطفولة هما القاسم وعبد الله، و4 بنات هن: زينب ورقية وأم كلثوم اللواتي توفين في حياته (صلى الله عليه وسلم) وفاطمة التي كانت أول أهله لحاقًا به.
كانت السيدة خديجة أول من آمن بالنبي (صلى الله عليه وسلم) بعد أن تلقى الوحي الإلهي، وظلت حتى آخر أنفاسها صحابيته المثالية، وزوجته المخلصة، ومصدر الدعم له.
توفيت في شهر رمضان عام 620 م قبل الهجرة بثلاث سنوات عن عمر 65 سنة بعد أن مكثت مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) 24 سنة وستة أشهر ودفنت في الحجون. وأطلق على العام الذي توفيت فيه عام الحزن حيث توفي قبلها بأيام عم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أبو طالب.
وبعد عدة سنوات من وفاتها تزوج النبي (صلى الله عليه وسلم) مرة أخرى وذلك من السيدة سودة بنت زمعة (رضي الله عنها) التي كانت أرملة كبيرة في السن.