من فجع هذه بولدها؟
يتم في هذه الأيام تداول مقطع مصور لأمٍ من إحدى الدول العربية تبكي على قبر ابنتها الصغيرة رحمها الله، ولكن من خلف السياج! والسبب وراء ذلك أن هذه السيدة مطلقة وبحسب قرار المحكمة التابعة لطائفتها الدينية قد أحيلت حضانتها لوالدها، "ومن حقه" منع والدتها من رؤيتها! وحتى بعد أن توفيت الصغيرة أقام الوالد سياجًا حول القبر حتى لا تستطيع الأم الوصول إلى قبر ابنتها مباشرة!!
للأسف الشديد تعاني مئات وربما آلاف الأمهات في العالم الإسلامي من ألم الحرمان من حضانة أبنائهن أو رؤيتهم بموجب قوانين ذكورية بحتة تمنح كامل الحقوق للأب وتهضم حق الأم، بل في غالبية هذه الدول لا يحق للأم منح حتى جنسيتها لأبنائها! والطامة الكبرى في كل هذه القوانين أنها تدعي أنها مبنية على أساس الشريعة الإسلامية بينما الإسلام ونبي الرحمة صلى الله عليه وسلم بريئان من هذا براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام!
ألم يقرأ هؤلاء المشرعون أو على الأقل الآباء الذين يحرمون الأمهات من رؤية أبنائهن عن قصة نفر الصحابة الذين رأوا طيرة لها فراخًا صغيرة فأخذوا منها الفراخ فأخذت تصفق بجناحيها مضطربة فعلم رسول اللهﷺ الذي بعث رحمة للعالمين بأنها قد أوذيت في صغارها فلام الفاعلين وأمرهم بإرجاع الصغار لأمهم؟! بل سمى فعلتهم هذه بالفاجعة!
"عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرُشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ "مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا" (سنن أبي داوود -كتاب الجهاد، باب كراهية حرق العدو بالنار).
فكيف تُنسب لشريعة هذا الرحيم الشفوق الغراء الذي لم يقبل أن تفجع طيرة بفراخها هذه القوانين البالية!
ألم يقرأ هؤلاء القساة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"؟ (جامع الترمذي-كتاب السير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب فِي كَرَاهِيَةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ السَّبْي).
أما عن حضانة الأطفال، فقد ورد عن عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ امْرَأَةً، قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي" (سنن أبي داوود)
أي أن الأم هي الأحق بحضانة أطفالها ما لم تتزوج بعد طلاقها، وطبعًا ليس في هذا إجحاف في حق الطفل أو الأم فمن غير المضمون تلقي الرعاية من زوج الأم، ومن الممكن أن يتعرض لأذىً نفسي وجسدي فعندها تصبح أم الأم هي الحاضنة فإن لم تكن على قيد الحياة أو تنازلت عن الحضانة فأم الأب. وبلا شك فإن الجدة بمنزلة الأم، وتحمل في قلبها من الحب والحنان تجاه أحفادها ما تحمله الأم تجاههم، كما أن هذا يضمن تواصل الأم مع أبنائها بشكل مباشر ودائم.
وأخيرًا يستحضرني هنا سؤال طرحته طفلة صغيرة ذات مرة على خليفة المسيح الرابع (رحمه الله) حيث قالت: لماذا قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) إن الجنة تحت أقدام الأمهات وليس الآباء؟ فرد عليها ضاحكًا: "لأنه تحت أقدام الرجال لا توجد غير الأحذية"!