غض البصر



 "إن تعليم الإنجيل القائل بعدم النظر إلى المرأة بنظرة سيئة؛ يُستدَلُّ منه أنه يمكن النظر إليها بنظرة طيبة. لا شك أن هذا التعليم يهيئ لصاحب النية السيئة فرصةَ خيانة النظر، ويوقع الصالح في الابتلاء، لأن هذه الفتوى تهيئ فرصة لخائنة الأعين، كما تُهيِّئ قلبَ التقي والورع للاقتراب من مصدر الشر. والسبب في ذلك أن الإنسان البسيط قد يحبُّ امرأة بالنظر إلى حسنها وجمالها، ثم تنشأ وتدور في قلبه أفكار سيئة. إذن، فإن مَثَل هذا التعليم كمثل بناية تُبنى جانبَ البحر، ويمتد إليها البحر بأمواجه واضطرابه الشديد، فإن لم تتهدم نهارا فلسوف تنهار ليلا حتما. وكذلك إن لم يقع مسيحيٌّ في السيئة نتيجة هذا التعليم بسبب عقله وحيائه ونور الإنسانية الذي هو بمنـزلة النهار، فإنه لن ينجو من النتائج الوخيمة لخيانة الأعين في فترة الشباب وهجوم أهواء النفس، وخاصة حين يسودُّ ليله بتراكم ظلمات أهواء النفس عليه إثْرَ شربه الخمر. أما التعليم الذي أعطاه القرآن الكريم مقابل ذلك فإنه يبلغ من السمو والرفعة بحيث يجعل القلب يُفتى تلقائيًا بأنه كلام الله حقا. ويقول الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ. أي قل لهم ألا ينظروا لغير المحارم، ولا إلى مواضع الشهوة، ولا يحدِّقوا إلى الوجوه، وألا يقع نظرهم على الوجوه دون وازع ورادع. وألا يطلقوا العنان لبصرهم - لا بشهوة ولا بغير شهوة- لأن ذلك مآله العثار في نهاية المطاف. أي لا يمكن صون الطهارة كاملاً عند إطلاق العنان للبصر، بل يتعرض الإنسان للابتلاء أخيرا. وما لم تتطهر العين لا يمكن أن يتطهر القلب ولا يُنال المقام الأزكى الذي يجب على كل طالب حق أن يصبو إليه. والآية المذكورة تعلِّم المؤمنين وجوب حفظ فروج الجسم كلها التي يمكن أن تتطرق إليه السيئة من خلالها. إن كلمة الفروج المستخدمة في الآية الكريمة تضم كُلاًّ من الأعضاء الجنسية والأذنَ والأنفَ والوجه.

لاحِظوا الآن، ما أعظمَ وما أسمى هذا التعليمَ! فهو لم يُشدّد على أي جانب إفراطًا أو تفريطا بغير وجه حق، بل رُوعي فيه اعتدالٌ حكيم. والقارئ لهذه الآية سيعرف فورا أن الهدف من الأمر بعدم إلقاء النظرة دون وازع ورادع في الآية هو ألا يقع الناس في الابتلاء في وقت من الأوقات، وألا يتعرض أحد الطرفين - الرجل والمرأة - للعثار. أما في الإنجيل فقد أُعطي تعليم الحرية المطلقة، وجُعل مداره على نية الإنسان الخفية فقط، والعيب والنقص في هذا التعليم ليس بالأمر الذي يحتاج إلى أي توضيح." (ترياق القلوب، الخزائن الروحانية 15 ص 163-165)