تعدد الزوجات
تعدد الزوجات
سألني أستاذي حين كنت في الرابعة عشرة من عمري: "كيف يحافظ المسلم على العهود التي قطعها مع زوجته الأولى في حين يمكنه الزواج 4 مرات؟
كنا حينها في حصة الديانة ولم يكن لدي أدنى فكرة عن الإجابة وكان هذا السؤال بمثابة شرارة أشعلت تفكيري، أما الآن وبعد مرور ست سنوات على طرح هذا السؤال، أتمنى أن أعود بالزمن لأجيب على هذا السؤال فلدي الآن ما أقوله حول هذا الموضوع:
بدايةً إن مفهوم الزواج في الديانات الأخرى مختلف عنه في الإسلام، فعلى سبيل المثال الزواج في الديانة المسيحية قائم على الوعود التي قُطعت حين الزواج أما الإسلام فينظر إلى الزواج على أنه عقدٌ قائم بين شخصين.
إن الفرق بينهما جلي إذ يسلّط الإسلام الضوء على أهمية الوفاء بالعهود ومن ذلك العهود التي قطعها الزوج أمام الله تعالى كما هو موضح في الآية القرآنية التالية:
"وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا" (الإسراء: 35:17) إذ يُنظر للزواج على أنه عهد بين شخصين كما هو الحال في الدين المسيحي إلا أن الزواج في الدين المسيحي لا يحتوي على الطلاق أو على طريقة لإنهاء هذا الزواج في حال الضرورة، وأما الإسلام فهو ينظر للزواج على أنه أمرٌ مقدسٌ له أهداف كثيرة وهو بعيد كل البعد عن رغبة الرجال في إشباع شهواتهم الجنسية.
بلا شك الزواج طريقة لإشباع الرغبة الجنسية ولكن من الخطأ الفادح الظن بأن هذا هو الهدف الوحيد، إذ توجد أهداف أخرى مذكورة في القرآن الكريم حيث عدّ الإسلام الزواج وسيلة للحماية من الأمراض الروحية والأخلاقية والجسدية: "هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ" (البقرة: 188) وسببًا في استمرارية البشرية وراحة البال ولزيادة أواصر الحب والرحمة "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(الروم: 22)
تعدد الزوجات ليس قاعدة في الإسلام، إلا أنه الحل لظروف معينة، والجدير بالذكر أن الإسلام لا يشجع على تعدد الزوجات، وقد قال تعالى في القرآن الكريم: "فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً" (النساء: 4). وفي الواقع لم يكن هناك عدد محدد للزوجات قبل الإسلام، والدين الوحيد الذي وضع حدًا لعدد الزوجات هو الإسلام.
لقد شرح الخليفة الرابع للمسيح الموعود عليه السلام حضرة ميرزا طاهر أحمد (رحمه الله) الحالات المعينة التي سمح بها الإسلام للرجل بالزواج مرة أخرى وقال: "ونعود إلى تعدد الزوجات فنقول: إنه لمن الواضح من دراسة القرآن الكريم أن موضوع البحث هو موقف خاص بفترة ما بعد الحرب.. وهو وقت يخرج فيه المجتمع بعدد كبير من الأيتام والأرامل الشابات، ويختل فيه التوازن بين عدد الذكور والإناث بدرجة شديدة. ولقد حدث مثل هذا الظرف في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. ونظرا لأن الإسلام لم يكن السائد في ألمانيا.. لم يكن بيدها علاج لحل هذه المشكلة، ولم تستطع تعاليم النصرانية الصارمة الملزمة بالاقتصار على زوجة واحدة أن تخفف من وطأة الموقف. وهكذا وجد الشعب الألماني نفسه مضطرا لمعاناة عواقب انعدام التوازن هذا، وكان هناك أعداد كبيرة من العذارى والعوانس المحزونات والأرامل الشابات اللاتي تعذر عليهن الزواج" (من كتاب: "الإسلام والتحديات المعاصرة").
يوفر الإسلام حلولاً معينة لحالات خاصة كهذه بغية حماية الحالة الأخلاقية للأفراد وللمجتمع ككل، وحين يعطي الإسلام حل تعدد الزوجات فإنه ينظر بعين الرأفة والرحمة تجاه الأرامل واليتامى والعوانس أيضًا.
كما وهناك أسبابًا أخرى لتعدد الزوجات فيمكن مثلًا للمرء أن يتزوج ثانية إن كانت زوجته الأولى عقيمة وذلك لأن أحد أهداف الزواج هو استمرارية النوع البشري ويحق للمرأة بالمقابل الطلاق من زوجها إن أرادت ذلك في حال كان الزوج يعاني من مرض مزمن.
وقد يتساءل أحدهم لماذا لا يحق للمرأة الزواج أكثر من مرة في الوقت ذاته؟ والجواب على ذلك هو أن الله تعالى قد خلق المرأة والرجل مع وجود اختلافات بينهما فعلى الرغم من كونهما متشابهين لكنهما ليسا سيّان لا ظاهريًا ولا باطنيًا، فإن كان للمرأة زوجين أو أكثر فهذا سيسبب الشقاق والخلافات بينهم. والأهم من هذا، سيكون هناك التباس دومًا بموضوع نسب الأولاد.
علينا أن نفهم أن الدين الإسلامي دين عالمي يراعي مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع ككل، والنساء غير مجبرات على البقاء مع أزواجهن في حال لم يحقق الزوج غايات وأهداف الزواج فالطلاق حق مشروع للمرأة. وهكذا فتعدد الزوجات حل قدمه الإسلام لأن محاسنه تطغى على مساوئه بالنسبة للفرد والمجتمع ككل.
يحمّل أمر تعدد الزوجات الرجال مسؤولية أكبر على عاتقهم فهم سيحاسبون على معاملتهم لزوجاتهم بكل تأكيد. وقد وضع الله أساس هذا التعامل ألا وهو التقوى ويجب عند اتخاذ مثل هذا القرار التمسك بأهداب التقوى.