ختان الإناث: مضاره وبراءة الإسلام منه
ختان الإناث: مضاره وبراءة الإسلام منه
ولدت وترعرعت في الشرق الأوسط ولم أسمع قط بختان الإناث. ولكن، عندما انتقلت إلى المملكة العربية السعودية، وبسبب عملي في مجلس إدارة مركز طبي كبير، تعرفت على هذه الممارسة لأن بعض المريضات من مصر والسودان وبعض الدول الإفريقية غير المسلمة احتجن إلى إجراء خاص عند الولادة بسبب خضوعهن لعملية الختان.
صُدمت حقًا عندما علمت ما هو ختان الإناث، وبالطبع استفسرت عن سبب ذلك فأوضحت لي إحدى طبيبات أمراض النساء والتوليد، وهي سيدة مصرية، أنها عادة قديمة لا تزال سائدة في بعض الأماكن النائية في مصر والسودان وأماكن أخرى في إفريقيا.
ما هو ختان الإناث؟
ختان الإناث يعني إزالة جزء أو كل العضو التناسلي الخارجي للأنثى لأسباب غير طبية. لا توجد فوائد صحية لختان الإناث بل من الممكن أن يسبب مخاطر صحية فورية مثل النزيف والالتهابات، ويمكن أن يؤدي أيضًا إلى مضاعفات طويلة الأجل، مثل مشاكل المثانة والخراجات والعقم.[1]
يتم تنفيذ عملية ختان الإناث في الغالب على الفتيات الصغيرات، في أي وقت بين الطفولة والمراهقة. وعلى الرغم من اعتباره انتهاكًا لحقوق الإنسان على المستوى الدولي، تشير التقديرات إلى أن أكثر من 4 ملايين فتاة معرضة لخطر الخضوع لختان الإناث كل عام، مع وجود أكثر من نصف الحالات في مصر وإثيوبيا وإندونيسيا. ووفقًا للبيانات التي تم جمعها من 31 دولة في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط وآسيا، تعرضت أكثر من 200 مليون فتاة وامرأة على قيد الحياة اليوم لعملية ختان الإناث[2].
ختان الإناث عادة اجتماعية:
ختان الإناث عادة اجتماعية ترتبط بالمفهوم الثقافي للأنوثة والاحتشام وتعتبره بعض المجتمعات بمثابة طقوس مرور للفتيات، وفي بعض المجتمعات، تُجبر الفتيات على الخضوع للختان كشرط للزواج والميراث.
وبسبب الضغط المجتمعي والثقافي، يستمر الناس في مثل هذه الممارسات لتتوافق مع الأعراف المجتمعية والخوف من النبذ من مجتمعهم. ومع ذلك، تجدر الإشارة هنا إلى أنه لا توجد نصوص دينية تروج ولا تنص على ممارسة ختان الإناث.[3]
عندما انتقلت للعيش في أوروبا، سمعت لأول مرة في حياتي الادعاء القائل بأن ختان الإناث ممارسة إسلامية! وأنا المسلمة التي عشت 27 عامًا من حياتي في البلدان الإسلامية، لم أسمع قط عن ختان الإناث في الإسلام!!
ختان الإناث ليس ممارسة إسلامية:
دفعني شغفي في الدفاع عن التعاليم الصحيحة للإسلام ونشرها إلى البحث في هذا الأمر بعمق، ووجدت أن هذا الادعاء القائل بأن ختان الإناث ممارسة إسلامية لا أساس له من الصحة فلا توجد تعليمات في القرآن الكريم أو في أحاديث الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تأمر المسلمين بختان بناتهم، بينما العكس هو الصحيح فيما يتعلق بختان الذكور من الأبناء:
القرآن الكريم لا يأمر بختان الذكور مباشرة، لكنه يأمر المسلمين باتباع تعاليم وسنة النبي إبراهيم عليه السلام.
يصف القرآن الكريم النبي إبراهيم عليه السلام بأنه "صدّيقًا نبيًا". (مريم: 42) وهو يأمر النبي الكريم والمسلمين باتباع ملة إبراهيم عليه السلام: "ثمّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (النحل:124)
من ناحية أخرى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد (أي حلق العانة)، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب." (البخاري)
ولكن كيف يمكننا التأكد من أن الختان الوارد في هذا الحديث هو الخاص بالذكور فقط؟
إن ختان الذكور، الذي نشأ في عهد النبي إبراهيم عليه السلام، هو ممارسة مطلوبة في الإسلام وقد شرح رسولنا كل أمر في الإسلام بوضوح وصراحة. لذلك، إذا كان ختان الإناث ممارسة إسلامية، فمن المؤكد أن رسول الله كان سيوجه المسلمين لجعله جزءًا من عقيدتهم.
وماذا عن الحديث التالي؟
عَن أُمِّ عطيَّةَ الأنصاريَّةِ: أنَّ امْرَأَة كَانَت تختن بِالْمَدِينَةِ. فَقَالَ لَها النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَأَحَبُّ إِلَى الْبَعْل" (سنن أبي داوود)
هذا الحديث لا يمكن أن يصح للأسباب التالية:
1- هذا الحديث غير مدعوم بأية آية من القرآن الكريم.
2- اعتبر هذا الحديث ضعيفًا من عدد لا يحصى من علماء المسلمين.
3- الإمام أبو داود، جامع هذا الحديث نفسه، أعلن أن هذه الرواية مشكوك فيها حيث قال: "هذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَرَاوِيه مَجْهُول".
4- لم ينسب هذا الحديث إلى الرسول في اقتباسٍ مباشر، لذلك فهو ضعيف السند.
5- علينا دائما أن نأخذ في الاعتبار مصادر شريعتنا الإسلامية والتي هي:
أ) القرآن الكريم: لا توجد آية واحدة تعطينا تعليمات بخصوص ختان الإناث.
ب) سنة رسول الله : نقرأ في الأحاديث أن رسول الله قد ختن حفيديه الحسن والحسين (رضي الله عنهما) ولكننا لا نقرأ في أي موضع أنه أمر بختان حفيداته أو أي ابنة من بنات صحابته.
ج) الأحاديث: لم يسجل أصح كتب الحديث والذي هو صحيح البخاري، وكذلك صحيح مسلم الذي يأتي في المرتبة الثانية بعد البخاري من حيث الموثوقية، أي حديث بهذا الشأن. في الواقع، من أصل كتب الصحاح الستة، خمسة منها لا تحتوي على أي ذكر لهذا الموضوع. ويذكر الكتاب السادس "سنن أبي داود" الحديث المذكور آنفًا وقد علق بنفسه على أنه حديث مشكوك فيه.
فكيف يعقل أن لا يكون هناك رواية لمثل هذه الممارسة إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بها أو كانت من الإيمان؟!
في الواقع، لقد قدم رسول الله تفاصيل مستفيضة في كل أمر لدرجة أن أحد أعداء الإسلام قد قال ساخرًا لسلمان الفارسي (رضي الله عنه): "قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى الْخِرَاءَةَ (أي الاغتسال بعد الاستجابة لنداء الطبيعة)".
بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شرح كل أمر مهم في ديننا وشؤون دنيانا على حد سواء، مثل الحيض ودم النفاس، وكذلك الأمور المتعلقة بالعلاقة الزوجية.
إذن، أليس من الغريب أن شيئًا مهمًا مثل ختان الإناث، إذا كان حقًا مصدر احترام للمرأة، أن يتم استبعاده بشكل صارخ هكذا؟ ولم تذكر أي واحدة من أمهات المؤمنين ولا غيرهن من الصحابيات كلمة واحدة في هذا الأمر!
قد يدعي البعض أنه لم يتم الإشارة إلى هذا الموضوع لأنه موضوع محرج جدًا!
رغم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحدث مرارًا عن الحياء باعتباره "من الإيمان" وأنه "خيرٌ كله" و"خلق الإسلام"، إلا أنه لا مكان للحياء في تعلم الدين، خاصة فيما يتعلق بأمر أساسي يهم نصف أفراد المجتمع الإسلامي.
وقد قَالَتْ السيدة عَائِشَة (رضي الله عنها):"نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَسْأَلْنَ عَنِ الدِّينِ وَيَتَفَقَّهْنَ فِيهِ". (سنن أبي داوود)
المخاطر الصحية لختان الإناث:
يثبت البحث العلمي أنه ليس لختان الإناث أي فوائد صحية بل يمكن أن تكون له عواقب جسدية ونفسية ضارة ويمكن أن يؤدي النزيف الغزير أثناء العملية أو بعدها إلى فقر الدم الشديد وقد يؤدي إلى الوفاة بسبب فقدان الدم الحاد والشديد.
وغالبًا ما يقوم الأشخاص عديمي الخبرة بهذه العملية مستخدمين أدوات غير معقمة يمكن أن تسبب العدوى والغرغرينا والإنتان. ويمكن أن تصاب الفتيات الصغيرات بالعدوى المنقولة بالدم مثل فيروس نقص المناعة البشرية أو التهاب الكبد الوبائي ب. ويمكن أن يؤدي الختان إلى العقم والإجهاض المتكرر. كما تعرض الصدمة الناتجة عن هذا الإجراء النساء لخطر متزايد من الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب والذهان والعصاب، وتؤدي ممارسة ختان الإناث إلى معاناة ملايين الفتيات الصغيرات من آلامٍ لا تطاق وحتى من الموت.
الخلاصة:
إن الفلسفة الكامنة وراء جميع الأوامر الإسلامية هي أن الممارسات التي تفوق منافعها مضارها يجب أن تُتَّبع، في حين أن تلك التي ضرها أكثر من نفعها يجب أن تُترك. فكيف يمكن ربط هذه الممارسة البغيضة بالإسلام؟!