المسلمات الأحمديات والحماية من أمراض المجتمع الخطاب الذي ألقاه أمير المؤمنين حضرة ميرزا مسرور أحمد في اختتام اجتماع لجنة إماء الله الوطني في المملكة المتحدة لعام 2019
في 15/09/2019، ألقى حضرة خليفة المسيح الخامس (أيده الله تعالى بنصره العزيز) الخطاب الختامي للاجتماع الوطني الحادي والأربعين للجنة إماء الله في المملكة المتحدة، وذلك في سوق البلد في كينغسلي في هامبشاير بالمملكة المتحدة.
وفيما يلي ترجمة الخطاب الذي ألقاه حضرة خليفة المسيح الخامس (أيده الله تعالى بنصره العزيز) في هذه المناسبة.
بعد التشهد والتعوذ والبسملة وقراءة سورة الفاتحة، قال حضرة خليفة المسيح الخامس (أيده الله تعالى بنصره العزيز):
اليوم، بفضل الله تعالى، وصلنا إلى ختام اجتماع هذا العام.
الحمد لله، إلى جانب التقدم المستمر للجماعة، تقدمت لجنة إماء الله خطواتٍ حثيثة إلى الأمام خلال السنوات القليلة الماضية، سواء من حيث عضواتها أو من حيث نطاق أنشطتها.
لقد تقدمت اللجنة، وما شاء الله، تم إطلاق العديد من المشاريع والبرامج المفيدة في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، بينما نتحرك نحو النجاح والازدهار، من الضروري أن نكثف جهودنا لحماية قيمنا الإسلامية الحقيقية والحفاظ على هويتنا الأساسية كمسلمين.
وحتى نحقق ذلك فإن الطريق الوحيد بالنسبة لنا هو أن نسعى أكثر من أي وقت مضى للعمل بموجب تعاليم الإسلام.
يجب أن نسعى أكثر من أي وقت مضى، لتحقيق رغبات وتوقعات المسيح الموعود عليه السلام، فهو الذي أرسله الله تعالى لاستعادة تعاليم الإسلام العظيمة والنبيلة، وهو الذي بُعث لإزالة الضعف الذي أفسد تدريجيا الجانب العملي من العقيدة الإسلامية بين المسلمين على مر القرون السابقة.
بالإضافة إلى استعادة القيم الإسلامية المفقودة لدى المسلمين، تم إرساله أيضًا لإيصال رسالة الإسلام إلى أركان الأرض ولتنوير الناس من جميع الأديان والمعتقدات حول تعاليم القرآن الكريم العالمية والتي ليس لها نظير.
ولهذا السبب ذكر المسيح الموعود عليه السلام أن عصره كان عصر نشر التعاليم الحقيقية للإسلام.
نحن ندعي بكل فخر أننا أتباعه، لذا فإن واجبنا الأساسي أن نعلم الآخرين أن تبني تعاليم الإسلام الخالصة هو وسيلة الخلاص والازدهار الحقيقي للعالم بأسره.
إن من واجبنا، بل هي مهمتنا مدى الحياة أن نظهر من خلال حياتنا الخاصة أن تعاليم الإسلام هي الوسيلة لنيل الطمأنينة الحقيقية والرضا داخل قلوبنا.
سوف يجادل بعض الناس بالقول إن الإسلام قد انتشر بالفعل على مستوى العالم وسيتساءل "بماذا نفع العالم؟ في النهاية، يقال إن هناك حوالي 1.8 مليار مسلم في العالم ومنهم آلاف العلماء المسلمين الذين يزعمون أنهم ينشرون تعاليمه، لكن هذا لم يؤد إلى سلامٍ حقيقي وازدهار داخل الأمة الإسلامية ناهيك عن العالم الأوسع".
السبب البسيط والواضح وراء ذلك هو أنه ما عدا أولئك الذين تشرفوا بقبول المسيح الموعود عليه السلام، المسلمون في جميع أنحاء العالم ممزقون بالانقسام والانحطاط، وهم يفسرون تعاليم الإسلام بطريقة خالية من المنطق وغالبًا ما تكون مستحيلة التطبيق.
والحقيقة هي أن الله سبحانه وتعالى قد بعث المسيح الموعود عليه السلام لنشر وإعادة إقامة الشريعة الكاملة التي أُنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نحن هم السعداء الذين سمعوا وقبلوا دعوة إمام العصر، وقد أوكلت إلينا مهمة تطبيق كل ما علّمه وتبليغه. ومن أجل تحقيق هذا الهدف العظيم، لم يتركنا الله سبحانه وتعالى دون تجهيز، بل هيأ لنا الوسائل لنشر الإسلام في هذا العصر.
ففي عالم اليوم، يعد التلفاز والإذاعة والإنترنت ووسائل الإعلام المطبوعة ووسائل التواصل الاجتماعي مجرد غيضٍ من فيض من الوسائل التي تطورت من خلالها الاتصالات إلى الحد الذي أصبح الاتصال العالمي فيه فوريًا.
وتستخدم جماعتنا جميع هذه التقنيات لنشر تعاليم الإسلام، ومع ذلك، لا يكفي مجرد توصيل رسالة الإسلام للآخرين، بل لا يمكن تحقيق هدفنا أبدًا حتى يصبح كل فرد منا مثالًا عمليًا على تعاليم الإسلام النافعة والنبيلة.
لهذا السبب تحدث المسيح الموعود عليه السلام مرارًا وتكرارًا عن ضرورة أن يحيا أبناء جماعته حياتهم بموجب القيم الإسلامية وأن يعيشوا ويتنفسوا تعاليم الإسلام.
أود أن أضيف أيضًا أنه لا يمكننا الادعاء بأننا فريدون في استخدام هذه التقنيات الحديثة، بل لم يدخر أهل الدنيا أي جهد في استخدام أحدث وسائل الاتصال لبث برامجهم وأفكارهم.
ومما يدعو إلى الأسف والقلق الشديد أن الكثير من البرامج التي يتم بثها في العالم اليوم لا تؤدي إلا إلى إضعاف النسيج الأخلاقي والروحي للمجتمع وإلى إبعاد الناس عما هو جيد ولائق، ويبررون المحتوى غير الأخلاقي لمثل هذه البرامج باسم الحرية والتسلية والمتعة.
وبالتالي، حيث تم اختراع هذه التقنيات الجديدة كوسيلة لنا لخدمة ونشر تعاليم الإسلام، فإنها تستخدم أيضًا من قبل الآخرين لغمر العالم بالفسق والانحلال الأخلاقي، ويتم استغلالها لجذب الجنس البشري نحو توجهات لا قيمة لها ومهدِرة للوقت وغالبًا ما تكون مخلة بالآداب.
لقد وصلت إلى مرحلة يمكن فيها لسكان المناطق المحرومة والنائية في العالم، مشاهدة مقاطع الفيديو التي أنتجها العالم المتقدم بسهولة عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تروج لأسلوب حياة فاسق مداره اللذة.
وعندما يرى الأشخاص الغارقون في الفقر أو المقيدين بظروف أمتهم كيف يعيش الناس في البلدان الغنية، فإن هذا يثير بداخلهم الإحباط، فيتوقون للوصول إلى نفس مستوى الترف وإلى المشاركة في تلك المسالك المصطنعة والضحلة.
وكما قلت، نؤمن من ناحية أن التكنولوجيا الحديثة قد تطورت بحسب مشيئة الله لمساعدتنا في نشر الإسلام، ولكن من ناحية أخرى، يتم استخدامها أيضًا لنشر البرامج البذيئة والخالية تمامًا من الأخلاق والروحانية.
على سبيل المثال، تتوفر المواد الإباحية أو الأفلام غير اللائقة على نطاق واسع على الإنترنت أو يتم بثها على شاشات التلفاز، وعُرضت العلاقات الحميمية بين الرجل والمرأة أمام العالم بأسره كما لو أن ذلك أمرٌ سوي وطبيعي.
هذا هو واقع العالم الحديث، وهكذا فإن قلب هذا الانحطاط الأخلاقي ونشر البر والفضيلة هو التحدي الكبير في عصرنا.
أنتن كعضوات في لجنة إماء الله، عليكن التصدي لهذا التحدي.
في الواقع، إن مهمة الرجال والنساء والشباب الأحمديين كأفراد في جماعة المسيح الموعود عليه السلام هي استخدام التكنولوجيا الحديثة لمواجهة تأثير القوى غير الدينية وغير الأخلاقية وإظهار أن التمسك بالقيم الدينية في العالم المعاصر ليس ممكنًا فقط، وإنما هو أمرٌ حيوي جدًا.
بدايةً، يجب أن نتجنب الألفاظ النابية والمبتذلة، ويجب أن ننظر ونشارك فقط في ما يشجع على الالتزام بالتقوى، ويقوي إيماننا ويمكننا من نيل رضى الله تعالى.
بصفتنا أتباعًا للمسيح الموعود، علينا استيعاب تلك الأمور التي تزيد من معرفتنا بتعاليمه عليه السلام، والتي هي في الواقع، تعاليم القرآن الكريم والنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم.
وبالتالي، يجب أن نستفيد من الجوانب الإيجابية للتكنولوجيا الحديثة وأن نقي أنفسنا في نفس الوقت من قوتها المدمرة والمؤذية.
للأسف، الحقيقة هي أن العديد من أبناء جماعتنا من الرجال والنساء على حد سواء يتجاهلون واجبهم في إصلاح أنفسهم روحيًا وأخلاقيًا، على الرغم من أنهم قد بايعوا المسيح الموعود عليه السلام.
لقد تأثروا بالقوى المادية وغير الدينية التي تنشر الظلمة في مجتمع اليوم، ووقعوا فريسة للآثار السامة للتكنولوجيا الحديثة فيقضون وقتًا طويلًا في مشاهدة محتواها الفارغ والسطحي، بدلًا من السعي لتقوية صلتهم بالله سبحانه وتعالى أو رفع معاييرهم الروحية والأخلاقية.
جميعنا يعلم مقدار الوقت الذي نخصصه لمشاهدة البرامج الدينية، أو دراسة النصوص الدينية، مقارنةً بمشاهدة ما يروج للأمور المادية وغير الأخلاقية.
في هذه الحقبة، قد أنعم الله سبحانه وتعالى علينا بنعمة إم تي إيه التي تبث العديد من البرامج التي تزيد من معارف المرء الدينية، وعلى عضوات لجنة إماء الله السعي جاهدات لمشاهدتها قدر الإمكان وضمان أن يستفيد أفراد أسرهن منها أيضا.
مما لا شك فيه، تلعب النساء دورًا لا غنى عنه في المجتمع لأن الأجيال المقبلة تكبر في أحضانهن وتنمو تحت رعايتهن.
هذه الحقيقة وحدها تزيد بشكل كبير من المسؤولية الملقاة على عاتق النساء الأحمديات في التأكد من أنهن يشاهدن تلك البرامج أو يقرأن الكتب التي تعزز النسيج الأخلاقي، والتي تساعدهن على تحقيق الغرض من كونهن جزءًا من الجماعة التي أسسها الموعود عليه السلام.
وللتوضيح، أنا لا أقصد ألا تشاهدن أي محطة أخرى خلا إم تي إيه، ولكن، حاولن مشاهدة تلك البرامج التي تزيد من معرفتكن أو تفيدكن في حياتكن اليومية.
يمكنكن أيضًا مشاهدة بعض الترفيه الخفيف للاسترخاء، ولكن يجب تجنب البرامج التي تنشر الابتذال أو الفاحشة.
وكنقطة جانبية، تبحث إم تي إيه دائمًا عن الملاحظات والاقتراحات حول ما هي البرامج الجديدة التي يمكن إنتاجها لزيادة اهتمام المشاهدين ولتعزيز التربية الأخلاقية والدينية للجماعة.
لدى عضوات اللجنة العديد من الأفكار الجيدة، لذا ينبغي عليهن إرسال أي تعليقات أو ملاحظات لديهن في هذا الصدد.
ثم، ذكرت في الماضي أن العديد من أبناء الجماعة الذين يعيشون في العالم الغربي هم أولئك الذين هاجروا من باكستان أو هاجر منها آباؤهم أو أجدادهم لأنهم كانوا محرومين من الحرية الدينية في وطنهم.
ولكن ومع حصولهم على الحرية الدينية في هذا البلد، فإنهم ما زالوا لا يمارسون عقيدتهم، ويتجاهلون واجبهم الديني وتستهلكهم أنشطة العالم الحديث المادية.
لا يمكن القول إن الغرض من هجرتهم قد تحقق، ولا يمكن القول إنهم قد ترقوا إلى مستوى ادعائهم في الرغبة في ممارسة دينهم علانية كمسلمين.
بناءً على ذلك، يجب على كل امرأةٍ أحمدية أن تدرك أنها قد هاجرت إلى هنا من أجل دينها، وعليها أن تضمن أن تبقى وأطفالها ثابتين على الإيمان.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تكن ممتناتٍ للبلاد التي منحتكن هذا الملاذ. والسبيل لإظهار الامتنان الحقيقي هو في السعي إلى تقريب السكان المحليين من الله تعالى.
بدلاً من أن ينغمس أبناء جماعتنا باسم الاستقلالية والازدهار في الأنشطة غير الأخلاقية لمجتمع اليوم، علينا تجنب عواقبها المدمرة والبعيدة المدى ومحاولة حماية الآخرين كذلك.
أنقذن أنفسكن من تلك الطرقات الـمُغرقة والخالية من الروحانية والأخلاق لأنها لن تؤذيكن فحسب بل ستدمر الأجيال القادمة أيضًا.
هذا لا يعني أنه لا يمكنكن الاندماج أو المساهمة في المجتمع الذي تعشن فيه، فقد نشأ كثير من الأحمديين هنا أو عاشوا هنا لعقود وأصبحوا الآن منسجمين تمامًا مع العادات والقيم البريطانية وهم جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع. لا يوجد خطأ في ذلك؛ على العكس، يجب على كل شخص، سواء كان مولودًا هنا أو مهاجرًا، أن يسعى جاهدًا للاندماج ولأداء واجباته كعضو في المجتمع وأن يكون مواطنًا مخلصًا للبلد.
يتطلب ديننا من المسلمين الاستفادة من مهاراتهم وقدراتهم بما فيه صالح الأمة التي يعيشون فيها والعمل من أجل تقدمها وتطورها.
علاوة على ذلك، فإن مراقبة العادات والتقاليد المحلية والتعلم منها أمر جيد طالما أنها لا تتعارض مع تعاليم الإسلام.
ببساطة، يجب على الأحمدي أن يتذكر أن عليه ألا يسمح لنفسه بالانغماس في البيئة المحيطة به أو التأثر بها بصورة ينسى فيها تعاليمه الدينية الأساسية أو يتجاهل واجبه في تربية أبنائه وفقًا للتعاليم الإسلامية.
بالتأكيد، أولئك الذين يفشلون في حماية قيمهم الدينية والحفاظ عليها هم أولئك الذين يفشلون في الوفاء بعهودهم.
في هذه الدول المتقدمة، تتراجع القيم الأخلاقية يوما بعد يوم باسم الحرية وتقرير المصير، وتتأثر بعض نسائنا وبناتنا الأحمديات سلبًا بهذا، لكن عليهن أن يدركن أن مثل هذه الحرية المزعومة لا علاقة لها بنجاح وتطور بلادهن.
هل يمكن القول أن الذهاب إلى النادي الليلي مع ارتداء ملابس تكشف كل الجسم تقريبًا والرقص مع الرجال سيساعد البلد على التطور والنجاح؟
قطعًا لا.
هل يمكن القول أن شرب الكحول وفقدان الإدراك والتصرف بلا حياء من شأنه دعم بلادك؟
هل يمكن اعتبار ذلك خدمة للوطن؟
بالطبع لا.
هذان مجرد مثالين فقط، وهناك العديد من الأشياء الضارة السائدة في هذا المجتمع، والتي يحاول الأشخاص الدنيويون تبريرها باسم حرية الاختيار أو التقدم، ولكن الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلنا أنها فواحش تُبعد البشرية عن خالقها.
وعلى الرغم من أنه يتم الدفاع عن هذه الأشياء باعتبارها أمثلة على المجتمع الحر والحديث، إلا أن الواقع هو أن مثل هذه البذاءة لا تؤدي إلا إلى تحطيم الأسس التي يقوم عليها المجتمع المزدهر والشفوق بحق.
إن الحط من قدر أخلاق المجتمع باسم الحرية وسيلةٌ لتقويض قوة ووحدة الحضارة على المستوى الجماعي فضلاً عن إلحاق الأذى الفردي بالناس داخل ذلك المجتمع.
فليكن واضحا أنه سيأتي وقت بالتأكيد يدرك فيه سكان هذه البلدان المتقدمة أن ما يعتبرونه حرية كان في الواقع وسيلة لتدميرهم.
لقد وصلنا الآن إلى مرحلة يتكلم فيها حتى بعض غير المسلمين لإدانة هذه المستويات المفرطة في البذاءة وقلة الاحتشام داخل مجتمعاتهم، وهم يعترفون بأن انحطاط المستوى الأخلاقي يتزامن مباشرة مع تصاعد الإحباط والقلق بين عامة الناس.
وبالتالي، لا يوجد أي مبرر لأي منكن على الإطلاق للشعور بالنقص أو الحرج من ممارسة دينكن.
قد يزعم أهل الدنيا أن عرض أجسادهم أو ارتداء الملابس المثيرة أو جلب السلوك الجنسي إلى الساحة العامة هي علامات المجتمع المتقدم والذي تُقدر فيه حرية التعبير، ولكنهم مخطئون جدًا في ذلك.
يجب على جميع الأحمديين، رجالًا ونساءً، صغارًا وكبارًا، أن يفهموا أن هذا السلوك من المنظور الديني هو قمة الفجور ولا يمكن أن يتساهل فيه المتدينون الذين تعهدوا بإيثار دينهم على كافة الأمور الدنيوية.
لذلك، بينما يعيشون في هذا العالم الغربي، من الأهمية بمكان أن يقي المسلمون الأحمديون أنفسهم من أمراض المجتمع.
وكما قلت آنفًا، يجب ألا تحمين أنفسكن فحسب، بل يجب أن تسعين جاهدات لإنقاذ الآخرين من الانحلال الأخلاقي وإبراز أهمية الفضيلة والأخلاق.
هذه هي الطريقة التي تخدمن بها أمتكن، وإذا أخلصتن هذا الجهد، فعندها اطمئنن بأن عون الله ورحمته ستكون معكن في كل خطوة على طول الطريق.
في عالم اليوم، يتم الحديث كثيرًا عن أهمية الصحة العقلية والنفسية.
وفي هذا الصدد، تذكرن دائمًا أن راحة البال الحقيقية تُنال بالتقرب من الله تعالى وليس من خلال ملاحقة مفاتن العالم التافهة والعقيمة.
لقد تم توضيح هذه النقطة في الآية 29 من سورة الرعد من القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى بوضوح شديد "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"
وهنا قد أوضح الله تعالى بشكل قاطع أنه لكي يصل الشخص إلى حالة من السلام والراحة عليه أن يتذكر خالقه، وهذا ليس ادعاءً للقرآن الكريم لا أساس له، والعياذ بالله.
فقد أثبت التاريخ، في الواقع، صحة ذلك. ففي حياة جميع أنبياء الله وملايين المؤمنين المخلصين شهادة على حقيقة أن الطمأنينة الحقيقية تتحقق من خلال ذكر الله تعالى وحده.
لذلك لا تظننّ أن ما يسمى بحرية العالم الحديث أو نمط الحياة المادية يمكن أن يحقق السلام داخل القلوب بل إن ذكر الله هو الذي يمنح الرضا الحقيقي والدائم.
والحقيقة هي أن الناس الصالحين يشعرون بالرضا والسعادة في قلوبهم كلما ذكروا الله تعالى وهم يفكرون بنعمه وجمال خلقه.
على سبيل المثال، هم يرون عظمة الله أثناء مرورهم بالأشجار والغابات، ويدركون وجوده وهم يراقبون المحيطات الشاسعة والبحيرات وسلاسل الجبال المهيبة.
إن رؤية جمال الطبيعة، وتناغمها التام، لا يجعلهم يحمدون الله فحسب، بل يفكرون أيضًا في جلاله ويتفكرون في كيفية خلق السماوات والأرض وكل ما في الكون.
على أي حال، فإن النقطة الرئيسة التي أود أن أوضحها هي أن الله عز وجل ذكر أن الطمأنينة الحقيقية لا يمكن تحقيقها من خلال الحرية الدنيوية أو من خلال الانخراط بمفاتن العالم التي لا معنى لها.
بل، لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال نيل قرب الله تعالى وإبقائه في قلبك وعقلك في جميع الأوقات.
تذكرن أن الإسلام دين الاعتدال والوسطية، وهو لا يقول إن علينا عزل أنفسنا أو التخلي عن جميع الأمور الدنيوية، بل قد أمرنا الله تعالى باستخدام وسائل الراحة الموجودة في العالم والانتفاع بها.
لا يوجد أي ضرر في القيام بالأنشطة الدنيوية والترفيهية المفيدة لصحتنا أو التي ترتبط بمصالحنا الشخصية. ومع ذلك، يجب ألا ندعها تسيطر على وجودنا أو أن تصبح هدف حياتنا، ويجب ألا نتركها تصرف انتباهنا عن هدفنا الأسمى الذي يجب أن يكون ذكر الله تعالى والسعي لنيل قربه.
لا تنظرن أبدًا إلى المساعي الدنيوية على أنها وسيلة للنجاة أو النجاح، فبالتأكيد بدون رحمة الله وفضله، حتى الأشياء التي تبدو جيدة، قد تكون خطيرة.
على سبيل المثال، لا تطفئ المياه المالحة أبدًا ظمأ أحد وإنما تجعله أكثر عطشًا، وإذا استمر في شربها بلا هوادة، فسوف يمرض ويموت في النهاية.
وبالتالي، وعلى الرغم من أن الماء هو وسيلة الحياة، فإنه يمكن، إذا ما تم استخدامه بشكل غير صحيح، أن يكون سببًا لموتنا.
كلنا ندرك أنه عندما تهطل الأمطار تصبح الأرض خصبة، ولكن عندما يحدث الجفاف، تصبح الأرض قاحلة والعشب جافًا.
وعلى الرغم من أننا نعيش في بلد بارد نسبيًا، قد ارتفعت درجة الحرارة في الصيف في السنوات الأخيرة، وحتى هنا نرى كيف يفقد العشب لونه الأخضر ويجف خلال الفترات الحارة والجافة.
في تلك البلدان المعرضة للجفاف حيث المناخ حارًا دائمًا، يموت العشب تمامًا، وتبدأ الحيوانات وغيرها من الكائنات الحية بالهلاك.
وبالتالي، فإن قيمة المياه لا حدود لها ولا تضاهى، وقيمتها الحقيقية لا تُلاحظ إلا عندما نُحرم منها أو إذا أصابها التلوث.
وبطريقة مماثلة، إذا تجاهل شخص ما بركات الله عز وجل واتبع مسلكًا شريرًا معتبرًا بأنه ماء الحياة لديه، فإنه سوف يغرق بالإحباط واليأس.
لقد قرن الله سبحانه وتعالى مجيء الأنبياء وتعاليمهم بالمياه الروحية للإنسانية لأنه من خلال مياههم الروحية تتطهر أرواحنا وتُعطى القوت.
إذا قبلنا ما يعلّمون، فسيكون مآل حياتنا النجاح، ولكن إذا رفضنا تعاليمهم أو تصرفنا بطريقة غير أخلاقية، فإننا نرفض مياههم الروحية من أجل المياه المالحة الدنيوية التي لن تروي عطشنا وستؤدي في النهاية إلى تدميرنا.
لا تنسين أبدًا أننا الأحمديون أسعد الناس لأننا المستفيدون مباشرة من المياه الروحية التي منحها المسيح الموعود عليه السلام للعالم في هذا العصر.
إذا استمررنا بعد الإيمان به بالسير على طريق الفجور وفشلنا في اتباع أوامر الله سبحانه وتعالى، فإننا نقوم بتدمير حياتنا وسنكون مذنبين في اختيار الماء المالح بدلا من الماء الروحي الذي كان يمكنه أن يكون وسيلة لنا للنجاة والفوز.
ثم أود أن أذكر أن بعض الرجال والنساء الأحمديين، بمن فيهم شبابنا، يعتقدون أن الجماعة تضع قيودًا غير ضرورية على حياتهم وتحرمهم من حرياتهم.
ولكن، إذا نظروا بعناية ونزاهة، سوف يدركون أن الجماعة لا تحرمهم من حرياتهم المشروعة بأي شكل من الأشكال، بل تعمل الجماعة على الالتزام بتعاليم الإسلام وتوجيه أبنائها أخلاقيًا وفقًا لذلك.
نحن نسعى جاهدين لتشجيع جميع الأحمديين على العمل وفق تعاليم دينهم الحقيقية التي هي وسيلة للحرية والتحرر الحقيقيين.
وللأسف، كان هناك حالات لعدد قليل من الشابات والشباب الأحمديين الذين تأثروا إلى حدٍ كبير بالمجتمع الأوسع وتركوا حتى منازلهم ودينهم. وربما اعتبروا أنفسهم لبعض الوقت أحرارًا أو أنهم قد حصلوا على الحرية والمتعة التي سعوا إليها، ولكن في وقتٍ لاحق، ندم الكثيرون منهم على قراراهم وعبروا عن خجلهم وحرجهم من تركهم الجماعة وسعوا إلى الانضمام إليها مرة أخرى، واعترفوا بأن ما اعتقدوا أنه سيكون حياة الحرية قد ثبت عكسه، وسرعان ما أدركوا أنهم شرعوا في طريقٍ مدمر وخطير.
تذكرن دائمًا أن الحكمة والذكاء المبدئيين يتطلبان - وهذه هي في الواقع تعاليم الله سبحانه وتعالى- أن على الشخص أن يتحقق ويبحث بعناية في الإيجابيات والسلبيات قبل اتخاذ أي خطوة أو قرار في الحياة.
نحن الذين نسمي أنفسنا مسلمين أحمديين وندّعي أننا قبلنا المسيح الموعود عليه السلام، يجب ألا نزن فقط الإيجابيات والسلبيات المادية وإنما علينا أيضًا تقييم المنفعة أو الضرر الروحي والديني قبل اتخاذ أي قرار أو اعتماد مسار جديد.
بغض النظر عن مدى الفوائد المادية، فإن الأحمدي الحقيقي يجب أن يكون مستعدًا دائمًا للتخلي عن مثل هذه الأشياء إذا لم تتوافق مع تعاليمه الدينية.
يجب دائمًا إعطاء الأولوية لقيمنا الروحية والدينية، ففي النهاية، نحن نعلن ونتعهد بأننا من سنُؤْثر للأبد ديننا على جميع الأمور الدنيوية.
قبل أن أختم، أود أيضًا أن أذكركم بأن رسول اللهﷺ قد قال إن "الحياء من الإيمان"
وبالتالي، مع العيش في الغرب، لا ينبغي أن تتبع النساء الأحمديات تلك الصرعات والمسارات التي تُبرَّر باسم حرية الاختيار؛ ولكنها في الواقع وسيلة للفجور وعدم الاحتشام.
لا ينبغي لكنّ اتباع صرعات الموضة هذه التي تكشف أجسادكن بدلًا من الحفاظ على حشمتكن.
ينبغي على النساء والفتيات الأحمديات أن يلتزمن في جميع الأوقات بالملابس التي في حدود الحياء والتي يتم من خلالها الحفاظ على عفتهن.
ويجب أن يكون واضحًا أن على كل امرأة وفتاة أحمدية أن تلبس وتتصرف بطريقة محترمة ووفقًا لمبادئ الحياء.
في بعض الأحيان، لا تقوم بعض النساء والفتيات الأحمديات بتغطية رؤوسهن أو شعورهن أو حتى صدورهن من أجل الموضة، وهذا مخالف تمامًا لمتطلبات دينهن.
علاوة على ذلك، فإن بعض السيدات يرتدين المعاطف باسم الحجاب ولكن معاطفهن تكون مشدودة جدًا وتشبه القميص الضيق. مثل هذه المعاطف التي تظهر تفاصيل الجسم ليست مناسبة للنساء والفتيات المسلمات.
يجب أن تستر المعاطف التي ترتدينها أجسامكن ويجب ارتداء الحجاب بشكل صحيح على رؤوسكن.
احرصن دائمًا على ارتداء ملابسكن بصورة لا يستطيع أحد أن يشكك في حيائكن، وافتخرن بحقيقة أن الحجاب وسيلة لحماية شرف المرأة المسلمة وعفتها.
لكل رجل وامرأة أحمدية دائرة عليهم الالتزام بها والبقاء ضمنها، وهذه الدائرة هي ببساطة كل ما يعلمه الإسلام.
وهكذا، لم تُفرض حدودنا بأيدي أي إنسان، بل أمرنا بها الله سبحانه وتعالى.
يعتقد بعض الناس أن الأحمديين أكثر صرامة من الإسلام - لكن هذا خطأ لأن الأحمدية والإسلام شيء واحد.
إن معيار الحجاب الذي يتطلبه الإسلام منصوص عليه بوضوح في القرآن الكريم، وهكذا، عليكن قراءة القرآن بعناية لمعرفة ما هي مستويات الاحتشام المطلوبة منكن.
في كل جانب، يجب أن نتبع تعاليم القرآن الكريم ونعتبرها دليلنا..يجب أن نلتزم بمعايير العبادة المنصوص عليها في القرآن الكريم.
ويجب أن نتصرف وفقًا لطرق ذكر الله المبينة في القرآن الكريم، ويجب أن نتبنى كافة التعاليم القرآنية بأفضل ما لدينا من قدرات، وعندها سننال الثواب وقرب الله تعالى، وسوف نوفي بالتزاماتنا تجاه بيعة المسيح الموعود عليه السلام، وإلا فادعاؤنا بإيثار الدين على جميع المسائل الدنيوية والاستعداد لجميع التضحيات من أجله، سيكون خاويًا من الحقيقة وأجوفَ وبلا أي معنى.
أدعو الله سبحانه وتعالى أن يوفقكن جميعا للعمل بموجب تعاليم الإسلام الحقيقية، ولفهم وإدراك الغرض الحقيقي من حياتكن والذي هو نيل رضا الله سبحانه وتعالى وأن تكن مستعدات لجميع التضحيات في سبيله تعالى.
أدعو الله تعالى أن يبارك في لجنة إماء الله من جميع الجوانب.