"طرق الله الخاصة"



  

"وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ"

شُخِّص ابني بمرض التوحُّد عندما كان في الثالثة من عمره تقريبًا، ولكن الأمور لم تكن على ما يرام حتى ما قبل تشخيصه، فهو يعاني من "طيف توحّد شديد" يعرف باسم التنوع العصبي.

هذا النوع من التوحد يجعل النوم مستحيلا بحيث تشعر أنك عالق في تربية طفل عمره 6 أشهر لسنوات.. ولكنه ليس كأي طفل عادي عمره ستة أشهر بل هو بقوة ووزن طفل عمره 7 سنوات. هذا النوع من التوحد صعب جدًا فالطفل المصاب به يكون ذا طبع خشن، وقد يؤذي نفسه إضافة إلى أنه كثير الصراخ.

إن هذا النوع من التوحد يعزلك عن الحياة الاجتماعية لأن طفلك غالبًا ما يعتبر "شقيًا" ولا يمكنك أن تنشغلي عن طفلك أبدًا أو أن تبعدي نظرك عنه لأنه قد يؤذي نفسه أو يؤذي الآخرين. وهذا الأمر منهك جسديًا من عدة نواحٍ حيث يبقى بدنك في حالة من التأهب المستمر كما أن مرور سنوات من قلة النوم تجعل جسدك يتهالك وكأنه يأكل بعضه بعضا.

ولكن مع كل تلك الصعاب، لا بد من شكر أفضال الله، وقد تعلمنا أن نقدر أفضاله تعالى مهما كانت صغيرة. لقد غيَّر ابني الصغير حياتي وساعدني على غرس الصبر في نفسي بينما لم أكن أتوقع سابقًا أن هذا ممكن. ضحكته المفرحة تنوِّر حتى أحلك الأيام، ورؤية حماية إخوته الكبار له أمرٌ رائع. كما أن الحب والعطف الذي يظهره ابني كل يوم يملأ أرجاء قلبي لدرجة لم يبق فيه أي مكان للحقد أو الحزن ولأجل ذلك أشعر أني جاهزة أكثر لمواجهة الصعاب.

 

لقد أخبرنا الله الرحيم "إنَّ مع العسر يسرًا" وبكل تأكيد فإنني أفرح باليسر أينما وجدته، لقد قرأ ابني الحبيب جملته الأولى هذا الشهر في عمر السابعة تقريبًا. لقد استغرق ذلك وقتًا استثنائيًا ولكنه فعلها في النهاية وقد امتلأ قلبي بالفرح والفخر. إنه يعلمني درسًا قيمًا كل يوم من خلال بذله جهدًا فوق طاقته، وبمثابرته عندما ترتبك حواسه بكل جانب من جوانب هذا العالم ومن خلال استمراره يوميًا في التقدم.

لقد غلبني الحزن لوقتٍ طويل من فكرة افتقاده للكثير من الأمور في الحياة. لقد حزنت من فكرة أنه قد لا يتزوج، وربما لن يكبر ليصبح رجلًا مستقلًا، وقلقت وأنا أفكر من سيعتني به من بعدنا؟ لقد وقعت في "هوَّة التوحد" حيث كان علي أن أفهم كل معلومة وأن ألمَّ بكل جانب من جوانب الأمر. لقد فعلت ذلك لأتأكد أني قد قمت بواجبي في مساعدة ابني كي يحصل على أفضل دعمٍ وعلاج ممكن، بحيث يصبح أفضل شخص ممكن. لقد خرجت من هذه الهوة بعد سنتين ونصف على ما أذكر.

ولأكون صريحة، لقد حزنت على فقداني لحياتي الرغيدة، ولأشياء صغيرة ظننتها أمرًا مفروغًا منه.. حزنت على حياةٍ خططتها لعائلتي. ولكني في نفس الوقت تعلَّمت في أحلك الظروف أن الله تعالى العليم هو خير المقدرين. فعندما كنت أعيش في ظروف حالة التوحد اكتشفت قدرتي على تحمل الابتلاء الذي وضعه الله تعالى في طريقي. لقد شهدت صدق قوله تعالى "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا" وعلمت أنني إن حافظت على ثباتي ورباطة جأشي فإن الله تعالى المجيب سوف يمدني بالقوة. وعندما كنت أتردد، كنت أشعر بأني محطمة تحت أعباء الابتلاء. لقد أدركت الفوائد العلاجية للدعاء وطلب العون من الله تعالى، وبعد العثار قدرت معنى قول الله تعالى لنا: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ" 

في هذه الكلمات، شعرت أن الله يذكرني بضرورة الالتزام الدائم بالتواضع لكي أستفيد من أفضاله تعالى، وعندها فقط سأكون الأمَّ التي يحتاجها ابني.

لقد فهمت وأدركت الجمال الذي يضفيه هؤلاء الأولاد المميزون على حياتنا، والتغيير الإيجابي الذي يحدثونه فينا، والقوة التي يحدثونها في عزيمتنا والفرصة التي يمنحونها للآخرين للتخلق بصفات الله والعمل بتعاليمه من أجل نيل رضاه تعالى. وأخيرا فقد أدركت بأن ديننا القيم لا يترك عائلة كعائلتي في الخلف، إن الله الرحمن قد منحنا طريقًا للجنة وإن إدراكي أنه يعلم أنني أستطيع التحمل يمنحني قوة للاستمرار يوميًا.