حب الله تعالى



 

كل قومٍ يدّعون بوجه عامٍ أنّ أكثرهم يحبون الله تعالى، ولكن ما يجدر إثباته هو: هل الله يحبهم أيضا أم لا؟

إن حب الله لهم يعني إزالةَ الغشاوةِ عن قلوبهم أولا، تلك الغشاوة التي بسببها لا يوقن الإنسان بوجود الله - عز وجل - على وجهٍ صحيح، بل تكون معرفتُه بوجودِهِ ضبابيةً ومظلمةً نوعًا ما، وفي كثيرٍ من الأحيان ينكرُه عند لحظة الابتلاء. إن إزالة هذه الغشاوة لا تتأتّى دون مكالمةٍ إلهيةٍ بحالٍ. والإنسان يغوص في بحر المعرفة الحقيقية حينما يبشِّره الله تعالى بنفسه مخاطبًا إيّاه بالقول: "أنا الموجود". عندئذٍ لا تبقى معرفة الإنسان مقتصرةً على تخمينه وظنّه أو على الأفكار المنقولة إليه بل يقترب إلى الله - سبحانه وتعالى - وكأنه يراه. الحق والحقَّ أقول لكم بأن الإيمان الحقيقي بالله تعالى لا يتأتّى إلا حين يُطلِعُ الله جلّ شأنه على وجوده بنفسه.

أما العلامة الثانية لحب الله تعالى هي أنه لا يُطلِعُ الأحباب من عباده على وجوده فقط، بل يُظهر عليهم آثار رحمته وفضله أيضا بوجه خاص، وذلك باستجابتهِ لأدعيتهم بطريقةٍ تَفوق العادة وبإطلاعهم على ذلك بإلهاماته وكلامه. عندها تطمئن قلوبهم إلى أن إلههم إله قادرٌ على سماع دعائهم وإطلاعهم وتنجيتهم من المصاعب؛ فيستوعب المرء مسألة النجاة ويطّلع على وجود الله أيضا. مع أن الآخرين يمكنهم أن يروا رؤى صادقة بين فينة وأخرى لإيقاظهم وتنبيههم، لكن طريقتها ومرتبتها وصبغتها مختلفة تمامًا، ذلك أنّ مكالمة الله تعالى تكون مع المقربين الخواص فقط. وحين يدعو الإنسانُ المقرَّب الله تعالى فيتجلّى عليه بجلال ألوهيته، وينزِّل عليه من روحه، ويبشِّره باستجابة أدعيته بكلماتٍ زاخرةٍ بحبه؛ فالذي يحظى بهذه المكالماتِ بكثرةٍ يسمَّى نبيًا أو محدَّثًا. وإن علامة الدين الحق هي قدرَته نتيجة تعاليمه على خَلْقِ الصادقين الذين سيصلون لاحقًا إلى مرتبة المحدَّثين فيحدِّثهم الله وجهًا لوجه. وإن أولى علامة على صدق الإسلام وحقِّيّته هي أنه يوجد فيه دومًا الصالحون الذين يحظَون بمكالمةِ الله تعالى: {تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا}. فهذا هو معيارُ الدين الصادق الحي والمقبول عند الله. (حجة الإسلام)