بحثًا عن علاج لفيروس كورونا الكوفيد 19
مقال معرب عن اللغة الإنجليزية
بقلم الدكتورة: نصرت شريف وهي عالمة في وحدة أبحاث الالتهاب والمناعة في شركة Pfizer Inc، كامبريدج، ماساتشوستس. وهي رئيسة جمعية العالمات المسلمات الأحمديات بالولايات المتحدة الأمريكية.
ما بدأ كالتهاب رئوي فيروسي مع تفشي غير عادي في مدينة ووهان في الصين في ديسمبر 2019، قد وصل الآن إلى جائحة عالمية ذات أبعاد مروعة.
الكورونا (COVID-19) مرض ناجم عن متلازمة الالتهاب التنفسي الحاد الفيروس التاجي 2 (SARS-CoV-2) وقد تسبب انتشاره السريع بكارثة غير متوقعة، مما أدى إلى قلب حياة المليارات من الناس في جميع أنحاء العالم رأسًا على عقب، ودُمر الاقتصاد وأصيب الصغار والكبار والأغنياء والفقراء من كل عرق وفي كل قارة تقريبًا.
هناك المئات من الفيروسات التاجية، ينتشر معظمها بين الحيوانات بما في ذلك الخنازير والجمال والخفافيش والقطط.
في بعض الأحيان تنتقل هذه الفيروسات إلى البشر – يسمى ذلك حدثًا غير مباشر- ويمكن أن تسبب المرض. يعتقد أن أصل الكوفيد 19 قد نشأ في الخفافيش.
ماذا يحدث عندما يكون الشخص مصابًا بفيروس كورونا المستجد؟
على المستوى الأساسي، فإن الفيروس التاجي مثل جميع الفيروسات الأخرى، هو مجرد جزء من المعلومات الوراثية (جينوم RNA أحادي الشريط) الذي يدخل إلى الخلية ويختطف مكنَنتها، بحيث تبدأ الخلية بإنتاج مادة وراثية فيروسية.
يستخدم السارس- كوف 2 الإنزيم المحول للأنجيوتنسين- 2، وهو مستقبل بروتين على غشاء الخلية للإلتصاق بالخلايا البشرية. يقلل الإنزيم المحول للأنجيوتنسين من ضغط الدم والالتهاب ولكنه يعمل أيضًا "كباب" للخلية، مما يسمح للفيروس بدخول الرئتين.
لا تؤدي جميع حالات التعرض إلى العدوى. في حالة حدوث عدوى، فهذا يعني أن الفيروس قد حدد نوع الخلية التي يحتاجها لإحداث العدوى. وبمجرد دخوله الخلية، يتكاثر الفيروس بسرعة كبيرة، ويقتل الخلايا ثم ينتشر. يصيب الكوفيد 19 الأشخاص بطريقتين: في البداية، يصاب الناس بالحمى والسعال وأعراض أخرى في الجهاز التنفسي العلوي.
بمجرد دخول SARS-CoV-2 داخل الجهاز التنفسي العلوي، يُعتقد أنه يصيب ويتكاثر في الخلايا المبطنة لمجرى الهواء مما يتسبب في تلف يدفع جهاز المناعة للبدء في العمل. في غالبية الناس، يؤدي إلى موجة من الالتهاب الموضعي فتتجند الخلايا المناعية المجاورة للقضاء على العامل الممرض. ثم تنحسر الاستجابة المناعية، ويتعافى المرضى. في مجموعة من المرضى (15-20٪ من السكان)، يمكن للجهاز المناعي أن يبالغ في رد فعله ويسبب التهابًا حادًا في الرئتين والأعضاء الأخرى، مما يجعله مهدِّدًا للحياة.
لماذا يهدد الكوفيد 19 الحياة في مجموعة من المرضى؟
يعتمد ما إذا كانت عدوى الفيروس التاجي ستتحول إلى الأسوأ، على الاستجابة المناعية للشخص. ولأسباب غير واضحة تمامًا، قد يعاني بعض الأفراد، خاصة كبار السن والمرضى، من خلل في جهاز المناعة يعمل على إخفاق استجابة SARS-CoV-2. يمكن أن يسبب هذا استجابة مناعية غير منضبطة مما يؤدي إلى الإفراط في إنتاج الخلايا المناعية المسببة للأمراض وجزيئات الإشارة الخاصة بها ويؤدي إلى عاصفة سيتوكين. "عاصفة السيتوكين" التي تبدأ في الرئتين، ستؤدي إلى هجوم عنيف من قبل الجهاز المناعي للجسم، مسببًا ARDS (متلازمة الضائقة التنفسية الحادة)، وفشل متعدد في الأعضاء مما يؤدي في النهاية إلى الموت.
في الحالات الشديدة من عدوى السارس- CoV-2 ، ARDS هو السبب وراء معاناة المرضى من ضيق التنفس الشديد، ويتم وضع هؤلاء المرضى على أجهزة التنفس حيث أنهم يكونوا غير قادرين على التنفس بمفردهم، وبالتالي يكونون أيضًا في خطر متزايد للوفاة من جراء الكوفيد 19.
حاجة ملحة لإيجاد علاج فعال لـ الكوفيد 19:
لا يوجد علاج مثبت سريريًا للكوفيد 19حاليًا. يعمل العلماء في جميع أنحاء العالم بجد على تطوير علاجات فعالة. يبقى المعيار الذهبي لوقف الأمراض المعدية هو اللقاحات التي يمكن أن تحمي الأشخاص الأصحاء من الإصابة في المقام الأول. ومع ذلك، فإن تطوير لقاح آمن وفعال يستغرق سنوات عديدة وهي عملية مكلفة، لأنها تنطوي على تجارب طورية إكلينيكية متعددة في الإنسان لتحديد السلامة والفعالية قبل الموافقة عليها من قبل إدارة الغذاء والدواء (FDA).
على الرغم من أنه في حالة تفشي الوباء، فإن هندسة اللقاحات لها مسار سريع للتطوير والتصنيع على نطاق واسع، فإن الحد الأدنى للفترة الزمنية المطلوبة لصنع لقاح آمن وفعال لا يزال عدة أشهر إلى عام. في الوقت الحالي، من بين تقنيات لقاح سارز CoV-2، تمثل اللقاحات التي تتكون من الحمض النووي الريبي (RNA) اللقاحات الأسرع والأكثر فاعلية مقارنة باللقاحات التقليدية. على عكس اللقاح العادي، تعمل لقاحات RNA عن طريق إدخال تسلسل mRNA (الحمض النووي الريبوزي الرسول)، الذي يوجه تصنيع البروتينات. الحمض النووي الريبوزي في اللقاحات يرمز إلى بروتينات فيروسية معينة، وبمجرد أن يتم بناء هذه البروتينات في الجسم، فإن الجهاز المناعي يستطيع التعرف عليها، والقيام بالاستجابة نحوها، واكتساب ميزة كبيرة في التغلب على الحرب بين الفيروس والجسم.
في الوقت الحاضر، mRNA-1273 هو أول لقاح RNA مرشح ضد SARS-CoV-2 ويتم اختباره من أجل السلامة والمناعة التي هي القدرة على إحداث استجابة مناعية لدى المتطوعين الأصحاء. ولكن لا يزال الأمر يحتاج لعام ليكون اللقاح متاحًا تجاريًا.
يمكن أن يكون إعادة استخدام الأدوية المصممة لعلاج حالات أخرى أملاً على المدى القريب لمرضى الكوفيد 19.
في حاجة ملحة لإنقاذ حياة المريض ولتخفيف أعراض الكوفيد 19، التي أصبحت مهددة للحياة، يبحث الباحثون عن الأدوية الموجودة التي يمكن إعادة استخدامها بسرعة لمحاربة أمراض الجهاز التنفسي المعدية. وتشمل هذه الأدوية التي تم استخدامها لعلاج الملاريا وأمراض المناعة الذاتية، والأدوية المضادة للفيروسات التي تم تطويرها لفيروسات أخرى، والأجسام المضادة من الأشخاص الذين تعافوا من الكوفيد 19.
الأدوية التي يعاد استخدامها هي منتجات الكلوروكين والهيدروكسي كلوروكين التي وافقت عليها إدارة الأغذية والعقاقير. تم استخدام كلا الدواءين بنجاح لعلاج الأمراض الالتهابية مثل التهاب المفاصل الروماتويدي وداء الذئبة. ومع ذلك، يمكن أن يسبب كلا الدواءين أيضًا آثارًا جانبية شديدة إذا لم يتم تناولهما بشكل صحيح. يتم وضع الأدوية المضادة للفيروسات المتاحة (المستخدمة لعلاج الإيبولا) في التجارب السريرية على الصعيد الوطني لتحديد ما إذا كان يمكن إعطاؤها لمرضى الكوفيد 19.
تحتوي دماء الأفراد الذين يتعافون من الكوفيد 19 على أجسام مضادة ضد السارس - CoV - 2. إنجاز رائع لنظام المناعة الذي يمكننا من محاربة الإنفلونزا والعدوى الأخرى، فيتم إنتاج هذه الأجسام المضادة التي ترتبط بالفيروس بشكل خاص، وتساعد الخلايا المناعية على القضاء عليه من الجسم.
يمكن نقل هذه الأجسام المضادة إلى مرضى الكوفيد 19 عن طريق البلازما، وهو مكون موجود في الدم. من المتوقع أن تساعد الأجسام المضادة المانحة المريض على التغلب على المرض والمساعدة على الشفاء. يبدو هذا النهج واعدًا في المستقبل القريب ويتم تنفيذه حاليًا في مستشفى جبل سيناء في نيويورك في محاولة لعلاج المرضى الذين يعانون من مضاعفات الكوفيد 19 المهددة للحياة.
في العصر الحديث من التقدم والتطور العلمي، لا يزال الباحثون يتسابقون لإيجاد علاج للكوفيد 19. ولكن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم قد علم المسلمين قبل 1400 سنة أن الشفاء بيد الله الواحد، خالقنا الشافي الذي هو الله سبحانه وتعالى. إن الشفاء من وباء اليوم لا يختلف، ويجب على المرء أن يبقى ثابتًا في هذه القناعة، والتحلي بالهدوء والصبر عند كل معاناة، سواء كانت جسدية أو نفسية، لأن هذا من صلب العقيدة الإسلامية.
يلفت الله تعالى انتباهنا إلى مثل هذه العلاقة الشخصية بين الخالق والخليقة في الآية التالية من القرآن الكريم:
" وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ" (سورة الشعراء: 81)
توجه هذه الآية كل مؤمن إلى أن الله تعالى يشفي جميع الأمراض.
شجع نبينا الحبيب صلى الله عليه وسلم الناس على طلب التدخل الطبي إلى جانب الاعتماد على قوة الدعاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ". (صحيح مسلم)