رقية وأم كلثوم ابنتا رسول الله صلى الله عليه وسلم



  

بعد أن زوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب لأبي العاص بن الربيع بفترة، زوج ابنتيه رقية وأم كلثوم، لعتبة وعتيبة، أبناء أبي لهب، عم الرسول ﷺ، في حين كانت فاطمة، البنت الأصغر، لا تزال طفلة.

وحين أعلن - صلى الله عليه وسلم - أنه رسول من الله، وآمنت به زوجته خديجة وبناته جميعهن، أصبح أبو لهب من ألد أعدائه رغم كونه عمّه، وبأمرٍ منه ومن زوجته أم جميل بنت حرب طلّق عتبة رقية وطلق عتيبة أم كلثوم وكانا قد عقدا قرانيهما عليهما فقط، وهكذا قبل أن يذهبا بهما إلى البيت حصل الطلاق. وبعد ذلك تزوجهما سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - الواحدة بعد وفاة الأخرى- ولهذا السبب لُقّب - رضي الله عنه - بـ "ذي النورين".

كانت السيدة رقية ثاني بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى بذات الهجرتين أي هجرة الحبشة وهجرة المدينة.. فبعد زواجها من سيدنا عثمان رضي الله عنه رافقته في الهجرة إلى الحبشة وكانا من أوائل المهاجرين حتى قبل خروج سيدنا جعفر وأصحابه والذين نعرفهم من قصتهم الشهيرة مع النجاشي، ثم عاد سيدنا عثمان وزوجته السيدة رقية رضي الله عنهما إلى مكة ثم هاجرا إلى المدينة فلهذا لقبت بذات الهجرتين.

 

ولَمَّا أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخُرُوجَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْرُجْ بِرُقَيَّةَ مَعَكَ، أَخَالُ وَاحِدًا مِنْكُمَا يَصْبِرُ عَلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: «ائْتِنِي بِخَبَرِهِمَا» فَرَجَعَتْ أَسْمَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْرجَ حِمَارًا مُوكَفًا، فَحَمَلَهَا عَلَيْهِ وَأَخَذَ بِهَا نَحْوَ الْبَحْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرْ، إِنَّهُمَا لَأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ بَعْدَ لُوطٍ وَإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ» 

وفي الحبشة ولدت السيدة رقية ابنا واحدا سمي عبدَ الله وبه صار سيدنا عثمان يكنى، لكنه توفي في المدينة المنورة وهو في السادسة من عمره.

كان سيدنا عثمان نعم الزوج وهو من شهد له رسول الله ﷺ بأنه أقرب أصحابه إليه خلقا فذات مرة كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عند ابنته رقية فسألها كيف تجدين عثمان؟ فقالت بخير فقال: "أَكْرِمِيهِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَشْبَهِ أَصْحَابِي بِي خُلُقًا"، وطبعا من حسن أخلاقه أن السيدة رقية كانت مريضة يوم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة إلى بدر وقيل إنها أصيبت بالحصبة، فطلب سيدنا عثمان الإذن من رسول الله ﷺ أن يبقى معها يمرّضها لكنها للأسف توفيت ولما جاء زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بَشِيرًا بِالنصر كان سيدنا عُثْمَان عَلَى قَبْرِ رُقَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَدْفِنُهَا وهكذا انتقلت السيدة رقية إلى رحمة الله تعالى في رمضان في العام الثاني من الهجرة ودفنت في جنة البقيع، وذكر أن عمرها كان 22 عامًا ولم يستطع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يصلي عليها الجنازة لانشغاله في معركة بدر.

بعد وفاة السيدة رقية، وكانت السيدة حفصة بنت عمر قد ترملت سأل سيدنا عُمَرُ عُثْمَان، وَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي حَفْصَةَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى يَا عُمَرُ يَأْتِيَكَ بِصِهْرٍ هُوَ خَيْرٌ لَكَ مِنْ عُثْمَانَ ويزوج عثمان من هي خيرٌ من حفصة وهذا ما حصل بالفعل فقد تَزَوَّجُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حفصة وَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته أُمَّ كُلْثُومٍ مِنْ عُثْمَانَ

ويروى أنه كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ قد خَطَبَهَا سيدنا أَبُو بَكْرٍ وَخَطَبَهَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَلَمْ يُزَوِّجْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال لما زوج ابنته أم كلثوم لسيدنا عثمان: «خَيْرُ الشَّفِيعِ لِعُثْمَانَ مَا أَنَا أُزَوِّجُ بَنَاتِي وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُزَوِّجُهُنَّ» 

وحول هذا هناك رواية أخرى تبين كيف أن الله زوّج سيدنا عثمان أم كلثوم بنت رسول الله ﷺ بعد وفاة رقية رضي الله عنها ولكن قبل ذكر هذه القصة يجب أن نذكر أن رسول الله زوج أم كلثوم لسيدنا عثمان في شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ.. القصة التي ذكرناها واردة في سنن ابن ماجة عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ لَقِيَ عُثْمَانَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ ‏ "‏يَا عُثْمَانُ هَذَا جِبْرِيلُ أَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ قَدْ زَوَّجَكَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِمِثْلِ صَدَاقِ رُقَيَّةَ عَلَى مِثْلِ صُحْبَتِهَا" وفي هذا مدح خالص لسيدنا عثمان وحسن معاملته لرقية وهذا ما أكدته السيدة رقية بنفسها لما سألها رسول الله ﷺ كما ذكرنا آنفًا، ولكن السيدة أم كلثوم أيضا عادت وأكدت على هذا فبعد زواجها من سيدنا عثمان بفترة مر عليها رسول الله ﷺوسألها "يَا بُنَيَّةُ، كَيْفَ وَجَدْتِ بَعْلَكِ؟" فقَالَتْ: خَيْرَ بَعْلٍ".

وورد في أسد الغابة ما رواه سعيد بن المسيب أن النبي ﷺ رأى عثمان بعد وفاة رقية مهمومًا لهفان فقال له: "ما لي أراك مهمومًا" قال: يا رسول الله وهل دخل على أحد ما دخل علي، ماتت ابنة رسول الله التي كانت عندي وانقطع ظهري، وانقطع الصهر بيني وبينك. فبينما هو يحاوره إذ قال النبي ﷺ: "يا عثمان هذا جبريل عليه السلام يأمرني عن الله تعالى أن أزوجك أختها أم كلثوم على مثل صداقها وعلى مثل عشرتها".

يعني أن الله سبحانه لم يرد أن يقطع هذه المصاهرة بين سيدنا عثمان ورسول الله ﷺ وهذا يبين مكانته العالية عند الله تعالى..

وهذه المكانة العالية عند الله تعالى تبينها الرواية الواردة في "المستدرك على الصحيحين": عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ، بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوْجِي خَيْرٌ أَو زَوْجُ فَاطِمَةَ؟ قَالَتْ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «زَوْجُكِ مِمَنْ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ» فَوَلَّتْ فَقَالَ لَهَا: «هَلُمِّي مَاذَا قُلْتُ؟» قَالَتْ: قُلْتَ: زَوْجِي مِمَنْ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، قَالَ: «نَعَمْ، وَأَزِيدُكِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ مَنْزِلَهُ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِي يَعْلُوهُ فِي مَنْزِلِهِ»

وقد رأينا مكانة سيدنا عثمان عند الله تعالى في كل مرحلة من مراحل حياته وحتى لحظة استشهاده وقد شرفه الله بالخلافة أيضا وكما رأينا فقد اختاره الله بنفسه زوجًا لابنتين من بنات رسول الله ﷺ وعن هذا هنالك رواية أخرى روتها أُمِّ عَيَّاشٍ، وَكَانَتْ خادمة لِرُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَا زَوَّجَتُ عُثْمَانَ أُمَّ كُلْثُومٍ إِلَّا بِوَحْيٍ مِنَ السَّمَاءِ»

نذكر أيضا أنه ورد اسم السيدة أم كلثوم في المستدرك أنه كان أمية، ولكن أغلب المصادر لا تذكر لها اسم آخر غير أم كلثوم مع العلم أن أم كلثوم ليس بسبب ولادة ابن لها فقد قيل في العديد من المصادر أنها لم تلد لا ذكرًا ولا أنثى.

وتوفيت أم كلثوم رضي الله عنها في شعبان من العام التاسع الهجري. يعني بعد عام واحد من زواجها وصلّى عليها الجنازة رسول الله - صلى الله عليه وسلم-وَكَانَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةُ من غَسَّلَتْهَا فِي نِسْوَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وقد قالت حول هذا: دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ فَقَالَ ‏"‏اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكِ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي"‏ (‏يعني نادين عليّ) فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إِلَيْنَا حَقْوَهُ‏.‏ وَقَالَ ‏"‏أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ" (يعني كفنوها بإزاري هذا).. وذكر في رواية أخرى عن أم عطية أنها قالت أنهن ضفرن شعر السيدة أم كلثوم في ثلاثة ضفائر..

وهناك رواية من سيدة أخرى شاركت في تغسيل وتكفين السيدة أم كلثوم وهي لَيْلَى بِنْتِ قَانِفٍ الثَّقَفِيَّةِ قَالَتْ كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ وَفَاتِهَا فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحِقَاءَ ثُمَّ الدِّرْعَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الآخِرِ قَالَتْ: وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ مَعَهُ كَفَنُهَا يُنَاوِلُنَاهَا ثَوْبًا ثَوْبًا

وهكذا توفي لرسول الله ﷺ في حياته ابنين من السيدة خديجة ثم بناته الثلاثة منها: زينب ورقية وأم كلثوم.. إضافة إلى وفاة ابنه إبراهيم ابن مارية في حياته أيضا وكان في كل مرة صابرًا متوكلا على الله، ونذكر أنه عند وفاة أم كلثوم ووضعها في القبر قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى"

بقي أن نذكر ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة ابنتيه رقية وأم كلثوم زوجتَي سيدنا عثمان: "لَوْ كَانَ عِنْدَنَا أُخْرَى لَزَوَّجْنَاهَا بِعُثْمَانَ".