أسماء بنت عميس (رضي الله عنها)



 

 

كانت السيدة أسماء بنت عميس من السابقات في الإسلام قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، ومن المهم أن نذكر أن أخواتها لأمها هن: أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث، وأم المؤمنين زينب بنت خزيمة، ولبابة الكبرى بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب. وأختها لأبيها وأمها سلمى بنت عميس زوجة حمزة بن عبد المطلب لذا كانت والدتها هند بنت عوف تلقب بأنها أكرم أهل الأرض أصهارا.

عندما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من استطاع من أصحابه بالهجرة إلى الحبشة كانت أسماء متزوجة حديثًا وقد هاجرت مع زوجها جعفر بن أبي طالب إلى الحبشة، فولدت له هناك أولاده: عبد الله، وعون، ومحمد ثم هاجرت مرة أخرى إلى المدينة مع زوجها وأولادها بعد أن أمضوا 13 عامًا في الحبشة.

بعد هجرتها إلى المدينة المنورة، ذهبت ذات يوم لزيارة أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها وبينما هما جالستان جاء سيدنا عمر فاستأذن ودخل بيت ابنته والسيدة أسماء لا تزال هناك فرحب بها ثم قال لها ممازحًا "لقد سبقناكم بالهجرة إلى المدينة يا أسماء، فنحن أحقّ برسول الله منكم" 

على ما يبدو  أخذت أسماء  كلامه على محمل الجد فقالت: "لا والله لستم أحقّ برسول الله منّا، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يُطعم جائعكم ويعظُ جاهلكم وكنّا بعيدين في الحبشة وذلك في سبيل الله ورسوله" ثم أضافت: "وأيْمُ الله لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى أذكر ما قلتَ يا عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه"

ورد في البخاري ومسلم أنها شكت بالفعل للنبي صلى الله عليه وسلم فسألها ماذا قلتِ له؟ فقالت: قُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا‏.‏ فقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"لَيْسَ بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ، وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ هِجْرَتَانِ"‏‏ والمقصود بأهل السفينة الذين هاجروا إلى الحبشة في السنة الخامسة للبعثة لما اشتد اضطهاد قريش حيث أنهم قد ركبوا السفينة للوصول إلى الحبشة وتحملوا مشاق السفر ومشاق الغربة أيضا. 

لما قال رسول الله لأسماء ما قال، لم تسعها الفرحة ووصل الخبر إلى الصحابة الذين كانوا في الحبشة بأن لهم هجرتان وثوابان فغمرتهم السعادة أيضا حتى أن بعضهم كان يأتي ويسألها أن تكرر على مسامعه ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من شدة فرحهم وسعادتهم بما قال.

كما ذكرنا آنفًا، كانت أسماء متزوجة من جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما ابن عم رسول الله والذي كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول له "أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي"‏. وسنتحدث هنا عن حادثة استشهاده رضي الله عنه: 

في السنة الثامنة للهجرة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم جيشًا إلى بلاد الشام أطلق عليه اسم "سرية مؤتة" وأمّر عليه ثلاثة أمراء هم زيد بن حارثة، فإن قتل فجعفر بن أبي طالب، فإن قتل فعبد الله بن رواحة، وقد استشهدوا جميعهم رضي الله عنهم بعد أن أبدوا شجاعة كبيرة.

ورد في أُسُد الغابة: عَنْ أسماء بنت عميس أنها قالت: لما أصيب جَعْفَر وأصحابه دخل علي رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد عجنت عجيني، وغسلت بنيّ ودهنتهم ونظفتهم، فقال رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:ائتيني ببني جَعْفَر، فأتيته بهم، فشمهم ودمعت عيناه، فقلت: يا رسول الله، بأبي وأمي ما يبكيك؟ أبلغك عَنْ جَعْفَر وأصحابه شيء؟ قال: نعم، أصيبوا هذا اليوم، فقمت أصيح وأجمع النساء، ورجع رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أهله، فقال: لا تغفلوا آل جَعْفَر فإنهم قد شغلوا.

وعن هذا ورد في كتب السيرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تغفلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاما، فإنّهم قد شغلوا بأمر صاحبهم"  

وجاء في ابن إِسْحَاق: عَنْ عائشة رضي الله عنها قالت: "لما أتى وفاة جَعْفَر عرفنا في وجه رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحزن" أي أن الحزن كان واضحًا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم).

وروي أيضا أنه لما أتى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نعي جَعْفَر، دخل عَلَى امرأته أسماء بنت عميس، فعزاها فيه ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول: وا عماه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عَلَى مثل جَعْفَر فلتبك البواكي. ودخله من ذلك هم شديد حتى أتاه جبريل، فأخبره أن اللَّه قد جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة، وفي رواية عن عبد الله بن جعفر قال: كنت أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمسح على رأسي ورأس أخَوَيّ وعيناه تهرقان بالدموع تقطر على لحيته وهو يقول: "اللهم إن جعفرًا قد قدِم إليك إلى أحسن الثواب، فاخلِفه في ذريته بخير ما خلّفت عبدًا من عبادك الصالحين. ثمّ التفت إلى أمّي وقال: يا أسماء ألا أبشّركِ؟ قالت: بلى بأبي أنت وأمي يارسول الله، قال: فإن الله عزّ وجلّ جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة". ولذلك يسمى سيدنا جعفر بـ "جعفر الطيار".

وقد أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وأسماء بنت عميس قريبة منه إذ رد السلام، ثم قال: "يا أسماء هذا جعفر بن أبي طالب مع جبريل وميكائيل وإسرافيل سلموا علينا فردي عليهم السلام، وقد أخبرني أنه لقي المشركين يوم كذا وكذا قبل ممره على رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث أو أربع، فقال: لقيت المشركين فأصبت في جسدي من مقاديمي ثلاثا وسبعين بين رمية وطعنة وضربة، ثم أخذت اللواء بيدي اليمنى فقُطعت، ثم أخذت بيدي اليسرى فقُطعت، فعوضني الله من يدي جناحين أطير بهما مع جبريل وميكائيل أنزل من الجنة حيث شئت، وآكل من ثمارها ما شئت، فقالت: أسماء هينئًا لجعفر ما رزقه الله من الخير، ولكن أخاف أن لا يصدق الناس فاصعد المنبر أخبر به، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أيها الناس إن جعفر مع جبريل وميكائيل، له جناحان عوضه الله من يديه سلم علي، ثم أخبرهم كيف كان أمره حيث لقي المشركين، فاستبان للناس بعد اليوم الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جعفر لقيهم، فلذلك سمي الطيار في الجنة".

 

بعد استشهاد سيدنا جعفر تزوجت أسماء من سيدنا أبي بكر.. رضي الله عنهم أجمعين، وقد ذُكر أن النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم زوّج أبا بكر أسماء بنت عميس يوم حنين، وقد ولدت له ولدًا اسمه محمد. ونذكر في هذا الصدد قصتين

أولهما: أنه لما مرض سيدنا أبو بكر وأحس بأن أجله قريب رأى من المناسب أن ينتخب للمسلمين خليفة، وكان يرى أن سيدنا عمر هو أجدر الناس بالخلافة، لكنه مع ذلك استشار كبار الصحابة مثل عبد الرحمن بن عوف وسيدنا عثمان بن عفّان - رضي الله عنهما - كلا منهما بمفرده، فقال كلاهما بأن عمر لا يماثله أحد في الصحابة، فلما استقر له الرأي على عمر، دعا عثمانَ وأملى عليه: "بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما عهد أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين، أما بعد؛ فإني أستخلف عليكم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيرا. ثم أشرف على الناس وزوجه أسماء بنت عميس ممسكته، فقال لهم: أترضون بمن أستخلف عليكم؟ فإني والله ما ألوت من جهد الرأي، ولا ولّيت ذا قرابة، وإني قد وليت عليكم عمر بن الخطاب، فاسمعوا له وأطيعوا. فقالوا: سمعنا وأطعنا.

يعني هنا نرى أنه في هذا الوقت العصيب استعان سيدنا أبو بكر بزوجته واستند إليها للخروج إلى الناس. وأيضا نذكر أنه عند وفاته رضي الله عنه هي من قامت بغسله بناءً على وصيته.

وبعد وفاة سيدنا أبي بكر تزوجت السيدة أسماء من سيدنا علي وأنجبت منه ولدين هما عون ويحيى، وهنا نذكر حادثة طريفة وردت في الإصابة في تمييز الصحابة:

أنه بعد أن تزوّج سيدنا عليّ من أسماء بنت عميس، تفاخر ابناها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر، فقال كل منهما: أنا أكرم منك، وأبي خير من أبيك، فقال لها عليّ: اقضِ بينهما. فقالت: ما رأيت شابّا خيرا من جعفر ولا كهلا خيرا من أبي بكر، فقال لها عليّ: فما أبقيت لنا؟ (يعني لم تبقِ لي شيئًا)

بعض الأحداث الهامة من حياتها:

نبدأ بقصة صارت معها أثناء أدائها الحج، فقد تشرفت بأن تحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه القصة وردت في ابن جرير: قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذْ تَجَلَّى لَهُ جِبْرِيلُ فَبَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلَمْ تُطِقِ الرَّاحِلَةُ مِنْ ثِقَلِ مَا يُمِيلُهَا مِنَ الْقُرْآنِ فَبَرَكَتْ فَأَتَيْتُهُ فَسَجَّيْتُ عَلَيْهِ بُرْدًا كَانَ عَلَيَّ.. يعني أسماء تشرفت أولا بالحج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وثانيا برؤيته وهو يتلقى الوحي القرآني.

كما تشرفت أسماء أيضًا بتجهيز السيدة عائشة عند زفافها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأدخلتها عليه مع مجموعة من النساء وعن هذا تقول:

"فَمَا وجدنا عِنْده إِلَّا قدحًا من لبن فتناوله فَشرب مِنْهُ ثمَّ نَاوَلَهُ عَائِشَة فاستحيتْ مِنْهُ فَقلت: لَا تردي يَد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخَذته فَشَربته ثمَّ قَالَ: ناولي صواحبك فَقلت: لَا نشتهيه فَقَالَ: لَا تجمعن كذبا وجوعًا فَقلت: إِن قَالَت إحدانا لشَيْء تشتهيه لَا أشتهي أيعدُّ ذَلِك كذبا؟

فَقَالَ: إِن الْكَذِب يُكتب كذبا حَتَّى الكُذيبة تُكتب كذيبة.

وورد عن مقاتل بن حيان أنه قال: بلغني أنَّ أسماء بنت عُميس لما رجعتْ من الحبشة معها زوجها جعفر بن أبي طالب، دخلتْ على نساء النَّبي صلى الله عليه وسلم فقالت: هل نزل فينا شيء من القرآن؟ (تقصد هل نزل شيء في مدح النساء؟) فقلن: لا، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسولَ الله، إن النساء لفي خيبة وخسار، فقال: "وممَّ ذلك؟" قالت: لأنهن لا يُذكَرن بالخير كما يُذكر الرجال، فأنزل الله تعالى قوله في سورة الأحزاب: ﴿إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ﴾ 

كانت أسماء بنت عميس (رضي الله عنها) أول من صنع نعشًا للميت في الإسلام، فعندما دخلت على السيدة فاطمة رضي الله عنها وهي على فراش الموت وجدتها حزينة ولما استفسرت منها عن السبب قالت إني أستقبح ما يُصنع بالنساء يُطرح على المرأة الثوب فيصفها فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة ثم طلبت جرائد رطبة فحنتها ثم طرحت عليها ثوبا (يعني أرتها كيف تغطى النعوش في الحبشة) فقالت فاطمة ما أحسن هذا وأجمله إذا مت فغسليني أنت وعلي ولا يدخلن أحد عليّ.

 وورد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "كان لأسماء بنت عميس عليّ دينار وثلاثة دراهم فكانت تدخل علي فأستحي أن أنظر في وجهها لأني لا أجد ما أقضيها فكنت أدعو "اللهم فارج الهم، كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، أنت ترحمني، فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك" فما لبثتُ إلا يسيرًا حتى رزقني الله رزقًا ما هو بصدقة تصدق بها علي ولا ميراث ورثته فقضاه الله عني وقسمت في أهلي قسما حسنا وحليت ابنة عبد الرحمن بثلاث أواق ورق وبقي لنا فضل حسن".

روت أسماء رضي الله عنها الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصل ما روته إلى 60 حديثا ومما روت أن رسول الله قال لها "ألا أعلمك كلمات تقولينهن عند الكرب، أو في الكرب: الله ربي لا أشرك به شيئًا" 

بقيت أسماء مع سيدنا علي رضي الله عنهما حتى استشهاده، ولم تتزوج بعد ذلك، ويقال أنها توفيت في العام الـ 38 للهجرة.