هل انتشر الإسلام بالسيف؟
البقرة: 257 البقرة: 25757نه إذا كان الجهاد القتالي غير جائز الآن فلماذا استُخدم السيف في صدر الإسلام؟ فهذا خطأ المعترضين أنفسهم، ومنشؤه عدم العلم. إنهم لا يدرون أن الإسلام لا يجيز الإكراه قط لنشر الدين. انظروا كيف جاء المنع من ذلك في القرآن الكريم حيث يقول: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ، فلماذا رُفع السيف إذًا؟ الحقيقة أن الناس الهمجيين من العرب الذين لم يبق فيهم شائبة من الأدب والتحضر صاروا أعداء ألداء للإسلام والمسلمين. وعندما أُتمَّت عليهم حجة التوحيد والحقائق الإسلامية بالأدلة البيّنة ووُضّح لهم جيدا أنه من الخطأ الفادح أن يعبد المرء أصناما مع كونه إنسانا، لأن ذلك يعارض الإنسانية أيضا، فلم يطيقوا جوابا على هذه الأمور المعقولة.
وبسبب عدم قدرتهم على الجواب نشأت في العقلاء حركة إلى الإسلام. فانفصل الأخ عن الأخ والأب عن الابن. فلم يجدوا حيلة لإنقاذ دينهم الباطل إلا أن يمنعوا الناس من الانضمام إلى الإسلام بعقوبات قاسية. عندئذ بدأ "أبو جهل" وغيره من زعماء مكة يفعلون ذلك في مكة المعظمة. المطّلعون على تاريخ صدر الإسلام يعرفون جيدا ما صبّه المعارضون من المظالم في مكة، وكم من الأبرياء قتلوهم ظلما، ومع ذلك لم يرتدع الناس عن الإسلام لأن حتى من يملك عقلا سطحيا يعرف وضوح الإسلام ومعقوليته مقابل عبادة الأوثان. ولما لم ينجح كيدهم هذا أيضا بحسب مبتغاهم قرروا أن يقتلوا النبي . ولكن الله تعالى أنقذه وأوصله إلى المدينة، فلاحقوه ليقتلوه، ولم يتخلَّوا عن سلوكهم بأي حال. فما كانت في يد الإسلام حيلة إلا أن يدافع ضد تلك الهجمات ويعاقب الذين كانوا يهاجمون بغير حق.
إذًا، فإن حروب الإسلام لم تكن لنشر الدين بل لإنقاذ حياة المسلمين. هل يقبل عقل سليم أن الإسلام عجز عن إثبات معقولية التوحيد حتى لعبدة الأوثان الهمجيين؟ هل لعاقل أن يقبل بأن الإسلام كان مغلوبا على أمره من حيث الحجة أمام المشركين الذين كانوا يعبدون الأحجار والجمادات، وكانوا ملوَّثين بأصناف الأرجاس، وكان يريد أن ينجز مهمته بالسيف؟ العياذ بالله! كلا، هذه الأفكار ليست صحيحة قط. والذين وجّهوا إلى الإسلام اعتراضات من هذا القبيل قد أخفوا الحق ظلما منهم.
صحيح أن المشايخ أخذوا نصيبا من هذا الظلم، لكن القساوسة لا يقِلُّون عنهم في هذا المجال، حيث رسّخوا في أذهان عامة الناس كلام المشايخ قليلي الفهم بتوجيه اعتراضات من هذا القبيل إلى الإسلام. فزعم عامة الناس أنه ما دام مشايخنا يفتون بالجهاد، وكذلك القساوسة، وهم أصحاب العلم، يثيرون الاعتراضات نفسها؛ فيثبت من ذلك أن الجهاد مسموح به في ديننا. ما أعظمه من ظلم ارتُكبَ إذ أُلصق هذا الاعتراض بالإسلام بشهادتين! لو لم يسلك القساوسة هذا المسلك وقالوا بأمانة التزاما بالحق والصدق بأن هؤلاء المشايخ يفتون هذه الفتوى جهلا وغباوة منهم وإلا فإن الظروف التي أدّت إلى هذه الضرورة في صدر الإسلام لم تعد موجودة في الزمن الراهن، لكان من المأمول أن تختفي فكرة الجهاد المذكورة من الدنيا نهائيا. ولكن لما كان الإفراط في الحماس والتفريط في الفهم، لم يَفهموا الحقيقة.
صحيح تماما أنه عندما استحق العرب القتلَ في نظر الله نتيجة كثرة أعمالهم المفسدة وبسبب سفكهم الدماء بغير حق، عندها صدر الأمر أنهم يستحقون القتلَ، ولكن مع ذلك لو آمنوا لرُفعت عنهم عقوبة القتل. ولعل المعارضين قليلي الفهم انخدعوا من هذا الحكم. إنهم لا يفقهون أن هذا ليس إكراها بل هو تخفيف عن الذين كانوا يستحقون القتل، ولا غباوة أكبر من عدِّه إكراها. فقد استحق هؤلاء القتل لقتلهم لا لكفرهم. وكان الله الرحيم أيضا يعرف جيدا أنهم مدركون لصدق الإسلام جيدا فقد اقتضت رحمته أن يُعطى المجرمون الواجبُ قتلهم فرصة للعفو عن ذنوبهم. فيتبين من ذلك أيضا أن الإسلام لم يرِد قط أن يقتل أحدا بل الذين استحقوا القتل نتيجة سفكهم الدماء أوجد لهم أيضا طريقا للعفو. ففي ذلك الزمن واجه الإسلام هذه المشاكل في كل مكان لأن العناد كان متفاقما ضده في كل قوم؛ وكان إذا أسلم أحد من أيّ قوم تعرض للقتل أو صارت حياته في خطر دائم وأصبحت جحيما. ففي هذه الأوضاع اضطر الإسلام إلى خوض الحروب لإرساء دعائم الأمن. وبدون هاتين الحالتين لم تخطر الحرب ببال الإسلام قط في ذلك الزمن من الابتلاء أيضا. لم يهدف الإسلام إلى خوض الحروب من أجل الدين ولكنه أُكره عليها بغير حق. فكل ما حدث على صعيد الواقع كان من أجل حماية الحرية وللدفاع. ولكن المشايخ قليلي الفهم أضافوا إلى هذه القضية حواشيَ من عند أنفسهم واعتبروا الوحشية المخجلة افتخارا لهم. ولكن هذا ليس خطأ الإسلام بل هو قصور عقول هؤلاء القوم الذين يعُدّون دم الإنسان أرخص من دم الدواب أيضا، ولم يشبعوا من سفك الدماء إلى الآن بل ينتظرون مهديا سفاكا لهذا الغرض. وكأنهم يريدون أن يثبتوا لجميع الأقوام أن الإسلام كان بحاجة إلى الجبر والإكراه دائما من أجل انتشاره، وليس فيه أدنى صدق أو حق.
يبدو لي أن المشايخ في العصر الحاضر ليسوا راضين بالانحطاط الذي يواجهه الإسلام حاليا فحسب، بل يريدون أن يذهبوا به إلى الدرك الأسفل بإصرارهم على هذه المعتقدات. ولكن اعلَموا يقينا أن الله لا يرضى بأن يكون الإسلام عُرضة لمثل هذه التهم واللوم. يكفي للمعارضين الجهلاء ابتلاءً أنهم مازالوا ثابتين على فكرتهم القائلة بأن الإسلام ظل يستخدم السيف للإكثار من عدد جماعته في الزمن الأول وبعده أيضا. لقد آن أوان اقتلاع هذا الخطأ من الأذهان بدلا من ترسيخه أكثر من ذي قبل. لو ركّز المشايخ المسلمون مجتمعين على أن يزيلوا هذا الخطأ من أذهان المسلمين الهمجيين لكانت هذه منّة عظيمة لهم على القوم دون أدنى شك. وليس ذلك فحسب بل لَظَهَرَ للناس أساس محاسن الإسلام العظيمة بواسطتهم، ولزالت جميع أنواع الكراهية التي يكنّها تجاه الإسلام معارضوه على أساس الدين نتيجة أخطائهم. عندها تصبح أنظارهم نقية وتستفيض سريعا من ينبوع النور هذا. من الواضح أن أحدا لا يقرب شخصا سفاكا بل يخافه الجميع وترتعب النساء والأولاد خاصة بمجرد رؤيته، فهو يتراءى كالمجنون، ويخاف معارضٌ ينتمي إلى دين آخر أن يبيت عنده خشية أن يقتله ليلا ليُسمَّى مجاهدًا، لأنه ما زالت في بعض سكان التخوم عادة أنهم -لكسب الثواب بهذه الطريقة كما يزعمون- يسفكون الدماء بغير حق ويزعمون أنهم كسبوا الجنة اليوم بعمل واحد واستحقوا جميع نِعمها.
فكم هو مخجل أنه قد رُفع الأمان عن الأقوام الأخرى في جوار المسلمين ولا تطمئن قلوبهم أن هذا القوم سيحسن إليهم إذا سنحت لهم فرصة!
نواجه في كثير من الأحيان مواقف نرى فيها شخصا من قوم آخرين مرتعبا مذعورا بسبب هذا المعتقد الكامن عند المسلمين.
لقد سبق لي أن شاهدت مشهدا، ولعل تاريخه يعود إلى 20/11/1901م حين جاء إلى قاديان شخص إنجليزي وكان لفيف من أفراد جماعتي مجتمعين حينها وكان الحديث يدور حول موضوع ديني، فجاء الشخص المذكور ووقف جانبًا، فدعوتُه بلطف وأجلسته بقربي. وتبين أنه سائح إنجليزي وقد زار بلدا من البلاد العربية أيضا ويريد أن يصوِّر أفراد جماعتنا. فساعدناه في ذلك، وقلنا له جبرا لخاطره ومراعاة له أن يمكث عندنا بضعة أيام. ولكن تبين أنه كان خائفا، وقال بأنه رأى كثيرا من المسلمين الذين يقتلون المسيحيين دون هوادة. فسرد بعض القصص من هذا القبيل من بغداد حيث وقعت مثل هذه الأحداث دون رحمة. فوضحنا له الأمر بلطف وتودُّد أن هذه الفِرقة التي تسمى الجماعة الأحمدية بريئة من تلك المعتقدات براءة تامة، وتكره هؤلاء الناس بشدة. والذي تهدف إليه هذه الفرقة في مجال حقوق البشر هو أن تستأصل مثل هذه الأفكار من الإسلام. عندها اطمأن قلبه وبات عندنا ليلة هانئ البال.
الهدف من بيان هذه القصة هو أن هذه المعتقدات التي لا علاقة لها بحقيقة الأمر قد ألحقت بالأمم الأخرى أضرارا كثيرة ونشأ النفور وسوء الظن في قلوبهم. وتضاءل في قلوبهم حسن الظن بمواساة المسلمين الصادقة. وإذا بقي منه شيء فبالذين لا يعيشون على نهج المشايخ ولا يهتمون بالالتزام بمبادئ الإسلام شيئا. فلما تفاقم سوء الظن بالمسلمين إلى هذا الحد -مع أن المسلمين أنفسهم هم السبب وراءه- فأي ذنب أكبر من أن هؤلاء العلماء ومريديهم حرَموا العالم من بركات الإسلام؟ هل يمكن أن يكون من الله دين لا يستطيع أن يرسّخ في القلوب تعليمه ما لم يُر بريق السيف؟ الدين الحق هو ذلك الذي يُنجز عمل السيف بمحاسنه الذاتية وقوته وأدلته القطعية دون الحاجة إلى سيف من حديد. (الخزائن الروحانية، كتاب: كيف يمكن التخلص من الإثم)
1 البقرة: 257
2 أي فكرة الجهاد العدواني. (المترجم)