أم المؤمنين جويرية بنت الحارث (رضي الله عنها)



 ولدت أم المؤمنين السيدة جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب قبل البعثة بثلاثة أعوام، وتزوجت من ابن عمها مسافع بن صفوان بن أبي الشفر والذي توفي في غزوة بني المصطلق.
كان اسمها قبل الإسلام "برة"، وكانت من قبيلة معادية لرسول الله صلى الله عليه وسلم والإسلام وهي قبيلة بني المصطلق التي كانت ذات مرة تُعِدّ العدة لغزو المدينة ووصلت الأخبار لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) فجمع المسلمين وانطلق لرد عدوان المعتدين وانتصر المسلمون في هذه المعركة التي عرفت تاريخيا باسم غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع، ومع هذا الانتصار أسر المسلمون الكثيرين من بني المصطلق وكان من بينهم برة ابنة سيد بني المصطلق وقد وقعت في سهم الصحابي ثابت بن قيس بن الشماس فكاتبته على نفسها ثم ذهبت إلى رسول الله صّل الله عليه وسلم وقالت له: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فوقعتُ في السهم لثابت بن قيس بن الشماس، فكاتبتُه على نفسي، فجئتك استعينك على كتابتي، فقال لها رسول الله صّلى الله عليه وسلم: فهل لك في خير من ذلك؟ فقالت: وما هو يا رسول الله، فقال: أَقضي عنك كتابتك وأتزوجك، فقالت: نعم يا رسول الله، فقال: لقد فعلتْ.
دفع رسول اللهﷺ عن جويرية مال المكاتبة لثابت رضي الله عنه وعقد عليها، وقد جلب هذا الزواج بركات عظيمة على قوم برة أو جويرية كما أسماها رسول اللهﷺ بعد إسلامها.. فبعد أن انتشر خبر زواج رسول الله ﷺ منها وسط المسلمين بدأ كل من كان لديه أسير من بني المصطلق بإطلاق سراحه وقالوا كيف نأسر أصهار رسول الله؟!
قالت السيدة عائشة عن رضي الله عنها عن هذا الحدث: "لقد أُعتق بهذا الزواج مئة من بني المصطلق، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها".
كانت السيدة جويرية مثال للمرأة الصالحة التي ترعى بيتها وزوجها، وعُرف عنها اجتهادها في العبادات وإكثارها من الذكر الإلهي وحرصها على تعاليم الدين، وفي يومٍ من الأيام خرج رسول الله صّل الله عليه وسلم من عندها وقت صلاة الفجر وهي في مسجدها وبعدما عاد وجدها مازالت كما هي جالسة، فقال لها: مازلتِ على الحال التي فارقتك عليها، فقالت نعم، فقال لها النبي صّلى الله عليه وسلم : لقد قُلتُ بعدك أربع كلمات ثلاث مراتً، لو وُزِنَت بما قلتِ منذ اليوم لوَزَنتهنّ: سبحان الله وبحمده عدَدَ خَلْقِه ورضا نفسه، وزِنة عرشه، ومِداد كلماته.
وروت السيدة جويرية (رضي الله عنها): "رَأَيْتُ قَبْلَ قَدُومِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ كَأَنَّ الْقَمَرَ أَقْبَلَ يَسِيرُ مَنْ يثْرِبَ حَتَّى وَقَعَ فِي حِجْرِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُخْبِرَ بِهَا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ حَتَّى قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا سُبِينَا رَجَوْتُ الرُّؤْيَا، فَلَمَّا أَعْتَقَنِي وَتَزَوَّجَنِي وَاللَّهِ مَا كَلَّمْتُهُ فِي قَوْمِي حَتَّى كَانَ الْمُسْلِمُونَ هُمُ الَّذِينَ أَرْسَلُوهُمْ وَمَا شَعَرْتُ إِلَّا بِجَارِيَةٍ مِنْ بَنَاتِ عَمِّي تُخْبِرَنِي الْخَبَرَ، فَحَمِدْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ".

تُوُفِّيَتْ أم المؤمنين جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ سِتٍّ وَخَمْسِينَ فِي إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ، وَصَلَّى عَلَيْهَا مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ وَالِي الْمَدِينَةِ، ودفنت في البقيع مع باقي أمهات المؤمنين رضي الله عنهن جميعا.