مخلص خطبة الجمعة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري
بسم الله الرحمن الرحيم
فيما يلي مخلص خطبة الجمعة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري، حيث تابع الحديث عن سيدنا علي بن أبي طالب وقال:
حدثت واقعة الجمل بين علي وعائشة رضي الله عنهما في العام 36 هـ، وتفاصيلها أن عائشة كانت مسافرة للحج إلى مكة وفي طريق عودتها أُخبرت باستشهاد عثمان وانتخاب علي خليفة وأن الأوضاع في المدينة ليست على ما يرام. فجمعت الناس عند عودتها للاقتصاص لمقتل عثمان والقضاء على الفتنة.
اجتمع الناس تحت قيادة عائشة وطلحة والزبير وتوجهوا إلى البصرة. وتوجه علي إلى البصرة أيضا. فانضم عدد كبير من أهل البصرة إلى عائشة في حين بايع عدد كبير منهم على يد عامل علي على البصرة. تواجها الفريقان وأقام علي قرب جيش عائشة فتفاوضا وكانت المفاوضات ناجحة. ولكن بالليل هاجم قتلة عثمان والذين كانوا ضمن جيش علي جيشَ عائشة فبدأت الحرب. كانت عائشة على جمل فبدأ الناس يأتون أمامه ويستشهدون. ففهم علي أنه ما بقيت عائشة على الجمل فلن تنتهي الحرب، فأمر بقتل الجمل. فتقدم أحدهم وعقر الجمل وتفرق جيش عائشة. فأعلن علي أن من يضع السلاح أو يغلق باب بيته فهو آمن. فأطاع جيش علي أوامره. واستشهد الزبير وطلحة في هذه الواقعة.
يقول الخليفة الثاني رضي الله عنه: "بينما تمكّنتْ جماعةٌ من قَتلةِ عثمان، وبغيةَ الفتنة، مِن خداع عائشة وإقناعها بإعلان الجهاد ثأرًا له. فنادت رضي الله عنها بالجهاد ودعت الصحابة لنصرتها، فانضمّ إليها طلحة والزبير، وتقاتلَ جيش عليّ وجيش عائشة وطلحة والزبير في حرب الجمل. ولكن قبل بداية المعركة انسحب الزبير وامتنع عن القتال بعد أن سمع من عليّ نبوءة للنبي - صلى الله عليه وسلم - تخصه، واعترف بخطئه في اجتهاده وحلف أنه لن يقاتل عليًّا. أما طلحة فاعترف ببيعته لعليّ قبل وفاته، إذ ورد في الروايات أنه بينما كان يضطرب من شدة الجراح، إذ مرّ به شخص، فسأله طلحةُ: من أي فئة أنت، قال: أنا من فئة عليّ، فوضع طلحةُ يده في يده وقال: أعتبر يدك يد عليّ، وأبايعه ثانيةً.
ويقول حضرته أيضًا: "لم يكن في هذا القتال دخلٌ للصحابة مطلقا، بل كانت الخطة كلها من قِبل قَتَلةِ عثمان t، وقد مات طلحة والزبير على بيعة علي رضي الله عنهم جميعا، لأنهما قد تراجعا عن موقفهما، وكانا قد قررا مساندة علي t، لكنهما استُشهدا على أيدي الأشرار، فلعن علي t قاتليهما".
بعد المعركة جهز علي عائشة بكل ما تحتاج من زاد ومتاع وأرسل معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام ولما كان اليوم الذي ترتحل فيه جاءها حتى وقف لها وحضر الناس فخرجت عليهم وودعوها وودعتهم وقالت "والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها وإنه عندي على معتبتي من الأخيار" وقال علي "صدقت والله وبرت ما كان بيني وبينها إلا ذلك وإنها لزوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة" وخرجت وشيعها علي أميالا وسرح بنيه معها يوم.
أما واقعة صفين فقد حدثت في عام 37 ه بين علي ومعاوية وقد احتال أصحاب معاوية في هذه الحرب حيث رفعوا المصاحف على الرماح، وقالوا نرضى بقرار القرآن الكريم، فيجب تعيين حكَمَين لهذا الغرض. وعند سماع ذلك تقدَّم المتورطون في مؤامرة قتل عثمان وكانوا قد اندسّوا في صفوف عليٍّ ليفلتوا من عقاب جريمتهم، وألحّوا عليه بقبول هذا الاقتراح ويعيّن حَكمًا من عنده. فظلّ عليّ t يرفض اقتراحهم، ولكنهم أجبروه على تعيين حَكمٍ من عنده. فاختيرَ أبو موسى الأشعري حَكمًا من طرف عليّ، وعمرو بن العاص من طرف معاوية. وكان التحكيم في حادث قتل عثمان t، وكان مشروطا بأن يكون قرارهم متفقا مع القرآن الكريم، ولكن عمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري قرّرا أن يعزلا عليّا ومعاوية لأنهما سبب المصيبة التي حلت بالمسلمين، ثم يختار المسلمون بحرية خليفةً لهم، مع أنّ اتخاذ مثل هذا القرار لم يكن من مهمة الحَكمين. فعقدا اجتماعا عاما للإعلان عن قرارهما، فقال فيه عمرو بن العاص لأبي موسى الأشعري: أنت تعلن عن قرارك أولاً، ثم أعلنُ أنا. فأعلن أبو موسى الأشعري أنه يعزل عليًّا عن الخلافة. فقام عمرو بن العاص وقال: لقد عزل أبو موسى الأشعري عليًا، وأنا أتفق مع قراره وأعزل عليا، ولكني لا أعزل معاوية، بل أقرّ باستمرار إمارته (كان عمرو بن العاص رجلا صالحا في الحقيقة، ولكني لا أخوض في السبب وراء اتخاذه هذا القرار). وبعد إعلانهما عن هذا القرار بدأ أصحاب معاوية يقولون: لقد أصدر الحَكمان حكمهما لصالح معاوية وضد عليّ، وهو قرار سليم، ولكنّ عليا رفض قبول هذا القرار، وقال: لم يعيَّن الحَكمان لهذا الغرض، ثم إن قرارهما ليس مبنيًا على أي حُكم من القرآن الكريم. فأثارت الفئة المنافقة من أصحاب عليّ التي أصرت على تعيين حكم من عنده ضجةً وقالت: لماذا عيّنتَ الحَكم مع أن تعيين حَكَمٍ في أمور الدين لا يجوز؟ فردّ عليهم عليّ وقال: أولاً كان من شروط المعاهدة أن يكون قرارهما موافقًا للقرآن الكريم، ولكنهما لم يفيا بالشرط، وثانيًا: لم أعيّن الحَكم من طرفنا إلا بعد إصراركم، فقالوا: كان كلامنا هراءً، فلم رضيتَ بخطئنا؟ هذا يعني أننا صرنا من الآثمين وكذلك أنت، وقد تُبنا عن خطئنا، فالأفضل أن تتوب أيضا. كان هدفهم من ذلك أن عليًّا t لو رفض ما يقولون فسوف يخرجون من بيعته بحجة أنه قد قام بعمل خلاف الإسلام، فلا يجوز البقاء في بيعته، أما إذا اعترف بخطئه فسوف تبطُل خلافته تلقائيا، لأنّ من يرتكب هذا الإثم الكبير كيف يكون خليفةً؟ فرد عليهم عليّ t قائلا لم أرتكب أي خطأ، لأن الأمر الذي عَينتُ فيه حَكمًا يجوز تعيين حَكم فيه بحسب الشريعة، وثانيا: كنتُ اشترطتُ عند تعيين الحَكم أنني سأرضى بقرارهما ما دام متفقا مع القرآن الكريم والحديث، وإلا لن أرضى به أبدا، فلأنهما خالفا هذا الشرط فحكمهما ليس حجة عليَّ. ولكن هؤلاء القوم لم يقبلوا عذر عليٍّ t، وخرجوا من بيعته، فسُمّوا "الخوارج"، واخترعوا لهم مذهبًا جديدا بأنه ليس هناك أي خليفة تجب طاعته، وأنه "لا حكم إلا لله"
وفي نهاية الخطبة طلب نصره الله مواصلة الدعاء للأحمديين في باكستان والجزائر وأعلن أنه سيصلي الغائب على بعض المرحومين.