تكرار بعض الآيات في القرآن الكريم



 السؤال: يقول الله تعالى في سورة التوبة:

"يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ"

ويقول في سورة الصف:

"يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ"

فما الحكمة الإلهية من تكرار بعض الآيات في القرآن الكريم؟

الجواب لخليفة المسيح الخامس أيده الله تعالى بنصره العزيز في رسالة بتاريخ 02/10/2020 وفيما يلي تعريبها:

 

لله تعالى طريقته الخاصة في التواصل. إذا ما فحصت الآيات السابقة والتالية في سياق الآيات قيد المناقشة، فسوف تفهم بالتأكيد الحكمة من وراء ذلك، فللنقاش في كلا الموضعين سياقٌ مختلف.

من ناحية، يقول الله تعالى أنه مهما سعى المشركون، فلن يفلحوا في تحقيق نواياهم الخبيثة. ومن ناحية أخرى، يريد الله تعالى أن يذكّرنا بأن مشيئته ستتحقق بغض النظر عن مدى حماسة من يحاول ردها. وهكذا، فإن الحكمة من وراء تكرار الآيات في القرآن الكريم هي أن يتم حفظ الأمر المذكور وترسيخه في الأذهان.

يقول المسيح الموعود (عليه السلام) في هذا الصدد إن "التكرار موجود في القرآن الكريم للفت انتباه الإنسان مرارًا إلى الأمر المطلوب، لذلك أنا أيضًا أفضل هذا النوع من التكرار. إذا قرأتم كتبي، فستجدون فيها تكرارًا كثيرًا. الذي يجهل الحقيقة سيعتبر هذا منافيًا للبلاغة وسيظن أنه قد كُتب خطأ. ولكن الأمر ليس كذلك لأنني أرى أن القارئ قد ينسى ما كتبته من قبل فأذكّره مرارًا لعله يرى كلماتي في موضعٍ ما بعيونٍ مفتوحة. إن الاعتراض على التكرار لا أساس له لأن من فطرة الإنسان أنه لا يتذكر أمرًا ما لم يكرره عدة مرات. إن للتكرار تأثير خاص وفعال ويخلق الوعي عند الإنسان مهما كان غافلًا. وهذه بالضبط الحكمة من التكرار في القرآن الكريم الذي يهدف إلى شفاء المريض، فلا بد من إعطاء الدواء للمريض بشكل متكرر".

ويقول حضرة المصلح الموعود (رضي الله عنه) في إحدى المواضع من خلال مقارنة هاتين الآيتين أنه "إذا كانت الكلمات المكررة في كلا الموضعين تهدف ذات المقصد والغرض، فيمكن أخذ الاعتراض على التكرار بعين الاعتبار، ولكن عندما يخدم التكرار غرضًا جديدًا، فلا يعتبر مخالفًا للبلاغة. لا يكون التكرار مرفوضًا إلا عندما يُكتب بغير هدف وبدون غاية نافعة، وإلا فإن نصّ الأمر الإلهي على غرض مختلف، فلا يصنف على أنه مجرد تكرار".

وفي موضع آخر يشرح هذا الموضوع ويقول: "إن الآية 14 من سورة الرحمن "فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" قد تكررت مرارًا ووردت بمواضع تبدو غير ذات صلة ولكن العكس هو الصحيح، فمثلًا بعد الآيتين "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ" (سورة الرحمن: 27-28) جاء قول الله تعالى "فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ"، وقد اعترض القس أكبر مسيح على هذا وقال: "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ" تعني أن كل إنسان سيموت، "وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ" يعني أن الله وحده ذو العزة والشرف من سيبقى (إلى الأبد)، وتبع ذلك الآية: "فَبِأَيِّ آلاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ" والتي تسأل: بأيٍ من نِعم ربك تكذّب؟ وهنا تساءل القس: لماذا ذُكرت النعم هنا؟ هل الموت والفناء نعمة؟

إن الموت في الحقيقة نعمة للإنسان، لقد اعتبرت الأديان الأخرى الموت من أشكال العقاب بينما يعلن القرآن الكريم أنه نعمة، فيقول في سورة أخرى: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ " (سورة الملك: 3). لذلك فالموت ضروري لأن نتائج أعمال الإنسان لا يمكن أن تظهر بدونه، فإذا أثيب الرجل على أعماله الصالحة في حياته وعوقب على سيئاته في هذه الدنيا، فلا يمكن لأحد أن يُنكر الأنبياء، فبرؤية الثواب والعقاب الفوري سيؤمنون بهم على الفور. لكن المرء لا ينال الإنعام إلا بعد الجهد والعمل الجاد، وبالتالي، كان من الضروري أن يكون هناك عالم آخر للجزاء مختفٍ عن الأنظار، فيضطر الناس للإيمان بناءً على ذلك".

وبالتالي، فإن تكرار الآيات في القرآن الكريم هو في السياق الذي تتم مناقشته هناك. عند تحليل الآيتين قيد الدراسة بالمبدأ السابق تحل هذه المشكلة المطروحة. في الآية الأولى: أشرك اليهود والمسيحيون بالله من خلال تسمية عزير ويسوع المسيح ابنان لله، فأنكروا بالتالي وحدانية الله. ومع ذلك، فإن الله تعالى يقول إن كل ما ينوون القيام به سيذهب هباءً ولن يفلحوا أبدًا. وفي سورة الصف ذُكر الشرك بالله، ولكن في نفس الوقت تشير هذه الآية أيضًا إلى من يفترون الكذب على الله ويعبدون الأصنام. ومن هذا المنظور، تتضح حكمة تكرار هاتين الآيتين في موضعين مختلفين من القرآن الكريم.