تضحيات المسلمات الأحمديات الأوائل (الجزء الأول)



 من خطاب للسيدة شميلة ناجي الرئيسة السابقة للجنة إماء الله في المملكة المتحدة في الجلسة السنوية في بريطانيا عام 2008

كلما بدأ المسيح الموعود (عليه الصلاة والسلام) أو أحد خلفائه مخططًا، تُشارك فيه النساء المسلمات الأحمديات. والجدير بالذكر أن حرم المسيح الموعود (عليه السلام) حضرة نصرت جيهان (رضي الله عنها) كانت دائمًا على رأس المساهمين. فكل مشروع تقريبًا، من بناء المساجد والمستشفى ومراكز الدعوة، ومشاريع لجنة إماء الله، ومنارة المسيح، والتحريك الجديد، وجريدة الفضل، قد بدأ بفضل تبرعاتها.
وكان أول مشروع طلب فيه خليفة المسيح الثاني (رضي الله عنه) التبرعات من النساء يتعلق ببناء مسجد في برلين في ألمانيا، وكانت أم المؤمنين نصرت جيهان بيغم (رضي الله عنها) قد تلقت للتو 500 روبية من عقارٍ لها عندما أعلن المصلح الموعود (رضي الله عنه) عن مشروع المسجد، فتبرعت بكامل المبلغ مباشرة. وتبرعت ابنة المسيح الموعود (عليه السلام) السيدة نواب مباركة بيغم بـ 1000 روبية، كما ساهمت كلٌ من زوجة حضرة ميرزا شريف أحمد، السيدة نواب أمة الحفيظ بيغم (رضي الله عنهما)، والسيدة أم دواوود (رضي الله عنها) بهذا المشروع. وكانت السيدة محمودة بيغم قد تلقت مبلغًا من زوجها خليفة المسيح الثاني (رضي الله عنهما) فدفعت نصفه في مشروع الوصية وتبرعت بالنصف الآخر لهذا المشروع. بينما تبرعت السيدة مريم بيغم (رضي الله عنها) بعِقدٍ لها، وتبرعت السيدة أمة الحي بـ 100 روبية.
عندما بدأ المصلح الموعود (رضي الله عنه) هذا المشروع، خاطب بشكلٍ خاص نساء قاديان وقال: "إذا أظهرت نساء قاديان الفقيرات حماسهن وشجاعتهن الدينية فإن النساء في الخارج سيتحفزن بالتأكيد، ولكن إذا أظهرتن ترددًا وضعفًا، فسيكون التأثير الخارجي أقل أيضًا".
بعد هذا الخطاب، أبدت نساء قاديان حماسًا وتضحية وإخلاصًا كبيرًا، فإلى جانب التعهد بدفع المبالغ المالية، تم جمع 8500 روبية في نفس اليوم. يجب أن نتذكر أن غالبية سكان قاديان كانوا من الفقراء، لكن هؤلاء النساء الفقيرات قدمن كل ما لديهن في سبيل الله.
ومن الأمثلة على ذلك أرملة عجوز قدمت روبيتين لحضرة الخليفة الثاني رضي الله عنه وقد ذكر تضحيتها في إحدى مقالاته وقال:
"هناك امرأة فقيرة جدًا من الباتان، اضطرت إلى الهجرة إلى قاديان من منطقتها لتفادي قسوة المشايخ اللاذعة، وهي لا تستطيع المشي إلا بمساعدة العصا قد تبرعت بروبيتين. إنها تتلكم اللغة الباشتوية ولا يمكنها قول سوى بضع كلمات فقط بالأردية، وقد قالت بلغتها المكسرة من خلال لمس ملابسها بأن حجابها من بيت المال وملابسها من بيت المال وحتى القرآن خاصتها من بيت المال بمعنى أنها لا تملك شيئًا، كانت كل كلمة تقولها تُغرس في قلبي كسيكينٍ حاد ولكن في نفس الوقت كان قلبي مليئًا بالشكر والامتنان لله الذي خلق مثل هذه الأرواح الحية والقوية في أمةٍ ميتة"
وثمة أرملة أخرى كانت تربي العديد من الأطفال اليتامى ولم يكن لديها نقود أو مجوهرات للتبرع بها وبدلا من ذلك تبرعت بأوانٍ تحتاجها للاستخدام يومي. وكان هناك أيضًا أرملة بنجابية لم تكن تملك سوى مجوهراتها فتبرعت بها للمسجد. وكانت هناك امرأة مهاجرة أخرى لديها ماعزان فقط فتبرعت بهما.
كما أظهرت النساء خارج قاديان أمثلة يحسدن عليها من التضحيات.
يقول الدكتور شافي أحمد رئيس تحرير صحيفة "اتفق" اليومية في دلهي عن قصة زوجته:
"تقوم الجماعة في دلهي بأداء صلاة الجمعة في مكتب هذا العبد المتواضع ..ويوم الجمعة الماضي قرأ الإمام خطبة حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد، التي نُشرت في جريدة الفضل، وكانت زوجتي المرأة الوحيدة بين المستمعين، وكنت أفكر أنه بعد الصلاة، سأطلب من زوجتي أن تتبرع بخلخالها للمسجد. في هذه الأثناء سمعت قرع الباب فذهبت إلى داخل المنزل حيث كانت تستمع من هناك إلى الخطبة وكانت جالسة على سجادة الصلاة والدموع تسيل على وجنتيها، لم تقل شيئًا وأعطتني قلادة ذهبية مكونة من خمس سلاسل وكانت تساوي 300 روبية، فأخذتها منها وأعطيتها مباشرة للإمام." (الفضل، 26 /02/1923)
كانت جميع النساء حريصات على التفوق على الأخريات بالتضحية بكل ما لديهن من أجل الإسلام. كتب حضرة الخليفة الثاني رضي الله عنه مقالا في الأول من مارس/أذار 1923، في جريدة الفضل بعنوان "مسجد برلين، نموذج إخلاص الأخوات المخلصات"، والذي ذكر فيه هذه تضحيات النساء التي لا نظير لها. وأشار إلى تضحية زوجة الكابتن عبد الكريم، القائد الأعلى السابق لولاية خير بور، التي تبرعت بكافة مجوهراتها وثيابها الجميلة التي تبلغ قيمتها 1500 روبية. وتضحيات نساء عائلة تشودري محمد حسين، رئيس قنون-غو في سيالكوت، اللاتي تبرعن بجميع مجوهراتهن والتي تبلغ قيمتها 2000 روبية، وابنة سيث إبراهيم التي تبرعت بمجوهراتها التي تساوي حوالي 1000 روبية، وزوجة ميان عبد الله السنوري، وابنته وزوجة ابنه، اللواتي تبرعن بـ 200 روبية، على الرغم من مواردهن المحدودة جدًا.
وإلى جانب هذه التضحيات الفردية، تبرعت عضوات اللجنة في سيالكوت بأموال نقدية ومجوهرات بقيمة 2500 روبية، وتبرعت عضوات اللجنة في لاهور بمبلغ 2700 روبية، وتبرعت سيدات أمريتسار بمبلغ 3000 روبية.
إذا قارنا تضحيات النساء في ذلك الوقت بقيمة المال الحالية، فيمكننا أن نتخيل كم كانت التضحيات التي قدمتها تلك النساء كبيرة عندما استجبن لدعوة إمامهن، وقدمن كل ما كان في منازلهن.
ولما ولأسبابٍ مختلفة، لم يكن من الممكن بناء مسجد برلين، فقد خاطب حضرة الخليفة الثاني رضي الله عنه في النساء في 23/10/1928 في مقال له بعنوان "اصغين يا نساء الجماعة الأحمدية":
"لقد أعلنت مسبقًا أنه لم يكن من الممكن بناء مسجد برلين، لذلك تم بناء مسجد في لندن بتبرعات النساء. وكنت قد استفسرت من النساء أنه إذا رغبن، فيمكن أن ينسب هذا المسجد إليهن وإلا فيمكن للرجال دفع ثمنه، ويبنى مسجد تبرعات النساء في بلد آخر. ولأنني لم أتلقى أي رد حتى الآن من نساء جماعتنا، فقد أدركت أنهن يرغبن في أن ينسب إليهن مسجد لندن، الذي ذاع سيطه في جميع أنحاء العالم. أعتقد أنه بالنظر إلى أهمية لندن، فمن المناسب أن يكون هناك مسجد في مركز المسيحية تبنيه النساء كاستجابة عملية للمسيحية التي تتهم الإسلام بانتهاك حقوق المرأة."
إنها نعمة عظيمة من الله أنه جعل التبرعات المالية للنساء المسلمات الأحمديات تذهب لبناء مسجد الفضل، أول مسجد يبنى في لندن. لقد قدّر الله أن يكون هذا المسجد مقر إقامة خليفة الجماعة الإسلامية الأحمدية، ويصل صوت خليفة الوقت إلى أركان العالم من هذا المسجد، كما يوجد فيه استوديو التلفزيون الإسلامي الأحمدية الدولي، والذي من خلاله تحقق وحي الله تعالى للمسيح الموعود (عليه الصلاة والسلام) "سأبلغ رسالتك إلى أقصى أطراف الأرضين "بكل جلاء. طوبى لهؤلاء النساء اللواتي بُنِيَ هذا المسجد من تبرعاتهن.
في آذار/ مارس 1950، كتب وكيل المال أن رغبة حضرة الخليفة الثاني رضي الله عنه هي أن تساهم المرأة الأحمدية في تشييد مسجد في لندن والمساجد ومراكز الدعوة في واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية، كما يجب أيضًا بناء مسجد في لاهاي في هولندا بتبرعات الأخوات الأحمديات.
عند سماع تعليمات حضرة خليفة المسيح الثاني (رضي الله عنه) استجابت النساء الأحمديات كعادتهن لنداء إمامهن المحبوب رغم أن أحوال أبناء الجماعة المالية كانت ضعيفة جدًا آنذاك، فمعظمهم كان قد هاجر إلى باكستان بعد تقسيم شبه القارة الهندية.
يجب كتابة تضحيات النساء من أجل بناء المسجد في هذه الظروف غير المواتية بكلماتٍ من ذهب في التاريخ.
قال سيدنا ميرزا بشير الدين محمود أحمد (رضي الله عنه) في خطبته في 14/12/1951 ذاكرًا جهود لجنة إماء الله:
"كانت النساء متحمسات لبناء المسجد في هولندا. لقد أظهرن تضحياتٍ أكثر من الرجال على الرغم من أن مخططهن كان صغيرًا. لا تملك النساء أي دخل فعلي في بلدنا. "(تاريخ اللجنة، الجزء 2، ص.164)
وقال أيضا إن هناك بالفعل رجال يتبرعون بأكثر من قدراتهم، لكن غالبية النساء قدمن تضحيات أكبر.
وفي عام 1964، تحقق أمرٌ هام في تاريخ الجماعة الإسلامية الأحمدية، حيث اكتملت خمسين سنة من خلافة حضرة ميرزا بشير الدين محمود أحمد (رضي الله عنه). وعند اكتمال هذه السنين الخمسين، عرضت لجنة إماء الله بناء مسجد في كوبنهاغن في الدنمارك، فلم تكتف جميع عضوات لجنة إماء الله بكتابة رسائل تهنئة لحضرة المصلح الموعود (رضي الله عنه) وإنما قد عبّرن أيضا عن سعادتهن من خلال عرضهن تمويل بناء هذا المسجد. وبالتالي قامت تلك النسوة من خلال هذا المشروع بتقديم مثال رائعٍ يحتذي للأجيال القادمة. لقد أظهرن أن النساء الأحمديات عضوات فاعلات، وأنهن لا يحتفلن بسعادتهن بغرض المباهاة، بل يحتفلن بذلك بطريقة ترضي الله تعالى وتظهر شرف النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) في العالم من خلال تبليغ الإسلام في كل مكان.
خلال هذه الفترة الأولية من تاريخ لجنة إماء الله، أتيحت للنساء المسلمات الأحمديات أيضا بفضل الله تعالى الفرصة لخدمة القرآن الكريم. فخلال الجلسة السنوية عام 1944، شجع حضرة الخليفة الثاني رضي الله عنه اللجنة لطباعة الترجمة الألمانية للقرآن الكريم وكتاب آخر. بالنسبة لهذا المشروع، شجع النساء على جمع 28 ألف روبية وأعرب عن امتنانه بأن النساء الأحمديات قد وعدن بدفع 34000 روبية. واستجابة لدعوة إمامهم المحبوب بإخلاص وصدق، فإن لجنة إماء الله قد أوفت بهذه المسؤولية في فترة قصيرة. (تاريخ اللجنة المجلد 1. صفحة 567).
في ذلك الوقت، كانت جماعة الآريا ساماج تعمل على تحويل المسلمين إلى الهندوسية، لكن المسلمين تجاهلوا هذا الأمر، ولكن في نهاية المطاف، ازداد الوضع سوءا، مما دفع حضرة المصلح الموعود (رضي الله عنه) في أوائل عام 1923 إلى أن يعرب عن رغبته بأن يكرس بعض الأحمديين المخلصين حياتهم كلها لخدمة الإسلام على نفقتهم الخاصة، ويبقون هناك لمدة 3 أشهر على الأقل للرد على ما يقوم به الهندوس. على هذه الدعوة قدم الناس من كافة المشارب أنفسهم، وفي الثاني عشر من مارس/آذار عام 1923، أقلعت القافلة الأولى وقد ودعها حضرة الخليفة الثاني رضي الله عنه بالنصائح والأدعية، كما مشت أم المؤمنين نصرت جيهان بيغم (رضي الله عنها) مع عدد من النساء إلى مكان المغادرة ورأين أبناءهن يغادرن للجهاد من أجل نشر حقيقة كلمة الله.
كما قدمت العديد من النساء أنفسهن للتبليغ في هذه المنطقة، ومنهن السيدة سعيدة بيغم من لاهور التي كتبت إلى حضرة المصلح الموعود (رضي الله عنه) قائلة:
"أود القول إني قرأت في صحيفة Zameendar أن 20 امرأة مسلمة تحولت إلى الهندوسية. 18 منهن من أمريتسار واثنتان من لاهور. لقد أفجع هذا الخبر قلبي. أتمنى أن أطير إلى هناك وأقوم بالتبليغ إذا رغب أمير المؤمنين وأعطاني الأمر بذلك، فأنا مستعدة للقيام بالعمل التبليغي".
وفي حالات أخرى، لم تقدم النساء أنفسهن فقط للعمل التبليغي فحسب، وإنما من خلال جريدة الفضل، شجعن أخواتهن بالقول إنهن إذا لم يكن بإمكانهن الذهاب بأنفسهن، فبإمكانهن نيل الثواب بإرسال أحبائهن.
"يجب أن نقول لأحبائنا أنه إذا كنتم تريدون أن ترونا سعداء، فانطلقوا إلى العمل التبليغي على الفور".
وكتبت السيدة المحترمة سردار بيغم:
"يتوقف الرجال في كثير من الأحيان عن القيام بالأعمال الصالحة لأن نساءهم يمنعنهم من القيام بذلك. أيتها الأخوات! احذرن، لا تمنعنهم من القيام بهذا العمل التبليغي، وإلا سيكون مصيركن جهنم. لذا شجّعن الرجال على الخروج لأن الوقت قد حان للحفاظ على شرف الإسلام. يجب على النساء اللواتي لا يستطعن المساعدة عن طريق إرسال رجالهن المساعدة من خلال الوسائل المالية. إذا أنفقتن أموالكن من أجل إقامة الإسلام ومنع المسلمين من الارتداد، فستحصلون في الآخرة على العديد من المكافآت كما وعد الله".