أم المؤمنين السيدة عائشة الصدّيقة (رضي الله عنها)
ولدت السّيدة عائشة (رضي الله عنها) في مكة في السنة الرابعة للنبوة قبل الهجرة إلى المدينة المنوّرة، وأبوها هو الصّديق أبو بكر عبد الله بن أبي قحافة (رضي الله عنه)، وأمّها قتيلة بنت عبد العزى أم رومان.
لقد تفتّحت عينا السّيدة عائشة على الإسلام مبكرًا؛ حيث نشأت في بيت أوّل من أسلم من الرّجال وأصدق وأعز صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فتربّت على حبّ الإسلام في جوٍ من الورعِ والاستقامة وكانت منذ نعومة أظفارها ذكية ولماحة، وتتمتع بالصلاح والتقوى.
لعبت السيدة عائشة (رضي الله عنها) دورًا مهمًا في التاريخ الإسلامي، فقد كانت عالمة وفقيهة، ومفسرة للقرآن الكريم وراوية لأحاديث النبي (صلى الله عليه وسلم)، وقد علمت المسلمين أمور دينهم فكان يحضر دروسها الرجال والنساء، وكانت أيضا ملمة بالطب والشعر والتاريخ.
لقد خدمت الإسلام أربعين سنة بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وكان أعظم إرث تركته لنا روايتها لألفي حديث عن النبي (صلى الله عليه وسلم).
وحيث كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعلم مدى علومها الدينية فقد قال: "خُذُوا شَطْرَ دينكم عن هذه الْحُمَيْرَاءِ"
فلقد كان عقل وذاكرة عائشة غير عاديين، وتحت إشراف النبي (صلى الله عليه وسلم)، وتعليماته وتدريبه، نمت قدراتها وملكاتها سريعًا، وقد راقبت زوجها (صلى الله عليه وسلم) ولم تنس كلمة واحدة مما سمعته منه. كما أدت خدمةً لا مثيل لها للدين من خلال تعليم وتدريب المرأة المسلمة في جميع الجوانب حسب تعاليم الإسلام.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "فضلُ عائشةَ على النِّساءِ، كفضلِ الثَّريدِ على سائرِ الطَّعامِ"
إن الجزء الأكبر من المعلومات المتاحة لنا عن الحياة اليومية للنبي (صلى الله عليه وسلم) تعتمد على روايات السيدة عائشة (رضي الله عنها)، وبعد وفاة النبي (صلى الله عليه وسلم)، كان الصحابة كلما واجهوا أي صعوبة في فهم مسألة دينية، لجأوا إلى السيدة عائشة بسبب معرفتها وفهمها الكبيرين للدين وقد كانت تنجح دائمًا في حل الصعوبات التي تواجههم.
قال أبو موسى الأشعري (رضي الله عنه): "ما أشكَل علينا -أصحابَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- حديثٌ قطُّ فسأَلْنا عائشةَ إلَّا وجَدْنا عندَها منه عِلْمًا"
زواج السيدة عائشة من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) تم بإرادة الله:
عن عائشة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:
"أريتك في المنام مرتين، أرى أن رجلاً يحملك في سرقة (أي قطعة) حرير فيقول: هذه امرأتك فأكشف فأراك فأقول إن كان هذا من عند الله يمضه" .
ثم حدث أن جاءت خولة بنت حكيم إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقالت: "يا رسول الله ألا تتزوج؟ " قال: ومن؟ فقالت: إن شئت بكرا وإن شئت ثيبا قال: فمن البكر؟ قالت: ابنة أحب خلق الله إليك عائشة بنت أبي بكر قال: ومن الثيب؟ قالت: سودة بنت زمعة بن قيس قد آمنت بك واتبعتك على ما أنت عليه قال: فاذهبي فاذكريهما علي.
عمر السيدة عائشة عند زواجها:
كان عُمرها (رضي الله عنها) قد بلغ الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة حين تم زفافها إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وكان هو في الخمسين من عمره. لا بدّ هنا أن نتذكر أن الزواج في سنٍ مبكرة كان عادةً شائعةً في الجزيرة العربية آنذاك ليس بين الفتيات فحسب وإنما بين الفتيان أيضًا متى وصلوا سن البلوغ، على سبيل المثال، ورد في "أسد الغابة في معرفة الصحابة" لابن الأثير أن عبد الله بن عمرو بن العاص كان أصغر من أبيه باثني عشر عامًا.
في الواقع يعتبر الإنسان طفلًا بحسب معايير وعادات المجتمع فقط، وفي غالبية أنحاء العالم بما في ذلك أوروبا، كانت الفتيات حتى وقتٍ قريب تتزوجن في سن العشر أو الاثني عشرة سنة، وحتى اليوم لا يزال سن الزواج القانوني في أغلب الدول الأوربية هو 15-16 سنة أي أكثر بقليل من عمر السيدة عائشة حين زُفت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) قبل أكثر من 1400 سنة.
أما عن فارق السن بين أم المؤمنين عائشة ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي يعترض عليه الكثير من معارضي الإسلام اليوم، فالحق أن مثل هذا الفرق في عمر الزوجين كان أيضًا أمرًا شائعًا في الجزيرة العربية آنذاك، ولو كان عمر السيدة عائشة حين زفافها أو فارق السن بينها وبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أمرًا غير مقبول لما فوّت أعداء الإسلام أو المنافقين، الذين لم يألوا جهدًا آنذاك في تشويه سمعة رسول الله، هذه الفرصة لانتقاده، ولكنّ هذا الاعتراض لم يظهر إلا بعد قرونٍ من ذلك حيث أثاره أعداء الإسلام ولا سيما المستشرقين بناءً على معايير وقيم عصرنا الحديث ولم يدرسوا الأمر بموضوعيةِ ومنطق ومعايير الزمن الذي تم فيه.
بعض سوانح السيدة عائشة (رضي الله عنها):
العلم والفقه: كما أسلفت، كانت السّيدة عائشة (رضي الله عنها) من أعظم علماء وفقهاء المسلمين، ومن أكثرهم رواية لحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
كثرة العبادة: حيث تعلمت السيدة عائشة على يد أعظم مربٍّ في التاريخ وشاركته حياته وعباداته، فقد كانت عابدة قانتة لله، وكانت تكثر الصيام لدرجة أنه قيل إنها لم تكن تفطر إلا في الأعياد لحرمة الصيام فيها وقد سميت لذلك بالصوّامة، وكانت تحرص على المداومة على النوافل وصلاة التهجد وقراءة القرآن الكريم.
الكرم والزهد: كانت كثيرة التصدق والإنفاق على الفقراء والضعفاء بالإضافة إلى كثرة العتق فقد أعتقت أكثر من ستين رقبة، وعاشت حياةً زهيدة بعيدة عن الترف وكانت تنفق كل ما يأتي إليها على المحتاجين.
التواضع: لم تكن تتباهى بعلمها وفقهها بل كانت ترى أن هناك من هو أعلم منها ومثال ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن شريح بن هانئ أنه سأل عائشة عن المسح على الخفين فقالت: "ائتِ عليًّا فإنه أعلم بذلك مني".
الصبر والثقة بالله: لم يمر على امرأةٍ في التاريخ الإسلامي ما مرّ على السيدة عائشة من ابتلاء، فقد اتُهمت في شرفها وعرضها وهي الطاهرة العفيفة، فكان لحادثة الإفك أثرًا سيئًا على صحتها وحياتها، ولكنها أبدت صبرًا عجيبًا وثقةً كبيرة بالله تعالى فكانت لا تقول إلا ما قاله يعقوب (عليه السلام): "فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ"، واستمرت على هذا الحال حتى نزلت براءتها من السماء في سورة النور.
عاشت السيدة عائشة زوجًا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) حوالي ثماني سنوات، وعندما انتقل إلى الرفيق الأعلى كان عمرها حوالي اثنين وعشرين عامًا، وعاشت بعده حوالي أربعين عامًا، وصلى عليها الجنازة أبو هريرة (رضي الله عنه).