كلما كان المرء مقربا إلى الله تعالى كان أكثر عرضة للمؤاخذة



 

"لقد قلت مرة بعد أخرى إن المرء كلما كان مقربا إلى الله تعالى كان أكثر عرضة للمؤاخذة، فقد كان أهل البيت أكثرَ عرضة للمؤاخذة. إن الذين هم بعيدون عنا فهم ليسوا عرضة للمؤاخذة، ولكنكم عرضة للمؤاخذة حتما. إذا لم يكن لكم عليهم من فضل من حيث الإيمان، فما الفرق بينكم وبينهم؟ إن آلاف الناس يراقبونكم. إنهم ينظرون إلى حركاتكم وسكناتكم كجواسيس الحكومات، وإنهم محقون فيما يفعلون. فما دام أتباع المسيح الموعود يُعَدّون اليوم بمنزلة الصحابة، فيجب أن يُرى ما إذا كانوا مثل الصحبة سيرةً أم لا؟ فإن لم تكونوا مثل الصحابة فأنتم مؤاخذون. لا شك أن حالتكم هذه حالة بدائية، ولكن أي ضمان للموت. إنه يهدد كل إنسان، فلماذا أنتم غافلون؟ من لم يكن له بي علاقة فأمره مختلف، أما أنتم فقد جئتموني، وصدقّتموني، وآمنتم به مسيحا موعودا، فكأنكم قد ادعيتم أنكم بمنزلة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، فأخبروني الآن هل تردّدَ الصحابة في الصدق والوفاء مرةً؟ هل كان فيهم أي نوع من الكسل؟ هل كانوا يجرحون مشاعر الآخرين؟ هل كانوا عصبيين يفقدون السيطرة على أنفسهم؟ هل كانوا غير متواضعين؟ كلا، بل كانوا متواضعين إلى أقصى الحدود. فادعوا الله تعالى أن يهبكم التوفيق مثلهم، إذ لا أحد يقدر على أن يعيش عيشة التذلل والتواضع بدون معونة الله. فافحصوا أنفسكم، وإذا وجدتم أنفسكم ضعفاء كالطفل فلا تقلقوا، بل داوِموا كالصحابة على ترديد {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}.

استيقظوا في جوف الليالي وادعوا الله تعالى بأن يهديكم صراطه. لقد تربى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أيضا بالتدريج. ماذا كانوا في أول أمرهم؟ كانوا كبذرة يبذرها الفلاح، فقام النبي صلى الله عليه وسلم بريّ هذه البذرة، ولقد دعا لهم، وكانت البذرة جيدة والأرض خصبة، فجاءت الثمار طيبة نتيجة هذا الريّ. كانوا يتبعون خطوات النبي صلى الله عليه وسلم تماما، بغض النظر عما إذا كان الوقت ليلا أو نهارا. فتوبوا أنتم بصدق القلب، واستيقظوا لصلاة التهجد، وادعوا، وأصلحوا قلوبكم، وتخلوا عن أنواع الضعف والتقصير، واجعلوا قولكم وفعلكم تابعًا لرضا الله تعالى. واعلموا يقينا أن الذين يعملون بنصحي هذا دوما، ويدعون الله فعلا، ويتوسلون إليه حقا، سوف يتفضل الله تعالى عليهم، ويبدل قلوبهم. لا تيأسوا من روح الله". (الملفوظات: المجلد الثاني).