ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تلفورد، في 25/06/2021،



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تلفورد، في 25/06/2021، حيث تابع الحديث عن سيدنا عمر رضي الله عنه وقال:

عن أسلم أن عمر بن الخطاب طاف ليلة فإذا هو بامرأة في جوف دار لها وحولها صبيان يبكون وإذا قدرٌ على النار قد ملأتها ماء فدنا عمر من الباب فقال: يا أمة الله! ما بكاء هؤلاء الصبيان؟ قالت: بكاؤهم من الجوع، قال: فما هذه القدر التي على النار؟ قالت: قد جعلت فيها ماء هو ذا أعللهم به حتى يناموا وأوهمهم أن فيها شيئا دقيقا، فبكى عمر ثم جاء إلى دار الصدقة وأخذ غِرارة وجعل فيها شيئا من دقيق وشحم وسمن وتمر وثياب ودراهم حتى ملأ الغِرارة ثم قال: يا أسلم! احمل علي، فقلت: يا أمير المؤمنين! أنا أحمله عنك. فقال لي: لا أم لك يا أسلم! أنا أحمله لأني أنا المسؤول عنهم في الآخرة، فحمله حتى أتى به منزل المرأة، فأخذ القِدر فجعل فيها دقيقا وشيئا من شحم وتمر وجعل يحركه بيده وينفخ تحت القِدر، فرأيت الدخان يخرج من خلال لحيته حتى طبخ لهم. ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا. ثم خرج وربض بحذائهم حتى كأنه سبع، وخفت أن أكلمه، فلم يزل كذلك حتى لعب الصبيان وضحكوا. ثم قام فقال: يا أسلم! تدري لم ربضت بحذائهم؟ قلت لا، قال: رأيتهم يبكون فكرهت أن أذهب وأدعهم حتى أراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي.

يقول سيدنا المصلح الموعود رضي الله عنه: إن الإسلام حين يأمر برعاية الفقراء فهو من جانب آخر يقضي على التكاسل والتهاون أيضا. إذ لم يكن الغرض من المِنح أن يجلس الناس في البيوت عاطلين بل كان المحتاجون والمضطرون فقط يعطَون المنح، وكان الناس يُمنعون من السؤال بشكل عام. فمرة رأى سيدنا عمر -رضي الله عنه- سائلا وكانت قصعته مليئة بالدقيق، فأخذ الدقيق منه وأطعمه للإبل وقال للسائل: الآن تستحق السؤال.

ورد في التاريخ أن سيدنا عمر - رضي الله عنه - لم يضع في الاعتبار المواليد الرُّضَّع في أول الأمر، ولم يكونوا يتلقون هذه المعونة من الدولة إلا بعد الفِطام. وفي إحدى الليالي خرج عمر - رضي الله عنه - يتفقد أحوال رعاياه، فمرّ بخيمة يبكي فيها وليد، فتوقف عندها بعض الوقت، فوجد أن الوليد لا يزال يبكي وأُمّه تحاول أن تنوّمه. وطال هذا المشهد، فدخل عمر في الخيمة وقال للمرأة: لماذا لا تُرضعين ولدك حتى ينام، فهو يبكي منذ وقت طويل؟ فقالت وهي لا تعرف أن عمر هو الذي يكلّمها: أيها الرجل، إن "عمر" قد قرّر عدم توفير الطعام للرضّع من قِبَل الحكومة، ونحن عائلة فقيرة نعيش بصعوبة، ففطَمتُ ولدي هذا لكي أتلقى له المعونة من بيت المال، فابني لا يبكي إلا بسبب خطأ عمر الذي سنّ هذا القانون. فعاد عمر - رضي الله عنه - أدراجه وهو يقول من شدة الحزن: كمْ مِن ولدٍ للعرب تسببتَ في فطامه يا عمر، وجعلتَ ذراريهم ضعيفة؛ بسن هذا القانون الظالم، فأنت المسؤول عن هذا الإثم عند الله! ثم توجّهَ إلى بيت المال وأخذ كيسًا من الدقيق وحمَله على ظهره، فقال له بعض خَدَمه: دَعْني أحمل عنك هذا الكيس يا أمير المؤمنين. فقال: كلا، أنا المخطئ، ويجب أن أتحمل أنا تبعات ذنبي، ثم حمَل الكيس إلى المرأة. وفي اليوم التالي أصدر الأمر بتقديم المعونة لكل وليد بدءًا من يوم ولادته.

عندما بدأ المسلمون بالهجمات على جبهة الشام أسلم جبَلَة بن الأيهم مع قبيلته وخرج للحج. كان في الحج ازدحام كبير، فوقعت قدم أحد المسلمين دون قصد على قدمه، أو على جُبّته، ولما كان يحسب نفسه ملكًا عظيمًا استشاط غضبًا ولطم المسلم بقوة وقال: قد أسأت إلي، ألا تعلم من أنا؟ كان عليك أن تتأخر إلى الوراء متأدبًا، ولكنك وضعت قدمك على قدمي تجاسرًا منك! لزم هذا الشخص السكوت ولكن تكلّم مسلمٌ آخر وقال لجبلة: ألا تعلم أن الدين الذي دخلتَه هو الإسلام، والإسلام لا يميّز بين الكبير والصغير، وخاصة في هذا البيت. قال جبلة: لا أبالي بذلك. قال المسلم: لو رُفعت الشكوى ضدك عند عمر لثأر لهذا المسلم منك. عندما سمع جبلة هذا الكلام استشاط غضبًا وقال: هل من أحد يستطيع أن يلطم وجه جبلة؟ قال المسلم: لا أعلم عن الآخرين، أما عمر فسيفعل ذلك حتما. عندما سمع جبلة ذلك طاف بالبيت على جناح السرعة ووصل إلى مجلس عمر وسأله: إذا لطم شخص كبير شخصًا صغيرًا فماذا تفعل؟ قال: أطلب من الصغير أن يلطم وجه ذلك الكبير. فقال: لعلك لم تفهم قصدي، ما أقصده هو إذا لطمه شخص كبير جدًا فماذا تفعل؟ قال عمر - رضي الله عنه -: لا فرق بين الصغير والكبير في الإسلام. ثم قال: لعلك أنت ارتكبت هذا الخطأ؟ قال جبلة كذبًا: لم ألطم أحدًا، وإنما استفسرت عن الأمر فقط. ولكنه خرج من المجلس فورًا وهرب إلى بلده برفقائه وارتدَّ مع قومه واشترك في الحرب ضد المسلمين.

وفي ختام الخطبة، أعلن أمير المؤمنين نصره الله أنه سيصلي الغائب على بعض المرحومين، وذكر نبذة من حياتهم ودعا لهم بالرحمة وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان.