مقتبسات من الخطاب الذي ألقاه أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز، الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام بيوم 3/8/2019م في قاعة النساء، بمناسبة الجلسة السنوية في بريطانيا



 لا يهمنا ما يفعله المعارضون بل همنا إنقاذ العالم من الوقوع في النار:
إذا نظرنا إلى حال المسلمين، وجدنا أن الأغلبية منهم بعيدة عن التعاليم الدينية، ومحاطة بالبدعات. إنهم مسلمون بالاسم- كما قال المسيح الموعود عليه السلام أيضا في موضع- ويقولون بكل قوة وشدة إننا مسلمون، والحمد لله، ولا يعملون بالإسلام. ولو قارنّا زمن المسيح الموعود عليه السلام مع الزمن الراهن لوجدنا الحالة متردية أكثر، فقد ابتعد الناس عن الإسلام أكثر. ولكن عندما يأتي الأمر إلى معارضة الجماعة الإسلامية الأحمدية يستعدون للتضحية بأرواحهم. إذًا، الإسلام عندهم يعني معارضة الجماعة الإسلامية الأحمدية. وإن زعماءهم هم المشايخ المزعومون الذين حياتهم متلطخة بكل نوع من الأوساخ والأدران كما تقول وسائل الإعلام بين حين وآخر. لا يهمنا ما يفعله هؤلاء الناس، غير أن ما يهمنا هو أن ننقذ العالم من الوقوع في النار، ونهدي الناس إلى سبل قرب الله تعالى.

ولكن لتحقيق ذلك يجب أن ننظر إلى أنفسنا هل نحن مستعدون لتحقيق هذا الغرض؟ وهل أنشأنا في أنفسنا بعد إيماننا بالمسيح الموعود عليه السلام تغيرات طيبة تجعلنا عاملين بأوامر الله تعالى؟ هل من شأن أعمالنا أن تقرّبنا إلى الله تعالى؟ أو هل نفضّل اللهو واللعب الدنيوي والبدعات على الدين رغم انتمائنا إلى المسيح الموعود عليه السلام؟
إذا كانت أفكارنا إيجابية ونسعى جاهدين لتحقيق الهدف أو ننوي ذلك على الأقل فيمكن أن نُعَدّ من الذين يقدمون الدين على الدنيا، وإلا فسيكون مَثلنا كمثل الذين حسبوا الدنيا وحدها كل شيء...
وقد وضّح الله تعالى أن الحياة الدنيا إنما هي لهو ولعب ليس إلا. ألِعاقلٍ أن يجعل شغله الشاغل هو اللعب واللهو على مدى اليوم ولا يعمل عملا سواهما. غير أننا يمكننا أن نقوم بالرياضة وغيرها من النشاطات للاحتفاظ بالصحة الجسدية والذهنية. وهذا ما يفعله الناس الماديون أيضا ولكن الإنسان المادي لا يجعل اللعب واللهو شغله الشاغل. ولو فعل ذلك لأفسد حياته ودمّر أمن بيته ولمات جوعا.
يجب أن يكون معيار المؤمنين والمؤمنات في الصلاح مختلفًا عن أهل الدنيا:
يجب أن يكون معيار المؤمنين والمؤمنات في الصلاح مختلفًا عن أهل الدنيا. ينبغي ألا تظنوا أن اللهو واللعب مقتصر فقط على التفرجِ على البرامج العابثة في التلفاز وشبكة الاتصال وغيرهما أو إضاعةِ الوقت في حديث عابث مع الأصدقاء، كلا بل إن التفكير الدائم في أمور الدنيا وكسبها، وعدمَ الاهتمام بالدين أيضا لهو ولعب. إن انشغال المرء بكسب الدنيا ناسيا حقوق الله وعبادته لهو اللهو واللعب.
فعلينا نحن المسلمين الأحمديين، ذكورًا وإناثا، أن نرجع إلى صوابنا، ونتوجه إلى أداء حق الله تعالى..


هناك حاجة ماسة إلى أن يُحدِث الرجال والنساء كلهم تغييرا طيبا في أنفسهم...
كلما تسنح لي الفرصة أقول لبعض الرجال: إنك منهمكٌ في كسب الدنيا ناسيا الدين – كما تشتكي من ذلك بعض النساء أيضا أمامي- فيجيب بعضهم: إن مطالب زوجتي كثيرة جدا، مما يؤدي إلى الخصام والجدال في البيت طيلة الوقت، ويؤثّر على الأولاد أيضا سلبا، فأضطر إلى العمل أكثر، ولا أستطيع بسبب الانشغال بالعمل أداء حق عبادة الله تعالى.
أولا إن هذا العذر واهٍ ولغو، لأن الله الذي هو الرزاق قد وعد أن من يأتي إليه يرزقه- وقد قرأت على مسامعكم أمس بهذا الصدد أقوالا للمسيح الموعود عليه السلام- فالقول بأنه نسي الله ولم يؤد حقه لأن مطالب زوجته كثيرة جدا يعني أن هذا الرجل يجعل زوجته ندًا لله تعالى. على مثل هؤلاء الرجال والنساء أن يخافوا الله تعالى، لأن هذا التفكير ضربٌ من الشرك. يجب أن يخافوا بطش الله تعالى إذ يقعون في هذا الشرك معه عز وجل.
أما إذا كانت هذه التهمة الموجهة من بعض الرجال إلى نسائهم باطلة- وإني آمل أن زوجات هؤلاء الرجال الذين يجيبونني بأننا ننسى الله تعالى بسبب كثرة مطالب نسائنا أكثريتُهن لا تفكّر على هذا النحو، فهذا ذنبهم. أما النسوة اللواتي يصدق فيهن قول أزواجهن هذا فعليهن أن يدركن أن هذا التصرف لا يليق بمكانة المرأة الأحمدية.

على المرأة الأحمدية:
أن تكشف لزوجها أنها تفضل أداء حقوق الله تعالى، فعليه أن يؤدي حقوقها المفروضة عليه تجاهها بعد أداء حق الله تعالى.
وأن توضح لزوجها أنها لا تريد أبدًا هذه الأشياء المادية على حساب حق الله تعالى. يقول الله تعالى إنكم إن غفلتم عني ونسيتم أوامري فسوف تنسون حقيقة حياتكم. تظنون أنكم إذا نلتم الدنيا فقد نلتم كل شيء، والحق أنكم لم تنالوا أي شيء، بل فقدتم كل شيء.

لقد بين الله تعالى هذا الأمر بضرب مثال جميل رائع حيث قال لا تعدّوا أموالكم وأولادكم مفخرة لكم، إن هم إلا زينة ظاهرة، ومثلهم كمثل زرع يجعله الماء مخضرا، فيهيج ويخرج جميلا ومايسا. يُكسبه الماء نضارة ظاهرة، لكنه يصبح مصفرا بعد حين، وعندما يحين وقت الانتفاع منه تهب عليه ريح سموم حارة، فتذروه حطاما، فيصبح صاحبه يقلّب كفيه ولا يملك منه شيئا. يقول الله تعالى يا مَن تعدّون البيوت الجميلة والسيارات الفارهة والأموال المدخرة في البنوك والعقارات والأولاد مدعاة فخر وسيادة، اعلموا أنه لن يبقى في أيديكم من هذه الأشياء شيء في نهاية المطاف.
سيسألكن الله عن أعمالكن الصالحة فقط:
لن يسألكن الله بعد الموت كم تركتنَّ من العقار أو المال أو كم خلفتن من الأولاد، وإنما سيسألكن ما هي الأعمال التي أنجزتنَّها، وما هي التغييرات الطيبة التي أحرزتنَّها في نفوسكن، هل عملتنَّ بأوامر الله عز وجل وهل سعيتنَّ للمحافظة على عبادتكن وعبادة ذريتكن، هل قلتن لأزوجكن أن أداءهم حق عبادة الله أحب إليكن من أموالهم، وأنكن تحببن أن يقدموا لأولادكم أسوةً تقرِّبهم إلى الله؟ إذا كان جوابكن لهذه الأسئلة بنعم فقد ورثتنّ جنات الدنيا والآخرة بعد الفوز برضوان الله عز وجل. وإذا كان لا، فهذا مدعاة خوف من لفحات الريح الحارة التي تمزق الناس كما تذرو الزرع حطاما حين تهب عليه.
هنا يجب ألا يخطرنّ ببال الرجال أن كل ما أقوله موجّه إلى النساء فقط. كلا بل قد وجه الله عز وجل الخطاب إلى أهل الإيمان، وأهل الدنيا وخلْقه والناس. لذا لن يعصم الرجالَ من لفحات الريح الحارة لمجرد جوابِهم بأن زوجاتهم كثرت مطالبهن بحيث اضطروا إلى عدم أداء الصلوات في وقتها أو لعدم التمكُّن من أدائها كلها. فهذا الموقف مدعاة الخوف للرجال أيضا.

كان الأولون يشتكون للنبي صلى الله عليه وسلم انهماك أزواجهم بالعبادة لا بأمور الدنيا:
قد أعلنَّا- بعد مبايعة سيدنا المسيح الموعود عليه السلام- الانضمامَ إلى الذين أَلحقوا الآخرين بالأولين. لذا نحن بحاجة إلى اتباع الأولين والاقتداء بهم في كل حسنة. وإذا سعينا للاقتداء بأسوتهم فلن يحتج الرجل باضطراره إلى الانهماك في العمل تلبية لمطالب زوجته بحيث فرَّط في صلواته. وكذلك لن يكون جواب الزوجة أن زوجها لم يكن يستجيب لها وكان يضيع وقته، وكان يشغل بالَه كسبُ الدنيا ويتهمها بأنها السبب.
أما الأولون فعلى عكس ذلك إذا كانوا يشتكون فإنما كان الرجل يشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأن زوجته تعبد الله ليل نهار ولا تؤدي حقه، فتلك كانت شكوى الزوج. فلفتَ النبي صلى الله عليه وسلم نظر الزوجة إلى واجباتها المنـزلية وأداء حقوق زوجها وكذلك بلغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم شكوى الزوجة: إني لا أهتم بهندامي لأن زوجي لا يعتني بي ولا ينظر إلي، ويقوم الليل ويصوم النهار، وأنا لا أشغل باله، فلمَن أتجمل وأهتم بهندامي؟ فنادى النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرجل وقال له: تأسَّ بأسوتي فأنا أعبد الله وأؤدي حقوق البيت والزوجة أيضا. وبعد بضعة أيام قابلت تلك المرأة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من جديد فكانت تجملت واهتمت بهندامها، فلما سألنَها عن سبب التغير، قالت: الآن زوجي يهتم بي استجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم ولذا بدأتُ أنا أيضا أهتم بهندامي.

التبرج وكشف الحجاب يكون في البيت أو وسط النساء أو أمام المحارم فقط:
فأولئك النساء لم يكنَّ يتجملن من أجل الموضة وإظهارا للناس ولا متأثرات بالدنيا، بل كن يتجملن من أجل خلق البيئة الطاهرة في بيوتهن. فيجب أن يكون دأب المرأة الأحمدية ألا تتجول في السوق سافرة متبرجة. وإذا كانت البنات يتجملن قبل الزواج فوسط النساء فقط أو أمام أقارب من المحارم. فلا يصح كشف الحجاب بحجة أنه تربطنا أواصر القربى مع الأسرة الفلانية، لذا لا نتحجب أمام رجالها، ويأتين أمامهم متبرجات.
حين يرتفع الحجاب تنشأ الفواحش:
تذكرن دوما أن الحياء حِلية المرأة، وهذه الزينة يجب أن تفتخر بها المرأة. لا أن يشغل بالها متاعُ اللهو واللعب والاجتماعات العامة. وأن تبيت البنات في بيوت الآخرين بحجة علاقات الصداقة القديمة بين العائلتين. فحين يرتفع الحجاب تنشأ الفواحش، وهذا ما نلاحظ في المجتمع المتقدم المزعوم.
الصبية أيضا يجب ألا يبيتوا خارج البيت باسم البرامج الترفيهية، ويجب أن يراقب ذلك الوالدان. إذا حافَظ الرجال والنساء على هذه القيم فسوف يثبتون على تعليمهم وقيمهم الدينية. أما حيث أذن الله ورسوله برفع الحجاب لوقت قصير أو إراءة الوجه للرجل فهو جائز، فأمام الطبيب أو عند الخطبة أو في حالات الاضطرار يمكن رفع الحجاب، لكن الاضطرار يجب أن يكون حقيقيا.
أُوصينا بالعمل بأسوة الصحابة، فما هي نماذج الصحابة يا ترى؟! ماذا كان نموذج المرأة في طاعة النبي صلى الله عليه وسلم
حين قال شخص للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يتزوج من فلانة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب وقل لأبيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسلني لأرى الفتاة مرة قبل الزواج، فغضب أبو البنت وقال له: لن أسمح لك أبدا بأن ترى ابنتي، وكانت البنت تسمع هذا الكلام في الداخل فأطلت بوجهها عبر الباب وقالت: إذا كان ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيمكنك أن ترى وجهي. ثم لاحظوا تقوى الشاب أيضا إذ غض بصره فورا وقال: التي تحترم أمر النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الدرجة أوافق على الزواج منها بسبب تقواها ولا أحتاج إلى رؤية وجهها. هذا هو شأن البنت المسلمة الحقيقية وهذا هو مستوى طاعتها، وهذا هو مستوى تقوى شاب مسلم، إذ قدّم كلاهما الدينَ على الدنيا في كل حال. فهل هذا هو مستوانا؟!

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"
إذا اهتم بذلك شبابنا وفتياتنا فبدلا من الأهواء الدنيوية والزينة والتفاخر لاختارت البناتُ الشباب المتدينين للزواج ولاختار الشبابُ الفتيات المتدينات، ولتزوجوا في بيوت الصالحين ومن بنات صالحات بدلا من الاهتمام بالأشياء الظاهرية والجمال الظاهري. وفي مثل هذا المجتمع لن يتسابق الناس من أجل زينة الحياة الدنيا والمال والتفاخر ولن يتكالبوا على هذه الأمور بل سوف يتسابقون في الدين ويسعون ليبحثوا عن أسرة أو بيت أفضل دينيا وسيبحث شبابنا عن بنات صالحات في الجماعة ولن يقولوا كيف نتزوج من دون المعرفة السابقة ومن دون الصداقة. والبنات الأحمديات يشعرن أن الشباب يتحرون الزوجات خارج الجماعة. والذين يفعلون ذلك لم تربّهم أمهاتهم تربية جيدة. لماذا لم يرسّخن في أذهانهم منذ الصغر أنهم سيتزوجون من بنات صالحات ومتدينات؟! وإذا كانت الأمهات يعلّمن أولادهن ولا سيما الذكور أنه يجب أن يتزوجوا من بنات متدينات فلا بد أنهم يتمسكون بالدين أنفسهم. ولا يمكن أن يقول الشباب بأن تكون زوجاتنا صالحات وأما نحن فنفعل ما نشاء. لا بد أن فتاة صالحة ستبحث عن زوج صالح لها وترجو أن يكون زوجها صالحا.
إذًا، ينبغي أن يكون ديننا والعمل بأحكامه مفخرةً لنا ولا ينبغي أن يكون اللهو واللعب ورياء الناس شاغلنا.

إنذار النبي للنساء الماديات:
أنذر النبي صلى الله عليه وسلم النساءَ إنذارا شديدا في إحدى المناسبات فقال عن النساء اللواتي يُظهرن الأشياء المادية أمام الناس: المرأة التي تُحَلَّى ذَهَبًا وتفتخر به وتُظْهِرُهُ للنساء أو الرجال، لا تُظهره في الخارج فقط بل أمام النساء والرجال في العائلة أيضا للافتخار سوف تُعَذَّب. هذا إنذار كبير...
البنات والنساء يتزينّ في الأفراح وهذا جائز ولكن إظهار الزينة يجب أن يكون أمام المحارم فقط وليس في الشوارع والأسواق.
الحياء شعبة من الإيمان:
ضعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم أمامكم دوما أن الحياء شعبة من الإيمان، فالنساء اللواتي يعملن بهذه الأمور لرضا الله تعالى والرجال الذين يعملون الصالحات سيأتون تحت رداء رحمة الله ورضوانه وهذا الرداء يحفظ الإنسان من كل أنواع الحر وليس هذا فقط بل يجعله يستمتع بالجو البارد الجميل.

ثمة حاجة إلى السعي له وللعمل بأحكام الدين وللعوذ بالله تعالى من الشيطان
قد أقسم الشيطان منذ خلق آدم أنه سيغوي الناس عن درب الحسنات ويزيّن لهم الحياة الدنيا ويورِّطهم في اللهو واللعب، ولكن الله تعالى قال: لن أجبر أحدا على القيام بالحسنات بل قال للبشر: أنتم أحرار، يمكنكم أن تعملوا بأحكامي أو تتبعوا الشيطانَ، ولكن تذكروا أن أتباع الشيطان سيُحرمون من الجنات الدائمة. إذًا فماذا يكون قرارنا، هل نرجو رضا الله تعالى أم نبتغي اتّباع الشيطان ونبتعد عن الدين؟ وهل نريد أن نفرحَ على متاع الحياة الدنيا أم نريد إحراز جنات الله الدائمة؟!
يجب على كل أحمدي، رجلا كان أو امرأة، أن يفحص حياته وما إذا كان بعد بيعة المسيح الموعود عليه السلام وبعد الانضمام إلى جماعة الآخرين يسعى أو تسعى للالتحاق بالأولين وللاقتداء بأسوتهم أم لا؟!
لقد قال المسيح الموعود عليه السلام: إنكم إذا اقتديتم بي بشكل صحيح فسترون ما رأى الصحابة. ويتحقق اتباعي في العمل بتلك الأحكام التي ذكرها الله تعالى وبالهداية التي أعطاها، ولقد أخبرنا الله تعالى: وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (الحديد 21) أي إنها متاع قليل مؤقت ينخدع فيه الإنسان، فلماذا نهلك أنفسنا وراء متاع الغرور المؤقت.

إن غدكن هو أولادكن وذريتكن إلى جانب الحياة الأخروية:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" في هذه الآية يقول الله تعالى: من واجب كل نفس ملتزمة بالتقوى أن تنظر إلى غدها وترى ما الذي قدّمته لمستقبلها، فينبغي ألا تهتم بحالها الراهنة بل يجب أن يهمها مستقبلها أيضا. إن متاع الدنيا كلها يتعلق بالحال الراهنة لأنها لن تكون موجودة غدًا، وما ينفع النفوس غدًا فهو التقوى والحسنات التي كسبتموها في هذه الدنيا، كذلك ما أديتم من حقوق الله وحقوق العباد التي سوف تُسألون عنها، ولن يسألكم الله تعالى عن ثروات الدنيا ولا عن عزتها ولا يسألكم عن علوم الدنيا وموضاتها.
إضافة إلى ذلك إن غدكن هو أولادكن وذريتكن إلى جانب الحياة الأخروية، فإن ربّيتن أولادكن على أسس التقوى فإنهم أيضا يتسببون في رفعة درجاتكن. إن ذريتكن الثابتة على الدين تكون داعية لكن. وإن ذريتكن التي توثر الدين على الدنيا تصبح ذريعة لرفع درجاتكن. فلا تستطعن إظهار حقيقةِ ما تقدمنه للغد إلا إذا أديتنّ حق تربية الأولاد الذي ألقيت مسؤوليته على عاتقكن وحققتنّ هذا الهدف. إنْ ربت الأمهات أولادهن تربية صحيحة منذ الصغر فستنشأ ذرية صالحة وثابتة على الدين إلا ما شذ وندر. يقول الله تعالى أنه خبير بما تعملون. إنه يرانا كل حين، ويعلم ما يجول في خاطرنا من أفكار ويعلم أسرارنا ونياتنا، فلا يمكن خداعه. هو يعلم إلى أي مدى نؤدي حق انتمائنا إلى إمام هذا الزمان عندما ندعي انتسابنا إليه، وإلى أي مدى نؤدي حق ارتباطنا بجماعة المسيح الموعود عليه السلام، وإلى أي مدى نجعل أولادنا من خلال تربيتنا لهم أحمديين كما كان المسيح الموعود عليه السلام يريده منا؟ مهمتكن اليوم هي تربية الأجيال القادمة والحفاظ على دينها. ولقد جعلكن النبي صلى الله عليه وسلم مشرفات على هذا العمل.
ينبغي لأمهاتُ اليوم والبنات اللواتي سيصبحن الأمهات غدًا إن شاء الله أن يفكرن في هذا الأمر ويستوعبنه. فليخططن لذلك ويحاسبن أنفسهن، ويزدن علمهن الديني، وليستخدمن كل ما في وسعهن من أجل تحقيق وعد إيثار الدين على الدنيا. ينبغي أن يرسخن في أذهان أولادهن أنه لا بد من إحداث التغييرات الطيبة في النفوس بعد الدخول في بيعة المسيح الموعود عليه السلام، ولا بد من إيثار الدين على الدنيا. ينبغي ألا تكون الدنيا غايتنا، وألا يكون لهوها ولعبها هدفنا. فهذه مسؤولية كبيرة وثقيلة. إن لم تكن أعمالكن متوافقة مع التعليم الذي أعطانا الله تعالى إياه، وإن لم ترتفع مستويات عبادتنا كما يريده الله تعالى منا، وإن لم تكن مستويات أخلاقنا وفق المستوى المطلوب منا من قبل الله تعالى، وإن لم يكن مستوى الحياء كما يطالبنا به الله تعالى، وإن لم تكن علاقاتنا الاجتماعية كما يريدها الله تعالى منا، وإن لم يتوافق ظاهرنا مع باطننا، وإذا كنا أحمديين -بدون اكتساب العلم والمعرفة- لمجرد أن آباءنا وأجدادنا كانوا أحمديين، فلنتيقن أننا لا نعمل وفق أمر الله تعالى ولا ننظر ما نقدمه للغد، وإنما وقعنا رجالا ونساء في خدعة متاع هذه الدنيا في هذه الحال، فمن يضمن ثبات أولادكن على الدين؟ كما أنه لا ضمان في هذه الحالة لنجاحكن ونجاح أولادكن للحصول على جنات الله تعالى الدائمة. فإن كنتن تردن تحسين دنياكن وأخراكنّ ودنيا ذراريكنّ وعقباهم فلا بد من بذل الجهد بكل جدية والقيام بالمجاهدة من أجل إيثار الدين على الدنيا.
لا ينظر الله تعالى لكم كم كان آباؤكم صالحين! وكم من تضحية قاموا بها! أو كم من تضحية المال والنفس التي قدموها! لأنهم ينالون جزاء أعمالهم ونتلقى نحن جزاء أعمالنا فحسب. لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ابنته فاطمة التي كانت أحب أولاده إليه بأنها أيضا لن يُغفر لها لمجرد أنها بنت رسول الله بل لن ينفعكم إلا أعمالكم، فإذا قال ذلك عنها فكم ينبغي علينا بذل الجهد! وكم هو مقام خوف لنا!! وفّق الله تعالى كل سيدة أحمدية وكل رجل أحمدي للعمل وفق أوامره تعالى وأن يكسبوا أعمالا تسهل عليهم نيل رضى الله تعالى. وبدلا من متاع هذه الدنيا ينبغي أن ننظر ما قدمنا لغدنا، وفقنا الله تعالى لذلك. آمين.