كيف يمكن التخلّص من الإثم؟
من منّا لا يتمنى التخلص من الآثام والعيش في الدنيا بسلام، والفوز في الآخرة بالمرام وبرؤية وجه رب الأنام؟
كيف يتأتى لنا ذلك يا تُرى؟
في هذه السطور سنقدم لك عزيزي القارئ علاجًا ناجعًا حدّده إمام الزمان عليه الصلاة والسلام، وأكّد حضرتُه أن أي علاج آخر لن يكون نافعًا إطلاقًا، وهذا العلاج وحده الذي ينقلنا من آلام القلب لراحته وسكينته، وهو الذي يهب لنا النور ويخرجنا من هوة الظلام إلى نور السعادة.
ويطرح الإمام عليه السلام عدة تساؤلات لتقريبنا من العلاج واقتنائه حالاً ومن هذه التساؤلات:
"هل تستطيعون أن تلقوا بأيديكم في النّار؟ أو هل يمكنكم أن تُلقوا بأنفسكم من قمة جبل؟ هل يسعكم أن تلقوا بأنفسكم في غيابة جُبٍّ؟ هل لكم أن ترموا بأنفسكم أمام قطار منطلق؟ هل بوسعكم أن تقحموا يدكم في فم أسد؟ أو تستطيعون أن تقدموا قدمكم لكلب مسعور؟ هل بإمكانكم أن تقفوا في مكان تهبط فيه صواعق خطيرة؟ ألا تخرجون مسرعين من بيت تريد عارضة سقفه أن تنقضّ، أو تكاد أرضه أن تنشق بسبب الزلزال؟ من منكم يمكن أن يرى ثعبانًا سامًا على فراشه ثم لا يقفز منه مسرعًا؟ سمّوا لي على جناح السّرعة شخصًا واحدًا لا يخرج على جناح السرعة من بيته ـ الذي ينام فيه عادة ـ تاركًا وراءه كل شيء إذا رأى النار مضطرمة فيه". (كتاب كيف يمكن التخلص من الإثم)
فالناس صحيح أنّهم يستنكرون الآثام ولكنهم لا يعتبرونها كالأسد والثعبان، فلماذا نبتعد عما يؤذينا ولا نبتعد عن الآثام؟
وكأنهم يشكّون في قرارة نفوسهم خفية بأن العقاب عليها ليس يقينيًّا، مما يؤدي للشك في وجود الله تعالى لديهم، وكثيرون وإن آمنوا بوجود الله لا يستشعرون بحقيقة الحساب بعد الموت، إن هذه الشكوك كامنة في قلوب الأغلبية، وهم ليسوا مطلعين عليها، وهؤلاء يجتنبون مواضع الخوف التي ذكرها الإمام عليه السلام ولو أنهم صادفوها لفروا منها صارخين.
الأمور المادية يقابلها أمور روحانية:
ولأن الأمور التي يحذَرها الإنسان ويفر منها يراها بعيونه المادية وهي قريبة منه أما أمور الدّين فبعيدة عنه وغير ملموسة له فينصح الإمام عليه السلام بفتح العيون على الأمور المادية القريبة منّا وأن نقيس عليها البعيد الذي لا نراه، فهذه حكمة إلهية من سنّ هذين القانونين، ومثلما أننا بحاجة لأعضاء وحواس لرؤية الأمور المادية كذلك نحتاج من أجل الحياة الروحانية إلى أن ننال نورًا ليرينا نتائج الطرق السيئة المتردّية قبل الوقوع فيها.
ويقول حضرته: "وإن النجاة ليست شيء يُنال بعد هذه الدنيا، بل النجاة الحقيقية والصادقة تتسنّى في هذا العالم، إنها نور ينزل على القلوب ويُري ما هي هوّات الهلاك. اسلكوا مسلك الحق والحكمة تصلوا به إلى الله تعالى. اخلقوا الحرقة في قلوبكم لتتمكنوا من التوجه إلى الحق" (كيف يمكن التخلص من الإثم)
ويقول حضرته: "هل لأحد أن يروي ظمأه بمجرد التفكير بالماء؟ كلا بل عليه أن يصل إلى نبع الماء باذلًا كلّ ما في وسعه، ويضع شفتيه على الماء الزلال، عندها سيرتوي بالماء العذب.
الماء الذي سترتوون به وتزول به حرقة الآثام وحرارتها هو اليقين، لا وسيلة سواه تحت أديم السماء للتزكية من الآثام" (من كتاب التخلص من الإثم (ص 74)
إذ لا يمكن التخلص من الإثم إلا خوف كامل من الله تعالى أو حب كامل.
والله سبحانه وتعالى يولي الصالحين والمقربين رعاية فريدة إذ يتجلى عليهم سبحانه باستجابة أدعيتهم وتطهير قلوبهم وهذا منذ عهد آدم عليه السلام ويستمر فضله وعطاؤه فهو الإله الأزلي والحي القيوم إلى الأبد، فالأتقياء ينالون الفيض الإلهي والطهارة نتيجة صلتهم به سبحانه، كذلك فضله تعالى مستمر ويمكننا أن ننالَه الآن، ولا يترك الله تعالى إلا من كان شقيًا وأعمى.
ويقول حضرته مبيّنًا علاقة محبي الله الكُّمل به سبحانه وتعالى:
"عندما تُنصب خيمة الله عزّ وجل في قلب الإنسان، ويكون هذا العبد نقي ينزل الله تعالى على قلب عبده نزولًا جلاليًّا، وتنشأ بين الله تعالى وعبده علاقة متينة، كما يحدث عندما يوضع الحديد في نار مضطرمة، فيبدو في الظاهر كأنّه صار حديدًا في الحقيقة وليس نارًا، وعلى هذا النحو تقوم علاقة محبي الله الكاملين معه عز وجل فيشعرون بداخلهم أن الله تعالى قد نزل فيهم".
فالإيمان بالله تعالى لا ينجّي قط من الآثام إذا لم يبلغ منزلة اليقين التام.
إذًا الوسيلة الوحيدة للخلاص من الإثم والمعصية منذُ خَلْق الإنسان إلى هذه الأيّام هي الصلة بالله عزّ وجل، واليقين التام الذي يتأتى نتيجة هذه الصلة، حيث ينتقل القلب من ظلمات ومتاهات الدنيا ليطمئن في جنب الله تعالى.
ويؤكد حضرته قائلاً: "ولتعلموا أنّ الإيمان شيء والعرفان شيء آخر، والذي يجتنب الآثام هو العارف الكامل الذي تذوّق طعم خوف الله عزّ وجل وحبّه أيضًا".
إن الطهارة الحقيقية واليقين تري حقائق الأمور وترتقي بالمؤمن وتجعله ييقن أن العقاب لا محالة قادم والثواب كذلك، فتلزمه حالة من الطهر من الآثام يتبعها حالة من الطمأنينة ويعيش متعة الصدق وكأنه في الجنة، وتسيل روح الإنسان كالماء وتخر روحه على عتبات الله تعالى، وينزل النور من السماء ويزيل ظلمة النفس كلها.
ويوصي حضرته بفتح العيون والنظر أنه لا يمكن أن نصل للغاية المنشودة إلا بالسلوك على الصراط المستقيم.
لقد سعى عليه السلام كثيرًا بنيّة أن يري قلوبنا اللهَ تعالى وكذلك ليرينا سمّ السيئة حتى نفر منها فرارنا من الأسد، وقد أعطانا ترياقًا لعدم الوقوع في الإثم فليتجرعه كل تقي وذو بصيرة، فليس كاليقين درع حامٍ لنا من الوقوع في شراك الآثام.. وبالاستعانة بالله تعالى نكتسب هذه الرؤية النورانية الموهوبة منه سبحانه وتعالى لكل من يطلب نوالها ويجتهد ويقوي صلته بالله تعالى، فيَرى بنور الله ويتيقّظ يقينه بوجود الله تعالى وبوجود حساب بعد الموت فتتلاشى آثام السالكين وتطمئن قلوبهم من كرم رب العالمين.
والمرء لا يتشجع على الإثم إذا اكتسب بصيرة كاملة بأن نار العقوبة سوف تنزل عليه مثل البرق فور ارتكاب الإثم، فحيثما يصل الإنسان إلى اليقين الكامل بالعقوبة لا يستطيع الإنسان أن يفعل شيئًا يناقض هذا اليقين.. وليفحص كل امرئ نفسه، أين يقينه بوجود الله تعالى عندما يقصّر في أعماله، وعندما ينطق بأمور لا تليق بمؤمن، وعندما يتأخّر عن فعل الخيرات، وعندما يبرر أخطاءه لنفسه؟
الوقفة مع الذات ومراجعتها والتأمل فيها أمر مرجو في ديننا الحنيف، وخلاصة ما تقدّم من تعليم حضرته أن سمَّ الآثامِ يزولُ تأثيره بترياق الحبّ والطّاعة والاتّباع، وأنَّ اليقين بوجود الله تعالى يمنع من ارتكاب الآثام.
ما تقدّم مستوحى من كتابي "عصمة الأنبياء" و" كيفية التخلص من الإثم " للإمام المهدي عليه السلام