ملخص خطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 12/03/2021



 بسم الله الرحمن الرحيم

فيما يلي ملخص خطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 12/03/2021، حيث تابع الحديث عن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه وتحدث عن ظروف استشهاده وقال:

حين كان المتمردون يخططون لقتله، جاء عبد الله بن سلام - رضي الله عنه - الذي كان عزيزا في قومه قبل إسلامه أيضا وكان اليهود يعتبرونه رئيسا لهم وعالما فذا، حتى قام على باب الدار ينهاهم عن قتله. وقال: "يا قوم لا تسلوا سيف الله عليكم فوالله إن سللتموه لا تغمدوه. ويلكم إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرة فإن قتلتموه لا يقُمْ إلا بالسيف. ويلكم إن مدينتكم محفوفة بملائكة الله، والله لئن قتلتموه لتتركنَها."

لم يستفد المتمردون من هذه النصيحة وطعنوا في دينه السابق وقالوا: يا ابن اليهودية وما أنت وهذا؟ للأسف أنهم تذكروا أن عبد الله بن سلام كان يهوديا قبل إسلامه ولكنهم لم يتذكروا أنه كان قد أسلم على يد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنه كان يشارك النبي في الأفراح والأتراح دائما. وكذلك نسوا أيضا أن قائدهم الذي أضلهم - أي عبد الله بن سبأ الذي يَعتبر عليًا خليفة ويُبرزه مقابل عثمان رضي الله عنهما - كان ابن يهودية أيضاً بل يهودي بنفسه غير أنه كان يتظاهر بالإسلام فقط.

قرر المتمردون أن يتسوروا الجدار من بيت الجيران ويدخلوا على عثمان ويقتلوه، فتسور بعضهم جدار الجيران واقتحموا بيته وكان - رضي الله عنه - يقرأ القرآن الكريم. وكان - رضي الله عنه قد رأى من الليل أن نبي الله صلى الله عليه وسلم "يقول أفطر عندنا الليلة" ومن هذه الرؤيا تيقن أنه سيُستَشهَد في ذلك اليوم، ونظرًا إلى مسؤوليته تجاه أموال المسلمين، أمر شخصَينِ أن يحرسا بيت المال حتى لا يُقدِم أحد على نهبها في حالة الفوضى والفساد.

عندما دخل المفسدون بيته وجدوه يقرأ المصحف الشريف. وكان من المهاجمين محمد بن أبي بكر أيضا الذي دخل على عثمان وأخذ بلحيته فقال له عثمان - رضي الله عنه -: قد أخذتَ مني مأخذا، وقعدتَ مني مقعدا ما كان أبو بكر ليقعده أو ليأخذه. ويلك أَعَلى الله تغضب؟ هل لي إليك جرم إلا حقَّه الذي أخذتُه منك. فنكل ورجع. وأما الآخرون فبقوا هنالك لأنهم رأوا هذه الفرصة مواتية وأخيرةً لتحقيق مآربهم، فتقدم أحدهم وضربه بحديدة معه، وضرب المصحف برجله، فاستدار المصحف فاستقر بين يدي عثمان وسالت عليه الدماء. إن هذا الحادث فضح حقيقة تقوى المفسدين وأمانتهم بوضوح تام.

الآية التي وقع عليها دم عثمان كانت تحتوي على نبوءة عظيمة وقد تحققت في وقتها بكل جلاء، حتى إن أقسى الناس قلبًا أيضا قد أغمض عينيه لهول المشهد المتمثل في الحروف المحمرَّة بالدم. فقد وقعت قطرات دمه الزكي على الآية: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}.

ثم تقدم شخص اسمه سودان ليهاجمه بالسيف، فتلقى عثمان السيف على يده فقُطعتْ. فقال ما مفاده: والله إنها لأول يد كتبتِ القرآن الكريم. ثم حاول سودان أن يهاجمه ثانية ويقتله فانكبَّتْ عليه زوجته نائلة وَاتّقتِ السيف بيدها، فقُطعت أصابع يدها وولَّت.

فهاجمه مرة أخرى وأصابه بجروح خطيرة. ثم ظن هذا الشقي أنه - رضي الله عنه - لم يلفظ أنفاسه بعد وإنما هو مغشي عليه ومضطرب بسبب الجروح وقد ينجو من الموت فبدأ يخنقه ولم يتركه ما لم يسلم روحه ملبيا دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -. إنا لله وإنا إليه راجعون.

لم تقدر زوجته نائلة أن تنبس ببنت شفة لبعض الوقت لهول المشهد ثم تشجعت ونادت الناس، فأسرع الجالسون على الباب إلى الداخل ولكن مساعدتهم الآن كانت بلا جدوى إذ إن سهم القدر كان قد انطلق. فلما رأى غلام من غلمة عثمان -كان قد أعتقه من قبل - سيفا ودما في يد سودان لم يتمالك نفسه فقتله. فـأهوى أحد المتمردين عليه وقتله.

هكذا أصبح عرش الحكومة الإسلامية خاليا من وجود الخليفة. فالتزم أهل المدينة بيوتهم. أما المفسدون فقد بدأوا يعتدون على بيته وأهله بعد أن قتلوه.

تنحّتْ زوجة عثمان من المكان بعد أن قُطعت أصابعها، وحين ولَّت غمز أحد هؤلاء الأشقياء أوراكها وقال لأصحابه: "إنها لكبيرة العجيزة".

لا شك أن الذي يملك أدنى حدٍّ من الحياء - أيا كان دينه أو مذهبه - لا يستطيع أن يتصور أن يكون هؤلاء الأشقياء قد أظهروا أفكارا سيئة وقذرة إلى هذه الدرجة بُعيد قتلهم مَن كان من أقدم صحابة النبي وكان زوج بنته - صلى الله عليه وسلم - وحاكم السلطنة الإسلامية كلها وخليفة المسلمين. ولكن الحق أن وقاحتهم كانت قد تجاوزت الحدود كلها بحيث لم يكن مستبعَدًا عليهم أي نوع من الوقاحة والرذيلة ولم تتضمن عصابتهم رجالا صالحين بل كان بعضهم مخدوعين بخداع اليهودي عبد الله بن سبأ فصاروا من المعجبين بحركاته الغريبة والمعادية للإسلام. وكان بعضهم الآخرون معجبين بالحركات المتطرفة وكان بعضهم من المجرمين الذين عوقبوا فيما سبق على جرائمهم. لذا فلا غرابة فيما لو أظهروا وقاحتهم بهذه الطريقة.

حين كان المفسدون مشغولين في القتل والنهب لم يتمالك أحد غلمان عثمان- وكان قد أعتقه - نفسَه عند سماعه صرخات أهل البيت فقتل مَن قتل غلام عثمان الأول، فقتل المفسدون هذا الغلام أيضا وداروا البيتَ فأخذوا ما وجدوا حتى تناولوا ما على النساء من الحُلي وخرجوا من البيت ضاحكين مستهزئين.

وفي ختام الخطبة، أعلن أمير المؤمنين نصره الله أنه سيصلي الغائب على بعض المرحومين ودعا الله لهم بالرحمة وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان.