هل في المرأة شؤم؟



 السؤال: ما معنى الجزء الثاني من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "‏لا عدوى ولا طِيَرة، وإن كان الشؤم في شيء ففي الدار والمرأة، والفرس‏"‏؟


في ردٍ مفصل في رسالة بتاريخ 03/06/2021، قال أمير المؤمنين، حضرة ميرزا مسرور أحمد (أيده الله تعالى بنصره العزيز):

لقد قدم المفسرون تفسيرات مختلفة لهذا الحديث. يقول ابن عربي: إن الشؤم المنسوب إلى الأمور الواردة في الحديث لا يتعلق بخلقها وإنما بصفاتها. كما قيل أيضًا إنه إذا كان هناك تأثير سيء فقد يكون في هذه الأشياء الثلاثة. وبالمثل قيل إن المرأة التي لا تلد، والفرس التي لا تستخدم في الحرب والجار السيء، أمورٌ مدعاة للتشاؤم.

ويقول ابن قتيبة: كان أهل الجاهلية يؤمنون بالتطير، فنهاهم رسول الله عن ذلك، وأخبرهم أن الشؤم لا يصح ولكنهم رغم ذلك، ظلوا مقتنعين بالتطير من هذه الأمور الثلاثة. وبالمثل يقال إن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يقدم في هذا الحديث موقفه الخاص من هذه المسألة بل أشار إلى معتقدات أهل ذلك الزمان.

ويدعم هذه الفكرة رواية ذُكرت عن حضرة عائشة (رضي الله عنها)، حيث ورد أن أبا هريرة (رضي الله عنه) قال إن رسول الله قال: "الطيرة في الدار والمرأة والفرس" وبحسب الرواية، فإن السيدة عائشة (رضي الله عنها) قد غضبت غضبًا شديدًا عند سماع ذلك وقالت: "والذي أنزل الفرقان على محمد، ما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم قط، وإنما قال "كان أهل الجاهلية يتطيرون من ذلك". وبحسب رواية أخرى، أنكرت السيدة عائشة رواية أبي هريرة (رضي الله عنهما) وقالت: "لم يحفظ أبو هريرة لأنه دخل ورسول الله يقول: "قاتل الله اليهود، يقولون: الشؤم في ثلاثة: الدار والمرأة والفرس" فسمع آخر الحديث ولم يسمع أوله".

ومن معاني هذا الحديث أن هذا الاعتقاد الخاطئ الذي كان سائدًا في الجاهلية قد تم دحضه بالقول إن على الإنسان الابتعاد عن البيت الذي يكره السكن فيه، أو الزوجة التي لا يحب عشرتها، أو الفرس التي لا يحب ركوبها، وبالمثل يقال: إن الحصان الذي يدوس، والزوجة الخائنة والدار البعيدة عن المسجد فلا يسمع ساكنها الأذان، من مسببات الشؤم.

على أية حال، هذه تفسيرات مختلفة قدمها المفسرون وفقًا لفهمهم الخاص. ومع ذلك، إذا تم التفكر في هذا الحديث مع مراعاة التعاليم العامة للقرآن الكريم والأحاديث النبوية، فسنرى أن تفسير هذا الحديث بأن المرأة والفرس والمنزل من الشؤم غير صحيح، لا سيما أن رسول الله قد أحب هذه الأمور الثلاثة وامتدحها. لقد عاش رسول الله في منزل واستخدم الفرس لأغراض مختلفة. وعلاوة على ذلك، قد كان له علاقة وثيقة جدًا بالمرأة كأم وزوجة وابنة. وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا إن الجنة تحت أقدام الأمهات، ووصف الزوجة الصالحة بأنها خير متاع الدنيا، وذكر أن تربية البنت الصالحة وسيلة لدخول الجنة والنجاة من النار. واعتبر الزوج الذي يحسن معاملة زوجته بأنه خير الناس. ومن بين جميع الأمور الموجودة في الدنيا، فقد عبر عن حبه للمرأة والطيب.

وبالمثل وصف القرآن الكريم الخيول بأنها زينة. كما وصف حب حضرة سليمان الكبير للخيول لأنها تذكره بذكر الله. وفي إشارة إلى الأهمية الكبيرة للخيول، قال رسول الله : "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".

وفيما يتعلق بالبيوت، فقد اعتبر رسول الله بيوت بني النجار وبني عبد الأشهل وبني الحارث وبني ساعدة خير بيوت الأنصار.

كما ورد في الأحاديث أن على الإنسان التصدق عند الزواج أو اقتناء بيت جديد أو راحلة جديدة حتى يبارك الله له فيها ويكفيه شرها.

وحيث أن القرآن الكريم والنبي الأكرم قد أثنيا كثيرًا على هذه الأمور فيثبت من ذلك أن تفسير الحديث قيد المناقشة لا يمكن أن يتم بطريقة تجعله عرضة للاعتراضات.

إضافة إلى ذلك، يمكن استخلاص المعنى الأساس لهذا الحديث من كتابات المسيح الموعود (عليه السلام) الحكم العدل لهذا الزمان حيث فسر الجزء الأول من هذا الحديث في كتابه "نور الحق" (والذي اقتبستيه في رسالتك أيضًا) وقال: "التأثيرات كلها بيد الله تعالى، ولا مؤثِّرَ في هذا العالم الدائر بالكون والفساد إلا بحُكمه وإرادته ومشيئته"، أي أن الآثار الإيجابية والسلبية لكل شيء في العالم هي بيد الله تعالى ولا شيء يمكن أن يؤثر على الآخرين، سواء أكانوا أخيار أو أشرار، بدون أمر الله وإرادته.

وبالتالي، وفقًا لبيان المسيح الموعود (عليه السلام) هذا، يمكننا أيضًا تفسير الجزء الثاني من الحديث المذكور آنفًا بنفس المعنى وهو أنه سواء كانت امرأة أو مطية أو منزل، فإن الآثار الإيجابية والسلبية لجميع هذه الأمور على الإنسان تكون بإذن الله تعالى. وبكلمات أخرى، يمكن أن نقول إن الرجل ينتفع أو يتضرر من زوجته أو راحلته أو بيته بإذن الله تعالى.

ومع ذلك، من المهم أن نضع في اعتبارنا أن هذا لا يجب أن يقودنا إلى إساءة الفهم والظن بأنه ليس للإنسان علاقة بالآثار الإيجابية أو السلبية لشيء ما، وأن كل ما يحدث هو بأمر الله وحده. وقد تم تفصيل ذلك في القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وفي كلام المسيح الموعود عليه السلام في مواضع مختلفة بأن الله تعالى يُظهر الآثاره السلبية نتيجة لأفعال الناس.

ولهذا قال الله تعالى مخاطبًا المؤمنين في سورة التغابن: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ"، وكذلك قال تعالى في سورة النور: "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ"

وورد في حديث آخر "أربعٌ من السعادة: المرأةُ الصالحة، والمسكنُ الواسِع، والجارُ الصالح، والمَرْكَب الهنيء، وأربعٌ من الشقاء: المرأة السوء، والجار السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيِّق".
وكتب المسيح الموعود (عليه السلام) في هذا الصدد:

"وفي الآية إشارة أيضا إلى أن الإنسان إذا فعل فعلا قابَلَه الله بفعل من عنده. فمثلا: إذا أوصد الإنسانُ كل أبواب حجرته، أتْبَع الله فعلَه هذا بفعل منه.. بأن يُطبق عليه الحجرة بالظلام. ذلك لأن كل ما يترتب على أفعالنا من نتائج بمقتضى القوانين الطبيعية إنما هو في الحقيقة أفعاله سبحانه وتعالى.. فهو العلةُ النهائية لجميع العلل.

كذلك لو أن أحدا ابتلع سما زعافا.. كان فعلُ الله بعد فِعله هذا أن يُهلكه. وكذلك إذا اقترف أحد فعلا مشينا من شأنه أن يعرضه للعدوى فإن الله يُعقب فعلَه هذا بفعلٍ منه فيصيبه الداء الخبيث. إذن، فكما نشاهد بكل وضوح في حياتنا الدنيوية أن لكل عمل من أعمالنا نتيجة محتومة.. هي مِن فِعل الله تعالى.. كذلك تماما يسري نفسُ القانون في أمور الدين، كما يصرح الله بذلك في هاتين الآيتين:

{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} (العنكبوت: 70)، {فَلَما زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ} (الصف: 6)..

أي أن الذين بذلوا الجهد كله في ابتغاء مرضاة الله، سنجزيهم مقابل ذلك هداية إلى سبيلنا حتمًا، وأما من اعوج ولم يُردِ السيرَ على الطريق المستقيم قابل الله فعلَه هذا باعوجاج قلبه. (فلسفة تعاليم الإسلام: ص. 124-125).