ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 8/10/2021



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في الثامن من شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري، حيث تابع الحديث عن سيدنا عمر رضي الله عنه وقال:

يقول العلامة شبلي النعماني:

يخطر بالبال عدة أسئلة: كيف طوت فئة قليلة من سكان الصحراء صفحات دولتي فارس والروم؟ وهل هذه ظاهرة مستثناة في التاريخ؟ وما أسبابها؟ ألا يمكن تشبيه هذه الأحداث بفتوحات الإسكندر وجنكيز خان؟ وكم كان نصيب القائم بأمر الخلافة فيما حدث؟

لقد قام عمر بفتح بلاد تمتد على أكثر من ألف ميل من الناحية الشمالية لمكة وأكثر من ألف ميل من ناحية الشرق ناحية الجنوب، وذلك خلال عشرة أعوام تقريبا.

 لقد أجاب المؤرخون الأوربيون على السؤال الأول وهو أن مملكتي فارس والروم فقدا أوج مجدهما، فقد اختل نظام الدولة في فارس بعد خسرو برويز لأنه لم يكن هناك أي شخص جدير يصلح أحوال الدولة وكانت المؤامرات قد تفشت بين أركانها، وفي غضون ثلاث أو أربع سنوات صار الحكم في أيدي ستة أو سبعة من الملوك ثم خرج من أيديهم، كما أن فرقة المزدكية التي تميل إلى الإلحاد قد اشتد أمرها قبل أنوشيروان بقليل، ومع أنه قضى عليها بالسيف لكنه لم يستطع استئصالها تماما وعندما وطئت أقدام الإسلام أرض فارس اعتبر أصحاب هذه الفرقة المسلمين أنصارا لهم لعدم تعرضهم لأي مذهب أو ديانة حتى إن فرقة النساطرة وهم من النصارى الذين لم يجدوا مأوى لهم في أي حكومة وجدوا أمنهم في ظل الإسلام ، وهكذا فقد حصل المسلمون على النجدة والعون من هاتين الفرقتين.

أما دولة الروم فقد تسرب إليها الضعف، وكانت الخلافات في المسيحية على أشدها.

هذه الإجابة لا تخلو من الحقيقة، إلا أن المغالطة في الاستدلال والزيف أكثر بكثير من الحقيقة وهذا هو أسلوب الأوربيين، فلا شك أن دولتي الفرس والروم لم تكونا في في أوج قوتهما ولكن أن تُمزَّقا على أيدی قوم بلا عدة أو عتاد كالعرب فهذا مستحیل مهما كانت حالة الروم فقد كانت بارعة في فنون الحرب ولم يعترِها أي نقص في توفر الجيش الكثیر وآلات الحرب وكثرة العدة والعتاد والمؤن.

فمن المسلّم به عموما بالنسبة لإيران أنها كانت في أوج ازدهارها حتى عهد خسرو برويز وكانت الفترة ما بين وفاة الملك برويز والحملة الإسلامية أربع سنوات فكيف يمكن أن تضعف مثل هذه الدولة القوية في هذه الفترة القصيرة؟ لا شك أن التغيير الذي حدث بسبب الذين اعتلوا العرش من بعده قد أخل بالنظام إلا أن مؤسسات الدولة كالخزینة والجيش ومصادر الدخل لم يعترها أي خلل. ولما جلس يزدجرد على العرش واتجه أهل البلاط ناحية الإصلاح استردوا نفس الجاه مرة أخرى، أما الفرقة المزدكية فقد كانت موجودة في إيران لكن لم نعرف من كتب التاريخ عن تلقي المسلمين أي نوع من العون منهم، كما لم نعرف شيئا عن المساعدة في جانب النساطرة. أما حالة العرب فإن جميع الجيوش التي كانت منهمكة في حروب الروم وإيران ومصر لم يصل مجموعها إلى مائة ألف. أما من ناحية فنون الحرب فقد كانت اليرموك أول معركة استخدم العرب فيها نظام "التعبئة" في تنظيم الصفوف في حين أن الخوذات والدروع والسترة والجواشن المدرعة والقفاذات الحديدية والأخفاف كانت من مستلزمات ملابس الحرب لكل جندي إيراني ولم يكن يعرف العرب منها سوى الدروع الجلدية والصولجان وكانت سهامهم صغيرة وضعيفة.

أما الأسباب الأصلية للفتوحات فهي أن المسلمين قد دبت فيهم الشجاعة والهمة العالية والقوة والصبر والعزيمة والحماس بسبب بعثة النبي r فيهم وقد ضاعف عمر من هذه الصفات وشحذها فلم تستطع مملكتا فارس والروم في عصرهما الذهبي أن تتصديا لهم، إضافة إلى صدق المسلمين وأمانتهم. فقد كان الناس في أي بلد تُفتح يقعون في حب المسلمين بحيث إنهم كانوا لا يريدون زوال حكمهم بالرغم من اختلاف الدين. أما حكم الروم في مصر والشام فقد كان جائرا، لذلك واجه الروم المسلمين بقوة الحكم والجيش ولم يكن معهم الرعايا وعندما قضى المسلمون على قوة الدولة كان الجو مهيئا أمامهم لأنهم لم يجدوا أي نوع من المقاومة من جانب الرعايا، إلا أن حالة إيران كانت مختلفة فقد كان الكثير من الحكام والأمراء تحت لواء المملكة وكانوا يملكون الأقاليم والمراكز. فكانوا يحاربون للحفاظ على حكومتهم، ولهذا السبب فإن المسلمين حتى بعد فتحهم العاصمة واجهوا الصعوبات والمقاومة في كل مكان. وعندما قام المسلمون بحملاتهم الأولى على الشام والعراق كان يقطن في كلا البلدين كثير من العرب وقد واجهوا المسلمين في البداية لأنهم كانوا نصارى، إلا أن نزعة القومية لا يمكن أن تذهب سدى. فسرعان ما أسلم كبار حكامهم وأصبحوا عونا للمسلمين.

ثم تحدث أمير المؤمنين نصره الله عن استشهاد سيدنا عمر t وقال:

عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَى عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ النَّاسَ جُمِعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَإِذَا رَجُلٌ قَدْ عَلا النَّاسَ بِثَلاثَةِ أَذْرُعٍ. قُلْتُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قُلْتُ: بِمَ يَعْلُوهُمْ؟ قَالَ: إِنَّ فِيهِ ثَلاثُ خِصَالٍ. لا يَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لائِمٍ.وَإِنَّهُ شَهِيدٌ مُسْتَشْهَدٌ. وَخَلِيفَةٌ مُسْتَخْلَفٌ. فَأَتَى عَوْفٌ أَبَا بَكْرٍ فَحَدَّثَهُ فَبَعَثَ إِلَى عُمَرَ فَبَشَّرَهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُصَّ رُؤْيَاكَ. قَالَ فَلَمَّا قَالَ خَلِيفَةٌ مُسْتَخْلَفٌ انْتَهَرَهُ عُمَرُ فَأَسْكَتَهُ.فَلَمَّا وَلِي عُمَرُ انْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ فَبَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ إِذْ رَأَى عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ. فَدَعَاهُ.فَصَعِدَ مَعَهُ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: اقْصُصْ رُؤْيَاكَ. فَقَصَّهَا. فَقَالَ: أَمَّا أَلا أَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَلائِمٍ فَأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَنِي اللَّهُ فِيهِمْ. وَأَمَّا خَلِيفَةٌ مُسْتَخْلَفٌ فَقَدِ اسْتُخْلِفْتُ فَأَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُعِينَنِي عَلَى مَا وَلانِي. وَأَمَّا شَهِيدٌ مُسْتَشْهَدٌ فَأَنَّى لِيَ الشَّهَادَةُ وَأَنَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ لَسْتُ أَغْزُو النَّاسَ حَوْلِي؟ ثُمَّ قَالَ: وَيْلِي وَيْلِي يَأْتِي بِهَا اللَّهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

طُعن عمر t يوم الأربعاء لأربع ليالٍ بقينَ من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، ودفن يوم الأحد صباح هلال المحرم سنة أربع وعشرين.