هل يجوز الاستماع إلى الموسيقى؟ أم أنه أمرٌ محرمٌ كليةً؟
السؤال: إذا كان لدى شخص ما عادة سيئة هي الاستماع إلى الموسيقى، فسؤالي ما هو رأيكم بالموسيقى؟
جواب خليفة المسيح الرابع رحمه الله:
هذا الذي تسميه عادة سيئة يعتمد على درجة هذه العادة وطبيعة الموسيقى. أما الموسيقى ككل فلا يمكن وصفها بالسوء، فحتى الخمر لم يصفه القرآن الكريم بأنه سيئ تمامًا وحتى الألعاب البهلوانية بالكرات لا يمكن وصفها بأنها سيئة تمامًا، فهذا الذي تسميه عادة سيئة يعتمد على درجة هذه العادة وعلى طبيعة الموسيقى، المعيار المحدد هو أن يكون غالبية الشيء أو أكثر من 50% منه سيء وعندها يجب تركه ورفضه، أما الشيء الذي مساوئه أقل من 50% فيجب الاستفادة من محاسنه وترك مساوئه. هذا هو المعيار، وبالنسبة للموسيقى فهي تقع بين بين، فهي ليست ممنوعة تمامًا ولا يُسمح بها أيضا دون أي قيدٍ أو شرط. نحن نعلم أنه لما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قد رحب به المسلمون منشدين أغاني الترحيب وضربوا على الدفوف، وهذا كان نوع الموسيقى الموجود عند العرب آنذاك.
ولكن لم تكن من سنة النبي صلى الله عليه وسلم السماح لصحابته أن يذهبوا للاستمتاع بالغناء المتواصل وحفلات الموسيقى والغرق فيها فهذا لم يكن ديدنهم، بل كانوا يستمتعون بتلاوة القرآن الكريم أو يستمعون إلى الشعر الهادف من كبار الشعراء ولكن ذوقهم انتقل تمامًا تدريجيًا من الشعر إلى القرآن الكريم. فالأمر تطلب بعض الوقت لتحسين نوعية ذوقهم.. ففي مسائل الذوق، يتطلب الأمر بعض الوقت والصبر لتحسين نوعية الذوق ففي مثل هذه الأمور المسألة ذوقية أما في مسائل أخرى فأمر المنع حاسم ولا يمكن تغييره، فلا يمكنك القول مثلًا سأحسن ذوقي باتجاه الماء قبل أن أتمكن من التوقف عن شرب الخمر، كلا هذا لا يسمح به. لأن الخمر ممنوع والممنوع ممنوع، ولكن الموسيقى لا تقع تحت هذه الفئة، وعليك أن تتخذ تجاهها موقفًا حكيما بحيث تتخلص تدريجيًا من هذه العادة.
أما موسيقى البوب فلا أفهم كيف يستطيع الناس تحملها إنها مجرد تفاهة. أنا لا أمقت الموسيقى كلية لأنني أعرف أن بعض الموسيقى الكلاسيكية فيها نوع من النبل واستخرجت أفضل ما في الإنسان بطريقة لا يفهمها الإنسان، وقد حمل مؤلفو هذا النوع من الموسيقى عقولًا نبيلة، وأرادوا إيصال مسألة بؤس الآخرين إلى سامعي الموسيقى لإخبارهم أن هناك من يعانون ولقد شعر المستمعون بالحزن لدى سماع هذه الموسيقى مع أنها لم تسمِّ أي شخص ولم تقص أي رواية فالموسيقى هي التي أوصلت كل ذلك.
ومن استمع لهذه الموسيقى حزن وبدأ في البكاء دون معرفة السبب، وعندما خرج من قاعات الموسيقى أصبح إنسانًا أكثر نبلًا من ذي قبل. أما موسيقى البوب فعندما يغادر الناس قاعة الموسيقى فهم يخرجون وهم مصابون بنوع من الجنون ويكونون متعطشين نحو أمور لا يمكنهم الحصول عليها إلا بقتل الآخرين أو سرقتهم، فهذا الابتهاج المزيف يورط أيضًا في المخدرات. فالذوق الذي يتركه ما يسمى بالموسيقى المعاصرة بشعٌ وشيطاني، والمجتمع الذي يقع تحت تأثيرها يصبح أكثر بشاعة وأكثر انحلالا ويهمل القيم التقليدية، لذا فإن هذه الموسيقى بداهةً شيطانية ومحملة بالمعاصي.
ولكنك لا يمكنك أن تحكم على كافة أنواع الموسيقى وكأنها متماثلة. ولهذا قلت يجب أن تكون حكيمًا وانتقائيًا في اختيارك.
والاستماع في بعض الأحيان للموسيقى لا يمكن أن يعتبر عملا يفضي بك إلى جهنم.. طبعًا لا أؤكد لك ذلك، ولكن إذا استمعت إلى موسيقى فجذبتك إليها على حساب القيم العليا، وعلى حساب ذكر الله تعالى، والصلاة، بحيث استولت عليك وأصبحت مرادك وهاجسك.. إذا حدث ذلك فستكون خاسرًا لا محالة.