السيدة فاطمة بنت أسد
فاطمة بنت أسد هي زوجة أبي طالب عم رسول الله ﷺ، ووالدة سيدنا علي رابع الخلفاء الراشدين والصحابي الشهيد جعفر الطيار وعقيل وطالب وأم هانئ وكذلك هي جدة سيّدَيّ شباب أهل الجنة الحسن والحسين وحماة السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وكانت لها خير حماة تبرها وتعينها وتساعدها.
وهي صحابية جليلة من أوائل المسلمين حتى قيل إن رقمها هو 11 في الإسلام. وكانت من المهاجرات أيضًا، وحيث أنها قد ربت رسول الله مع زوجها أبي طالب فقد حظيت منه ﷺ
برعاية خاصة وكانت أمًا أخرى له، ومن شدة حبها له وثقتها به أعطته ابنها علي صغيرًا ليتربى في كنفه وكنف زوجته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور السيدة فاطمة ويقيل في بيتها وكان يحترمها ويحبها لما كانت عليه من تقوى وصلاح، وكان يُحسن إليها لرعايتها له وبرها به في صغره، وقد كانت من رواة الحديث إذ روت عن النبي صلى الله عليه وسلم ستة وأربعين حديثًا.
وكان رسول اللهﷺ يخصها بالهدايا، فعن جعدة بن هبيرة عن علي قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حُلة استبرق، فقال: "اجعلها خمرًا بين الفواطم" فشققتها أربعة أخمرة، خمارًا لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخمارًا لفاطمة بنت أسد، وخمارًا لفاطمة بنت حمزة، ولم يذكر الرابعة.
لكن ابن حجر ذكر في "الإصابة" أنه يرى أن الرابعة كانت فاطمة بنت شيبة بن عبد شمس زوجة عقيل بن أبي طالب رضي الله عنها.
ومما يدل على مكانتها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها لما توفيت دفنها بنفسه ودعا لها بالمغفرة، وقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه أنه: لما ماتت فاطمة بنت أسد أم علي رضي الله عنهما، دخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس عند رأسها فقال: "رحمك الله يا أمي، كنت أمي بعد أمي، تجوعين وتشبعيني، وتَعرين وتَكسيني، وتمنعين نفسك طيّبًا وتطعميني، تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة".
وأيضا ذُكر أن الرسول ﷺ دخل في قبرها وقال: "الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقنّها حُجّتها، ووسِّع عليها مُدخلها بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين".
وفي رواية أخرى أنها لما ماتت كفنها رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بقميصه وصلى عليها، وكبر عليها سبعين تكبيرة، ونزل في قبرها فجعل يومئ في نواحي القبر، كأنه يوسعه ويسوي عليها وخرج من قبرها وعيناه تذرفان، وحثا في قبرها. فلما ذهب، قال له عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): يا رسول الله، رأيتك فعلت على هذه المرأة شيئا لم تفعله على أحد، فقال: "يَا عُمَرُ، إِنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ أُمِّي الَّتِي وَلَدَتْنِي، إِنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ يَصْنَعُ الصَّنِيعَ، وَتَكُونُ لَهُ الْمَأْدُبَةُ، وَكَانَ يَجْمَعُنَا عَلَى طَعَامِهِ، فَكَانَتْ هَذِهِ الْمَرْأَةُ تُفَضِّلُ مِنْهُ كُلِّهِ نَصِيبًا فَأَعُودُ فِيهِ، وَإِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْبَرَنِي عَنْ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ يُصَلُّونَ عَلَيْهَا. (المستدرك على الصحيحين)
وفي الإصابة في تمييز الصحابة ورد أن رسول الله ﷺ قال بعد أن كفنها بقميصه "لم نلق بعد أبي طالب أبرّ بي منها"
لم يكن أمر وفاة والد رسول الله ﷺ قبل ولادته، ووفاة والدته وهو في السادسة، ووفاة جده بعدها بعامين، سلسلة من الصدف التي لا أهمية لها بل كان ذلك جزءً من الخطة الإلهية، حتى يتمكن من الاعتماد على نفسه ومن التأمل والصمود في سنٍ مبكرة. ورغم تكرار وفاة من يرعاه وهو في سنٍ صغيرة، إلا أنه كان يتلقى العناية الكبيرة لأنه كان تحت رعاية الله الخاصة.
نقرأ في القرآن الكريم عن موسى عليه السلام: ﴿....وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي * .... فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً .... ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى * وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي﴾ (2 –20:42)
وكما حدث مع موسى، حصل مع محمدﷺ، فلقد كان تحت الرعاية المباشرة من الله حتى من قبل ولادته وكان يجرى إعداده، خطوة خطوة، لمسؤولية كبيرة يريد أن يلقيها الله على عاتقه، وسوف يكون في مأمن من كل أذى، سواءً أكان ماديًا أو معنويًا، ولكن كان عليه أن يتكبد كل ما من شأنه أن ينمي شخصيته.