ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تلفورد، في 24/09/2021



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تلفورد، في 24/09/2021، حيث تابع الحديث عن سيدنا عمر رضي الله عنه وقال:

حاصر جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص بيت المقدس والتحق بهم جيش أبي عبيدة. سئم النصارى من التحصن وطلبوا الصلح واشترطوا أن يتولى عمر بن الخطاب بنفسه عقد الصلح، فكتب أبو عبيدة إلى عمر برغبة النصارى هذه، فاستشار الصحابة وقال علي يجب أن تذهب واستحسن عمر رأيه وأمّر عليا على المدينة وفي رواية أنه أمّر عثمان ثم توجه إلى بيت المقدس راكبًا على حصانه ومعه بعض المهاجرين والأنصار وفي رواية معه خادمه فقط وبعض الطعام.

كان بيت المقدس في مدينة إيلياء، وقد ورد في الطبري أن عمرو بن العاص كتب لعمر طالبا المدد وقال أنا أمام معارك طاحنة، ولما قرأ سيدنا عمر ذلك أعلن بين الناس عن سفره لبيت المقدس.

يقول الطبري: «كان سبب قدوم عمر إلى الشام أن أبا عُبَيْدَةَ حصر بيت المقدس، فطلب أهله منه أن يصالحهم على صلح مدن الشام، وأن يكون المتولي للعقد عمر بن الخطاب فكتب إليه بذلك فسار عن المدينة.»

يقول محمد حسنين هيكل:

"إنما نستبعد هذه الرواية؛ لأن أبا عُبَيْدَةَ وخالدًا كانا حين حصار بيت المقدس، في شغل بفتح حمص وحلب وأنطاكية وغيرها، وأن هرقل كان إزاءهما بالرهاء يجمع الجيوش لردهما على أعقابهما، وقد كان ذلك كله كما كان حصار بيت المقدس في السنة الخامسة عشرة، والراجح أن حصار بيت المقدس استطال شهورًا من تلك السنة، كان هذان القائدان يسيران في أثنائها بأقصى الشمال من سورية حتى يضطرا هرقل فيرحل إلى عاصمة ملكه، فالقول بأن أحدهما أو كليهما حاصر بيت المقدس قول لا ينهض، ويجب لذلك استبعاده.

بقيت الرواية القائلة بأن عمرو بن العاص هو الذي حاصر بيت المقدس، وأن حصاره لها طال، وأنها قاومته مقاومة عنيفة، وهذه هي الرواية الراجحة في رأينا؛ لأنها تتفق وما عرف عن بيت المقدس من مقاومة كل من أقدموا على غزوها في مختلف العصور.

ومن عجب أن يسير عمر بالجيوش لغير شيء إلا أن يتم الصلح ويكتب عهده، ومن عجب كذلك أن يطلب أهل بيت المقدس أن يَقْدمَ عُمَرُ من المدينة ليتم الصلح معهم وهم يعلمون أن بينه وبينهم مسيرة أسابيع ثلاثة؛ لذلك أرجح أن عمر ضاق صبرًا بطول الحصار وبكتابة عمرو إليه عن بأس عدوه، ولما طلب إليه مددًا جديدًا خرج مع المدد حتى نزل الجابية بين بادية الشام والأردن، وكان أبو عُبَيْدَةَ وخالد بن الوليد قد فرغا من إخضاع الشام، فدعاهما ليوافياه إلى الجابية حتى يتشاور معهما ومع غيرهما من قواد المسلمين في أنجع الطرق للقضاء على مقاومة المدينة المحصورة.

وعرف أطربون وصفرنيوس مقدم عمر، وعرفا ما نزل بالروم على أيدي أبي عُبَيْدَةَ وخالد من المصائب، وقدرا أن المدينة لن تستطيع المقاومة طويلًا، فانسحب أطربون مستخفيًا في قوة من الجند إلى مصر؛ فلما اطمأن البطريق الشيخ إلى نجاته تولى مفاوضة المسلمين في تسليم المدينة، وإذ كان قد علم أن أمير المؤمنين بالجابية فقد اشترط أن يأتي بنفسه ليكتب عهدها، وليس بين الجابية وبيت المقدس ما يتعذر إجابة صفرنيوس إلى طلبه."

لما وصلت عمر هذه الرسائل جمع المسلمين بالمسجد واستشارهم، ورأى عثمان بن عفان ألا يبرح عمر المدينة وخالف علي بن أبي طالب رأي عثمان وأشار على عمر بالسير إلى إيلياء وقال: "إذا أنت قدمت عليهم كان لك وللمسلمين الأمن والعافية والصلاح والفتح، ولست آمن أن ييأسوا منك ومن الصلح ويمسكوا حصنهم ويأتيهم المدد من بلادهم وطاغيتهم، لا سيما وبيت المقدس معظم عندهم وإليه يحجون." وآثر عمر رأي علي وأخذ به، وسار من المدينة ومعه بعض المهاجرين والأنصار وفي رواية عن أبي سعيد المقبري أن عمر كان في مسيرة ذلك يجلس لأصحابه إذا صلى الغداة فيقبل عليهم بوجهه ثم يقول الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام والإيمان وأكرمنا بمحمد فهدانا به من الضلالة وجمعنا من الفرقة وألف بين قلوبنا ونصرنا به على الأعداء ومكن لنا في البلاد وجعلنا به إخوانا متحابين فاحمدوا الله على هذه النعم وسلوه المزيد فيها والشكر عليها وتمام ما أصبحتم تتقلبون فيه منها فإن الله عز وجل يريد الرغبة إليه ويتم نعمته على الشاكرين" فكان عمر رضي الله عنه لا يدع هذا القول كل غداة في مبتدئه ومرجعه.

تمت المعاهدة بين المسلمين والنصارى في الجابية حيث أقام عمر وهناك رواية أن المعاهدة تمت في إيلياء وكان نصها:

"بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانها وسقيمها وبريئها وسائر ملتها؛ إنه لا تُسْكَن كنائسهم ولا تُهْدَم ولا يُنتقَص منها ولا من حيِّزها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرَهون على دينهم ولا يُضَارَّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصُلبهم فإنهم على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم أن يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله، وإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يُحصَد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء، وذمة المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية".

ثم أشهد على ذلك خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان.