أم المؤمنين زينب بنت حجش (رضي الله عنها)
سابع زوجات رسول اللهﷺ وقد زوّجها الله سبحانه وتعالى له من فوق سبع سموات،
وهي ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب وأخت الصحابي الجليل عبد الله بن جحش، وقد تزوجها النبي ﷺ قبل غزوة بني المصطلق بقليل في شعبان من العام الخامس الهجري وكان عمرها حوالي 35 عاما، وهو سن الكهولة أو السن الكبيرة بحسب ظروف الجزيرة العربية آنذاك.
زوّج رسول الله السيدة زينب من سيدنا زيد لكن هذا الزواج استمر سنة أو أكثر بقليل. وقد كانت السيدة زينب شديدة التقوى والصلاح إلا أنه كان عندها إحساسًا بالعظمة بسبب نسبها.
أما النبي ﷺ فكان منزهًا تماما عن مثل هذه الأفكار، ومع أنه كان يَعدّ النسب ذا أهمية في الأمور المدَنية إلا أنه كان يرى أن معيار عظمة المرء إنما هو تقواه وطهارته الذاتية كما قال الله تعالى في القرآن الكريم: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، فاقترح النبي ﷺ بدون أدنى تردد تزويج زينب من عتيقه ومتبناه زيد بن حارثة. في البداية لم يُعجب زينبَ هذا الاقتراح بسبب نسبها، ولكنها رضيت به في الأخير لما رأت رغبة النبي صلى الله عليه وسلم الشديدة في ذلك.
فكان هذا الزواج مثالاً لتحطيم الفوارق الطبقيَّة الموروثة قبل الإسلام، وقد عاملت زينب زيدا باحترام وخلق، ولكن زيدا شعر بأن في قلب زينب نزعة خفية بأنها تنحدر من عائلة عريقة وأنها من أقارب النبي ﷺ أما هو فليس إلا عبدا عتيقا وليس بكفءٍ لها. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كان زيد يشعر في قلبه بالدونية إزاء زينب، وظل هذا الشعور يزداد بالتدريج حتى كدّر عليهما صفوَ حياتهما الزوجية، فبدآ يعيشان في خصام. ولما تفاقم هذا الوضع وصار غير محتمل حضر زيد بن حارثة إلى النبي ﷺ وشكا إليه زينب بناء على ظنونه، واستأذنه في تطليقها.
وورد في رواية أيضا أنه شكا قسوتها في الكلام وقال: لهذا أريد أن أطلّقها، وبالطبع صُدم النبي صلى الله عليه وسلم بمعرفة هذه الأحوال ولكنه منع زيدا من الطلاق، ولعله صلى الله عليه وسلم شعر أن زيدا قصَّر في إصلاح الأمور فنصح زيدا بتقوى الله والسعي لإصلاح الأمور قدر المستطاع، ورد في القرآن الكريم أيضا أن يا زيد "أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ" (الأحزاب:38) وكان سبب نُصح النبي ﷺ له أنه كان لا يحب الطلاق، كما قال في مناسبة: "أَبْغَضُ الْحَلَالِ إِلَى اللهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ" (سنن أبي داوود، كتاب الطلاق)، فقد سمح الإسلام بذلك كعلاج أخير، ثانيا هناك رواية للإمام زين العابدين علي بن الحسين، وقال الإمام الزهري أنها ثقة، تقول: كان قد جاء النبي ﷺ وحي أن زيد بن حارثة سيطلق زينب في نهاية المطاف وستأتي زينب في عقده صلى الله عليه وسلم، لذا كان النبي ﷺ، لصلته الشخصية بالأمر، يريد أن يكون حياديا تماما وسعى كل السعي من طرفه ألّا يكون له أي دخل في انفصال زيد وزينب، وأن تدوم هذه العلاقة ولا تنقطع، لذلك نصح زيدا بإصرار ألا يطلقها ويتقي الله تعالى ويعاشرها كيفما أمكن. كان النبي ﷺ يخشى أنه لو جاءت زينب في عقده بعد الطلاق من زيد فسوف يقول الناس أن النبي تزوج من مطلقة متبنّاه وذلك سيؤدي إلى ابتلاء عبثا، قال الله تعالى في القرآن الكريم: "وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ" (الأحزاب:38)
وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم زيدا من الطلاق ناصحًا إياه بالتقوى، فسكت زيد مسلِّما بنصحه ورجع، ولكن كان اتصال الطبايع المتباينة صعبا، وكان الانشقاق قد حدث لذا كان الاتصال صعبا، فلم تنصلح الأمور وطلّق زيد زينب بعد فترة. وحين انقضت عدة زينب نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وحي جديد أن عليه الزواج منها.
كانت الحكمة من هذا الزواج جبر خاطر زينب أولًا، وثانيًا لكي لا يرى المسلمون حرجا في الزواج من مطلقات أدعيائهم لأن زيدا كان متبنى النبي ﷺ وكان يُسمى ابنَ محمد، لذا كان في زواج النبي صلى الله عليه وسلم من مطلقته تأثير عملي في المسلمين أن المتبنى لا يكون كالابن الحقيقي كما لا ينطبق عليه أحكام الابن الحقيقي، وبذلك سيمحو نهائيا تقليدَ عرب الجاهلية من بين المسلمين.
وعن هذا قال القرآن الكريم:"فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا"(الأحزاب:38).
كان لزينب عند النبي ﷺ مكانة عالية، فقد قالت أم المؤمنين عائشة عنها: "كانت زينب هي التي تساميني من أزواج النبي، ولم أرَ امرأة قطُّ خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله، وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشدَّ ابتذالاً لنفسها في العمل الذي يُتصدَّق به، ويُتقرب به إلى الله، ما عدا سورة من حدَّة كانت فيها، تُسرع منها الفيئة." وقد وصفها النبي محمد بأنها أوَّاهة وعُرف عنها حبها للخير وكثرة تصدُّقها.
توفيت زينب بنت جحش سنة 20 هـ، وعمرها 53 سنة، وحين حضرتها الوفاة قالت: "إني أعددت كفني، فإن بعث عمر لي بكفن فتصدقوا بأحدهما، وإن استطعتم إذا دليتموني أن تتصدقوا بحقوتي فافعلوا" وقد ماتت ولم تترك درهمًا ولا دينارًا، ودفنت بالبقيع.