مقتبسات من خطاب أمير المؤمنين خليفة المسيح الخامس ميرزا مسرور أحمد (أيده الله تعالى بنصره العزيز) الذي ألقاه في خيمة النساء بمناسبة الجلسة السنوية بألمانيا يوم 26/08/2017



بالإيمان بالمسيح الموعود (عليه الصلاة والسلام) فهمت المرأة دينها وحقوقها:
في هذه الأيام قدّم بعض المسلمين بعملهم صورةَ الإسلام التي تُعطي العالَـمَ غير المسلِم فرصةَ الاعتراض على الإسلام، والقوى المعارضة للدين تهاجم الإسلامَ أكثر، فيُساء إلى الإسلام تارة بتسميته دينَ التطرف والظلم وتارة أخرى بعزوِ غصبِ الحقوق إليه. وأحيانا يُطعن فيه بحجة أنه لا يؤدّي حقوق المرأة، وبأسلوب ماكر تُثار عواطف المرأة المسلمة بالقول: انظُرْنَ! قد سُلبت حرّيتكن بحبسكن بين جدران البيت وبفرْض الحجاب عليكن. فاللواتي لا يملكْن علم الدين أو لا يعلمن كثيرا يظنن أنه فعلا لا تُؤدّى حقوقهن. أو هناك منحىً آخر حيث تطرّفت بعض النسوة كردّة فعل لهن على هذه الاعتراضات وأصبحْن أداةً في أيدي التنظيمات الإرهابية. إنه لمنة الله تعالى على النساء الأحمديات أنهن وُفّقن لبيعة المسيح الموعود (عليه الصلاة والسلام) الذي قدّم لنا تعليم الإسلام الحقيقي وبيّن من القرآن والحديث ما هو بحاجة إلى الشرح والتوضيح، وأخبَرَنا أن الإسلام دين الاعتدال ودين الفطرة ويطابق الفطرة، وكل حكم إسلامي يتضمّن حكمة. فالإسلام حيث يتحدث عن حقوق الرجال يتكلم عن حقوق النساء أيضا، والإسلام كما يبشّر الرجال بإنعامات ورضى الله تعالى نتيجة أعمالهم الصالحة كذلك يُبشر النساء أيضا برضوان الله تعالى وإنعاماته لقيامهن بأعمال صالحة، فالذي يقول إن الإسلام قدّم الرجال على النساء فهو مخطئ في قوله.

معنى قوامة الرجل:
يقول الإسلام إن تسديد نفقات البيت والاهتمام بطعام الزوجة والأولاد وتلبية حاجاتهم مسئوليةُ الرجل، وهذه علامة لكونهم قوّامين، ولا يُراد من كون الرجل قواما أن يفرض على النساء هيبته ويقسو عليهن. وإذا كانت المرأة تعمل، مثلا إذا كانت طبيبةً أو أستاذةً أو تشتغل عملا آخر، وزوجها راض بأن تعمل، فلا حق للرجل فيما تكسب، بل على الرجل أن ينفق على بيته في كل حال وهو مسئول ليلبي حاجات المرأة والأولاد سواء كانت المرأة تعمل أم لا، لا يمكن للرجل أن يقول لزوجته بما أنك تعملين وتكسبين لذا عليكِ أن تتحملي نصف نفقات البيت، أما لو أنفقت المرأة على البيت برضاها فهذه منّة منها على الرجل وإلا هي ليست مسئولة إطلاقا لتُنفق على البيت أو تؤمِّن مصاريف البيت، بل من مسئولية الرجل أن يؤمّن طعام الزوجة والأولاد وكساءهم وسكَنهم وحاجاتِهم الأخرى.

مسؤولية المرأة الأولى رعاية البيت وتربية الأولاد:
إلا أن الأسلام يقول للمرأة ما دام تحقيق جميع حاجات الزوجة والأولاد مسئولية الرجل فعلى المرأة أن تعطي الأولوية لرعاية البيت وتربية الأولاد. حين يدرس شخص، رجلا كان أم امرأة، اختصاصا معيّنا مثْل الطب والهندسة والتربية وغيرها فيتمنّى ويرغب أن يعمل في ذلك المجال لكي ينال مزيدا من الخبرة فيه ويجد فرصة صقل مهارته، ولا نستطيع القول إن المرأة بعد تحصيل الدراسة لا تستطيع أن تنال أو تُبرز مهارتها في مجالها المهني كما يستطيع الرجل، ولكنني أعرف كثيرا من النساء الأحمديات اللواتي اختصصْن في مجال الطب ولكنهن بالرغم من هذه الرغبة تركْن عملهن بعد الزواج لأنهن رأيْن رعاية أولادهن وتربيتهم أهمّ من رغبتهن في مجالهن المهني، وحين كبر الأولاد بدأْنَ العمل في مجالهن مرة أخرى. وأولاد مثل هؤلاء الأمهات يكونون أحسن دينيا ودنيويا عموما وبريئين من المشاكل النفسية.
فهؤلاء الأمهات اللواتي أدركن هذا الحكم الإسلامي أن مهمّتكن الأصلية هي تربية نسلكن وجيل أمّتكن القادم وجعْلُهم ثروةَ الأمة وأحسنَ جزء في المجتمع.

عند الخلاف بين الزوجين، عليهما تجنب تحقيق رغبات الأولاء الخاطئة:
في بعض الأحيان بسبب النزاع بين الزوجين يتعنت بعض الآباء تجاه الزوجة فيبدأون يحقّقون رغبات الأولاد الخاطئة، ويحدث ذلك عند اختلاف الزوجين، ولا يُدرك حينها الآباءُ أنهم يدمّرون نسلهم بسبب حبّهم ودلالهم الخاطئَين.....
فالزوج لجذب الأولاد إلى نفسه يشتري لهم ألعابا مُضيعة للوقت، وحين تمنعهم الأمُّ منها فيُخبرون الأبَ ما يزيد النزاع والفساد في البيوت، وهذا إذا كانت علاقة الزوجين قائمة ولم ينفصلا بعد، وأما لو لم تكن علاقتهما قائمةً وقد تم الانفصال فالأولاد يعيشون حياة مزدوجة ولا يميزون الصواب من الخطأ....

في الإسلام على الرجل تأدية واجباتة وعلى المرأة تأدية واجباتها:
فالإسلام نظرا إلى هذا الجانب من فطرة الإنسان قال للرجل والمرأة إذا كانا يريدان أن يربّيا نسلهم تربية صحيحة ويجعلاهم أحسن جزء في المجتمع فعلى الرجل أن يؤدي واجباته وعلى المرأة أن تؤدي واجباتها، كما يجب أن يسعى كلاهما لأداء حقوق بعضهما ويسعى لأداء حقوق الأولاد أيضا، وهكذا ستجعلونهم ثروة قومية عظمى.

الواجب الأول للمرأة المثقفة هو تعليم أبنائها:
إذا ظلّت النساء يشتغلن في الوظائف رغبةً في كسب المال بدلا من أداء واجباتهن في البيوت فلا بد أن يُهْمَل الأولادُ، وحين يعودون إلى البيت لن يعرفوا أين يبحثون عن السكينة، وحين ستأتي الأمهات إلى البيت تعباتٍ فلا بد أن يشتغلن في طهو الطعام بسرعة أو يقلقن لأمور البيت الأخرى ولن يتمكنَّ من إعطائهم وقتا كافيا، وهذا ما يؤدّي إلى الاضطراب في كثير من الأولاد. كلما عمَّ التعليم ازداد الميل إلى الوظائف، وتظن البنات المثقفات أن من واجبهن أن يتوظّفن بالضرورة، فليشتغلن ولكن –كما قلتُ- واجبهن الأول هو تربية الأولاد. باختصار، تتسبب هذه الأمور في اضطراب الأولاد، سواء أظهروا ذلك أم لم يُظهروا، ولكن مع مضي العمر يظهر تأثير هذا الاضطراب على نفسيتهم.
ثم وجّه الله تعالى النساء في القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: "الصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللهُ. (النساء: 35) أيْ إنهن يستبقْن الحسنات ولا يطمحْن لتحقيق الرغبات الدنيوية بل يهدفن إلى القيام بالصالحات وفْقَ أحكام الله تعالى ويجعلن أولادهن أيضا صالحين نتيجة تربيتهن الصحيحة، ثم يحفظن في الغيب أيضا الأمور التي أمر الله تعالى بحفظها.

كيف يمكن رعاية الأولاد؟
من الأمور التي وجَّه الله تعالى المرأة إليها تربية الأولاد. ورد في الحديث أن النبي ﷺ قال: {وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ} (صحيح البخاري، كتاب العتق) وهنا ينشأ السؤال أنه كيف يمكن رعاية الأولاد؟ إنما تتم رعايتهم بتربيتهم الحسنة وبتربية الجيل القادم، كما قلتُ إذا كان الإسلام يجعل الرجل مسئولا عن تلبية جميع الحاجات فيطلب من المرأة أيضا أن تؤدّي مسئوليتها، وإذا أدّت المرأة مسئولية تربية الأولاد فكيف يُستنتج أنها حُبِسَت في البيت وغُصِبَت حقوقها؟ حين جُعل الرجل مسئولا عن أداء حقوق المرأة ولما كان لا يستطيع أن يؤدي حق الأولاد بسبب عمله خارج البيت فيجب أن تؤدي المرأة حق الأولاد، وفطر الله المرأة على هذا وأعطاها كفاءة أنها تستطيع أن تربي الأولاد على أحسن وجه، وإذا قالت المرأة أنها ستستخدم حقّها وستبقى خارج البيت طول النهار فمن ذا الذي سيؤدّي حق الأولاد؟ فالإسلام يقول عليكم أن توزّعوا المهام عن تراض فيما بينكم، كلٌّ يقوم بعمله ولا يتعنت فيظلم الأولاد ولا يحرمهم من حقهم بحجة ممارسة حقه. فلا يُمكن الاعتراض على هذا التعليم بل هو تعليم جميل، فلا ينبغي للأمهات الأحمديات أن يرفعن أي شكوى بل عليهن أن يفرحْن أن أحضان الأمهات الأحمديات كنوز طاهرة أو مخازن طاهرة، والأولاد الذين يتربون فيها هم أموال طاهرة يحبّها الله تعالى بسبب التربية الحسنة، فمن ذا الذي لا يريد أن يصنع هذا المال الطاهر ويأخذه. فَقُمْنَ وامْلَأْنَ مخازنكن من هذا المال الطاهر، بدلا من أن تتعنتن وتتخلّين عن أداء حقوق الأولاد بسبب التعنت وتحرمنهم من حقوقهم. لا تنظرْن إلى الدنيا لأنها عارضة، وبدلا من أن تَسْعَيْن وراء هذه الحياة العارضة عليكن السعي لحياة الآخرة، فهذا السعي سيجعل هذه الحياة الدنيا أيضا جنة والحياة الآخرة جنة دائمة.

الزوجة الصالحة كنز:
لاحظْن! ما أعظم مكانةً أعطاها النبي ﷺ الزوجات الصالحات والأمهات الصالحات إذ قال ﷺ: ليس الكنزُ الذهبَ والفضةَ ولا يظن المرء أنه لو كنَزَ الذهب والفضة فقد جمع مالا كثيرا بل أَفْضَلُ المال لِسَانٌ ذَاكِرٌ وَقَلْبٌ شَاكِرٌ وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ} (سنن الترمذي، كتاب تفسير القرآن عن رسول الله) وهذا يعني أن الرجل يحتاج إلى زوجة مؤمنة للحفاظ على إيمانه والذين يخدمون الدين تُعينهم أيضا زوجات مؤمنات، فحيث يوجّه النبي ﷺ في قوله الرجالَ والنساءَ كليهما إلى أنهم لو يريدون أن يكنزوا ما يغنيهم في هذه الدنيا والآخرة فعليهم أن يعطّروا ألسنتهم بالذكر الإلهي ويُنشئوا عواطفَ الشكر في قلوبهم على أفضال الله تعالى، ولا يحزنوا على أن فلانا يقْتَني مالا أكثر ولدينا مال أقل، وفلانٌ يملك بيتا كبيرا ونحن صغيرا وفلان لديه سيارة من نوع كذا أو من طراز حديث ولا نملكها نحن، كذلك ينبغي ألا تنظر النساء إلى أن فلانة تملك كثيرا من الحلي الذهبية ولا نملكها أو لا يجلبها لنا أزواجُنا، إذا كان الأزواج يقدرون على ذلك فعليهم أن يحقّقوا رغبة الزوجات في الحلي ولكن إذا كانت المرأة تريد أن تحقق رغبتها بأخذ الديون فهذه ليست علامة المرأة المؤمنة، يقول رسول الله ﷺ إن كنتن مؤمنات فأنتن أكثر قدرا وقيمة من الذهب والفضة، والأولاد الذين يتربون في أحضانكن هم الكنز الحقيقي لما يقدّمون الدين على الدنيا وهم أحسن ثروة للجماعة وأحسن متاع للوطن والشعب وهم يُحسَبون في الصف الأول من رقي البلد والقوم، وهذا القول يهمّ الرجال أيضا ويُؤكِّد على قول آخر للنبي ﷺ ويوضّحه أكثر، وهو قوله ﷺ: عليكم بذات الدين عند الزواج وابحثوا عن ذات الدين لكي تنالوا كنزا ومالا وجمالا لا يكون جمالا عارضا بل هو يجعل هذه الدنيا جميلة والحياة الآخرة أيضا جميلة، ويجعل أجيالكم القادمة أيضا جميلة، فإذا أصلح الرجال أيضا أنفسهم وبحثوا عن الزيجات وِفق قول النبي ﷺ لسَعَتِ النساء أيضا للتقدم في الدين بدلا من أن يستبقن الدنيا، ولنَقَصَتِ الأنانية في الرجال وتوجهوا إلى أداء حقوق النساء.

حسن التعامل مع المرأة جزء من الإيمان:
قال النبي ﷺ في مناسبة: إِنَّ مِنْ أَخْيَرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ خُلُقًا، وخَيْرُكُمْ خلقا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ ويعامل زوجته معاملةً مُثلى، فقد جعل ﷺ حسن السلوك مع النساء جزءا من الدين والإيمان. وبعد هذا التعليم الجميل لو خطر ببال امرأةٍ أنها لا تتلقى حقوقها وفي قوانين أهل الدنيا حقوق أكثر للنساء فليس شيء أكثر جهلا من هذا. كل أحمدي، رجلا كان أم امرأة، يقطع عهدا أنه سيقدّم الدين على الدنيا، ويقول النبي ﷺ أن ذلك مشروط بحسن خُلقكم، فإن كنتم تقدمون الدين على الدنيا فسوف ترتقون إيمانا. ويُعرف رقي أخلاقكم حين يثبت حسن سلوككم مع نسائكم، فبعد هذا الإرشاد إن كان أحد يظلم زوجته ولا يعاملها بحسن الخلق فلا بد أن يفكر في إيمانه.
ما معنى أن المرأة خُلقت من ضلعٍ أعوج؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم ناصحا إياهم: استوصوا بالنساء خيرا، إِنَّمَا خُلِقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ ضِلَعٍ أَعْوَجَ، فَلَنْ تُصَاحِبَهَا إِلا وَفِيهَا عِوَجٌ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرْتَهَا.
ما أروعَه من مثال ضربه صلى الله عليه وسلم. يقع عضوان رئيسان من جسد الإنسان، القلب والرئة، داخل هيكل الأضلاع، والأضلاع جزء هام من الجسد عند الأطباء إذ يحمي القلب والرئة من أخطار كثيرة. فمكانة المرأة عظيمة إذ بها جريان نَفَس الحياة الاجتماعية، وهي التي تحفظ نبضات القلوب الطاهرة.

نصيحة النبي (صلى الله عليه وسلم) للزوج أن ينظر لمحاسن زوجته فقط:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يَفْرَكْ (أي لا يُبغِضْ) مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ. فقد نصح النبي صلى الله عليه وسلم الرجال أن ينظروا إلى مزايا نسائهم ومحاسنهن، بدلاً من أن يبحثوا عن عيوبهن وتقصيراتهن، وعندها يكونون مؤمنين حقا. فقول النبي صلى الله عليه وسلم يصلح طريقة تفكير الرجال الذين يسخطون من نسائهم على كل صغيرة وكبيرة، أما إذا لم يصلحوا أنفسهم فإنهم يخالفون قوله صلى الله عليه وسلم. ولا بد لهم من الانصياع لقوله صلى الله عليه وسلم إن كانوا من المؤمنين.

حق الفتاة في اختيار زوجها:
أما حق المرأة في اختيار زوجها فإن بعض الآباء والأمهات يتيحون لغير المسلمين فرصة للطعن نتيجة امتناعهم عن العمل بحكم الإسلام هذا، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقر حق الفتاة أيضا في اختيار زوجها، فقد ورد في الروايات أن فتاة عذراء جاءت النبي صلى الله عليه وسلم وقالت أن والدها قد زوجها من شخص لا ترضاه. فخيّرها النبي صلى الله عليه وسلم في أن تستمر في هذا الزواج أو ترفضه وتفسخه. وفي رواية أخرى أن امرأة توفي زوجها وكان لها ولد منه، فطلب أخو زوجها المتوفى يدها من أبيها، وكانت راضية بالزواج منه وعبرت عن رضاها عن ذلك أيضا، لكن أباها زوّجها من شخص لا ترضاه، فذهبت هذه الأرملة إلى النبي صلى الله عليه وسلم واشتكت إليه. فدعا والدَها وسأله عن الأمر، فقال أبوها إن الذي زوَجتُها منه أفضل من الذي هي تحب الزواج منه. لكن النبي صلى الله عليه وسلم فسخ قرانها من ذلك الرجل وزوّجها من الذي أعجبها.

فمما لا شك فيه أن الإسلام يعطي الوالد حق ولاية ابنته في تزويجها، ووالدُها هو الذي يوافق على زواجها عند إعلان النكاح، لكن رضا البنت أيضا ضروري في كل حال، إلا إذا كان هناك سبب ديني. فالفتاة التي تحب الدين وتؤثر الدين على الدنيا فإنها بسبب دينها لن تتزوج من تلقائها بدون رضا الوالد.

فالاعتراض بأن الإسلام لا يمنح البنت حق اختيار الزوج برضاها اعتراض باطل تماما. ولو زوّج الوالد ابنته بدون إذنها ورضاها، فهذا خطأ الوالد وليس خطأ تعاليم الإسلام...

وبالمناسبة فهناك تحقيق أجروه على نطاق واسع في بريطانيا مؤخرا، وقد حيرت نتائجه من قاموا به حيرة شديدة، إذ كانت النتائج خلاف ما توقعوه. فما هي النتائج؟ تقول النتائج أن الزيجات التي تمت باستشارة كبار العائلة كانت أكثر نجاحا من الزيجات التي تمت نتيجة الصداقة والحب المزعوم، أو قال المعارف والأقارب أن الزوجين اللذين تزوجا باستشارة الكبار كانا أكثر سعادة من الآخرين.

ضرورة الاستخارة قبل الزواج:
الإسلام يرسي حق رضا البنت في الزواج، غير أنه يعطي تعليما جميلا آخر بأنكم لا تعلمون ما هو خير لكم ولا تعلمون أين النجاح، فلا تنظروا إلى الظاهر فقط عند اختيار الزوج، بل ادعوا الله تعالى: يا رب إن كان هذا الزواج خيرا لي ولأجيالي فيسرْه لي وبارك لي فيه، وإلا لا تنفذه.

قدسية الزواج:
مع أن الرجل والمرأة يتزوجان في المجتمع الغربي برضاهما فقط دون استشارة الوالدين عموما، ومع ذلك تفشل هذه الزيجات ويحدث الطلاق بنسبة 65 أو 70 بالمئة، وترفع القضايا ضد الطرف الآخر. فلماذا يحدث هذا؟ ذلك لأن في مثل هذه الزيجات أيضا يفقد الزوجان بعد فترة الثقة المتبادلة. والسبب وراء فقدانها أنهما ينشئان الصداقات مع الآخرين باسم الحرية. وفقدان الثقة هذا يكون في محله أيضا إذ ثبت في حالات كثيرة أن هذه الصداقات تكثر حتى لا يثق الزوجان بعضهما بالآخر، وتفقد هذه العلاقة المقدسة بين الزوجين قداستها، فيطلّق الرجل في سن الخمسين أو الخمسة والخمسين مثلا زوجته ويتزوج بامرأة أخرى يصادقها.

لعل هذا الأمر لا يكون ذا أهمية في المجتمع المادي، لكنه أمر بغيض في المجتمع الديني يقينا، ويؤثر على الجيل الجديد سلبيا، حيث يتأثر الأولاد سلبيا حين يصبحون بدون الآباء أو بدون الأمهات. وليس الرجال وحدهم مسؤولين عن هذا التقصير، بل الذنب ذنب النساء أيضا، حيث يردن قضاء أوقاتهن خارج البيت باسم الحرية مهملات واجباتهن في البيت. وهناك بين النسوة القادمات من باكستان أيضا من لا يلتزمن بالتعاليم والتقاليد التي يعلّمهن دينهن الإسلام، فيهملن بيوتهن منخدعاتٍ بما توسوس لهن صديقاتهن، وظاناتٍ أنهن قد نلن الحرية المطلقة بعد هجرتهن إلى هذه البلاد فيلجأن إلى حيل مذمومة باسم الحرية. وبعضهن لا يعتنين بالأولاد مما يؤدي إلى الخصام والفساد في البيوت وتفكُّك عش الزوجية. يتشاجر الزوجان على كل صغيرة وكبيرة وفي النهاية يتفكك البيت ويتأثر الأولاد سلبيا.
وكما قلت آنفا، إن المرأة إذا كانت مضطرة للعمل في حالات استثنائية أو بسبب مهنة معينة، فعليها أن ترجع إلى البيت فورا بعد العمل ليكون عندها وقت كاف لرعاية الأولاد.

مكانة الأم في الإسلام أعلى من مكانة الأب:
إن المكانة التي منحها النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة هي أعلى من مكانة الأب، وذلك لأن الأم تقوم برعاية وتربية الأولاد من الصغر إلى الشباب. ورد في رواية أن سائلا قَالَ يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ. قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ، وفي رواية: ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ. أي ثم أقاربك وأصدقاؤك على حسب درجاتهم.
فالإسلام قد جعل المرأة أو الأم أعلى درجة من الرجل ثلاث مرات، إذ جعل الرجل بعد الأم في الدرجة الرابعة. إن صنوف المعاناة التي تكابدها الأم من أجل ولدها تجعلها فوق الأب درجة. ومع كل هذا يقول المعترضون أن الإسلام لا يعطي المرأة أية أهمية!

ضرورة حسن التعامل مع الزوجة في الإسلام:
ثم إن الإسلام يخبر الرجال أن الله تعالى لن يرضى عنكم ولن يجزيكم على ما تقولونه بأفواهكم فحسب، بل لا بد لكم من العمل بحسب ذلك أيضا. فإذا كانت صلواتكم لا تزينكم بحسن الخلق فلا فائدة منها. لا تظنوا أنكم ذهبتم وصليتم في المسجد أو قمتم بخدمة دينية أخرى، وأن الله تعالى سيرضى الآن عنكم. كلا، بل لا بد لكم من حسن الخلق أيضا. يقول النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث عن أهمية كسب رضوان الله وعن الأعمال التي تكسب رضاه: إِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ عَلَيْهَا حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فَمِ امْرَأَتِكَ.
فالله تعالى يريد أن تكون بين الرجل وامرأته علاقة الحب والوداد، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم هذا المثال ترغيبا في الحفاظ على علاقة المحبة هذه بين الزوجين، فقال للرجل إن تصرفك هذا سيجلب لك الثواب كما يكون دليلا على حسن خلقك، وسيعمل على تقوية القرابات بينكما. فما دام الله تعالى لا يترك عمل وضع المرء اللقمة في فم زوجته بدون أجر فكم سيجزيه الله على حسن معاشرة زوجته وإظهار المحبة لها ومراعاة مشاعرها كيلا تتأذى.

فهذه هي تعاليم الإسلام التي لا تأمر الزوجين بأداء حق الطرف الآخر فحسب، بل تأمرهما بمعاملة أفضل منها. ومع ذلك يقال عن الإسلام بأنه لا يكرم المرأة!

البنت مفخرة في الإسلام:
لقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ عَالَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ فَأَدَّبَهُنَّ وَزَوَّجَهُنَّ وَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ فَلَهُ الْجَنَّةُ. ففي العصر الذي كانت فيه بعض القبائل تتأسف على ولادة البنات، وكان بعضهم يئدون بناتهم وهن على قيد الحياة، قام النبي صلى الله عليه وسلم بتوطيد عزة البنت وجعلها مفخرة، وبين لهم أنكم تتأسفون على ولادة البنات وتئدونهن، لكن الإسلام يبشركم بالجنة على حسن تربيتهن وتعليمهن، لأنهن سيصبحن أمهاتٍ يدخلن أجيالهن في الجنة. فإن كنتم تؤمنون بالله فافرحوا بولادتهن وأدّوهن حقوقهن.
إن أهل الدنيا يمكن أن يعِدوا بالجزاء في الدنيا ويقولوا سنعطيكم كذا وكذا، لكن لا يسعهم أن يعِدوا بأي جزاء في الآخرة، إنما هو الإسلام الذي يبشر من يؤدي حقوق الزوجة والبنت بالجزاء والإنعام في الآخرة. ومع ذلك يقال أن الإسلام لا يؤدي حق المرأة!

ماذا تفعل المرأة المضطرة للعمل؟
إذا كانت المرأة مضطرة للعمل فيجب على المرأة الأحمدية الحفاظ على حشمتها ووقارها وقداستها، وأن تلبس لباسا ينمّ على الحياء والاحتشام. لا بد أن تضعن في الحسبان دائما قولَ الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحياء من الإيمان. فيجب أن يكون لباس السيدة الأحمدية محتشما، ويجب أن تحافظ على قداستها دائما. لقد رأيت أن نساءنا هنا وفي البلاد الأخرى بما فيها باكستان قد بدأن يلبسن معاطف تصل إلى ما فوق الركبة أو حتى الركبة بدلاً من يلبسن المعاطف الطويلة. وأرى أنه إذا لم يؤخذ الحذر من ذلك الآن فستصبح معاطفهن أقصر من ذلك، وستنتهي عادة لبس الحجاب نهائيا. لقد قلت في الجلسة السنوية في المملكة المتحدة أيضا أنه يجب أن يكون هناك حجاب العباءة التي تحول دون انكشاف أعضاء المرأة من الأمام ومن الخلف أيضا، كما تحول دون انكشاف زينة لباسها أيضا، وإذا كانت النساء يرغبن في تصميم عباءة مناسبة تعجبهن فعليهن أن يدرسن هذا الخيار أيضا. ويمكن لقسم الصناعة والتصميم عندهن أن يقوم بتصميمه. غير أن الأهم هو الحفاظ على الحياء والحجاب، وليس أن يبدأن في الموضات. لقد بدأت تظهر تصاميم وتقاطيع عجيبة وغريبة للعباءات، حتى يتساءل المرء في استغراب هل هذه عباءات أم عرض للموضات. يجب أن تتجنب المرأة الأحمدية ذلك. لقد سمعت أيضا أن حجاب السيدات غير الأحمديات أفضل من حجاب السيدات والفتيات الأحمديات. هذا أمر مخجل. لقد بلغ الأمر ببعض نسائنا أنهن لا يراعين الحشمة في ملابسهن أيضا، دعك أن يلبسن الحجاب. فيجب أن يراعين الحشمة والحياء في ملابسهن على الأقل. على كل امرأة أحمدية أن تهتم بهذا الأمر. ما دمتن ترددن العهد بأنكن ستؤْثرن الدين على الدنيا فيجب أن تسعين للوفاء بهذا العهد غير مباليات بهذا المجتمع.

الوقت هو وقت جهاد العمل بتعاليم الدين وإصلاح النفس:
إن العمل بكل حكم من أحكام الإسلام في هذا المجتمع الذي تثار فيه مشاعر المرأة باسم الحرية مرة بعد أخرى يتطلب من المرأة مجاهدة. فإذا كانت المرأة الأحمدية تريد أن تشترك في الجهاد فعليها أن تقوم بجهاد إيثار الدين على الدنيا. في هذا العصر ليس مسموحا لا للرجال ولا للنساء الجهادُ بالسيف، كما ليس هناك حاجة لذلك. إذا كان هناك جهاد الآن فإنما هو جهاد العمل بتعاليم الإسلام وإصلاح النفس.

حقوق المرأة التي أقرها الإسلام تسن اليوم في البلاد المتقدمة:
لقد أرسى الإسلام حقوق المرأة. لقد أقرّ حقها في الوارثة، ومنحها حق حرية الرأي، حيث كانت الصحابيات يقدمن مشورتهن للرجال مستخدمات حقهن في حرية الرأي. وقد أعطى الإسلام المرأة حق التعلم والدراسة، وحق إنشاء العقارات والاحتفاظ بها، وحق إظهار رضاها أو عدمه عند الزواج، وحق الخلع عند سوء سلوك الزوج. لقد أقرّ الإسلام للمرأة حقوقا تُسَنّ اليوم في البلاد المتقدمة القوانين لمنحها لها، وهي قوانين ناقصة أيضا. فلا تصيبنّكن أية عقدة من الدونية، بل عليكن أن تؤْثرنَ الإيمان على كل شيء...

فالأمر الأساس هو أن تتذكرن ما عاهدتن الله عليه من إيثار الدين على الدنيا دائما. يجب ألا تظن الفتيات أنهن إذا لم ينصهرن في هذا المجتمع بعد أن تعلّمن وتثقّفن فسوف يكن عرضة لاستهزاء الناس وسخريتهم....
لقد آمنتن بإمام هذا الزمان المسيحِ الموعود عليه السلام مستجيباتٍ لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ورافضاتٍ لدين المشايخ بدون أي خوف منهم، وهذا هو السبب في هجرتكن إلى هنا، وإلا فأية خصوصية وأي حق زائد للأحمديين الذين لجأوا إلى هذه البلاد ولا يزالون يلجأون. ليس وراء استيطانكن أرض ألمانيا أية خصوصية ولا فضل على الآخرين، وإنما السبب هو الدين. فما دام الدين هو السبب وراء هجرتكن فيجب أن تتذكرن ذلك دائما. إن هذا الشعب لم يقدم لكن الملاذ إلا بسبب حرمانكن من الحرية الدينة في بلادكن. يجب أن يتذكر هذا الأمر الرجالُ والنساء على سواء. لكننا إن لم نتمسك بالدين فإننا سنكون مخادعين لهذا الشعب.

النجاة منوطة بالعمل بأحكام الله:
وفقكن الله جميعا للتأكيد بقولكن وعملكن أن الدين الذي تؤمنّ به هو الدين الحق، وأنه يحافظ على حقوقكن. أَخْبِرْنَ الدنيا بمحاسن الإسلام لكي يدركوا أن نجاتهم منوطة بالعمل بأحكام الله والإيمان به، لا في نسيان الدين ونسيان الله بالانغماس في ملذات الحياة المادية. وفّقكن الله لإرشاد الناس إلى الدين حقا، ولتقديم نماذجكن العملية في هذا السبيل.