ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 26/11/2021



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 26/11/2021، حيث تابع الحديث عن سيدنا عمر بن الخطاب t وقال:

كان في بلاط عمر أناس يتبوأون مكانة عالية ويعرفون القرآن الكريم وهناك رواية في البخاري عن ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «قَدِمَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ فَنَزَلَ عَلَى ابْنِ أَخِيهِ الحُرِّ بْنِ قَيْسٍ، وَكَانَ مِنَ النَّفَرِ الَّذِينَ يُدْنِيهِمْ عُمَرُ، وَكَانَ القُرَّاءُ أَصْحَابَ مَجَالِسِ عُمَرَ وَمُشَاوَرَتِهِ، كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا»، فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِابْنِ أَخِيهِ: يَا ابْنَ أَخِي، هَلْ لَكَ وَجْهٌ عِنْدَ هَذَا الأَمِيرِ، فَاسْتَأْذِنْ لِي عَلَيْهِ، قَالَ: سَأَسْتَأْذِنُ لَكَ عَلَيْهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «فَاسْتَأْذَنَ الحُرُّ لِعُيَيْنَةَ فَأَذِنَ لَهُ عُمَرُ»، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: هِيْ يَا ابْنَ الخَطَّابِ، فَوَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الجَزْلَ وَلاَ تَحْكُمُ بَيْنَنَا بِالعَدْلِ، فَغَضِبَ عُمَرُ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ، فَقَالَ لَهُ الحُرُّ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ} وَإِنَّ هَذَا مِنَ الجَاهِلِينَ، «وَاللَّهِ مَا جَاوَزَهَا عُمَرُ حِينَ تَلاَهَا عَلَيْهِ، وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ».

يقول الخليفة الأول t: ذات مرة جاء شخص ثري إلى بلاط عمر t واستنكر جلوسَ طفل عمرُه عشرة سنين وقال في نفسه، ما شأن غلمان صغار مثله في بلاط عظيم كهذا؟ ثم صدف أن سخط عمر t على تصرُّفٍ صدَر من ذلك الشخص وطلب الجلاد. فنادى الطفل المذكور بأعلى صوته: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} و{وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، وقال: هذا من الجاهلين. شحب وجه عمر t وسكت. فقال أخ هذا الشخص: انظر! لقد أنقذك الطفل نفسه الذي استهنتَ به.

كيف كان عمر t يقوم بتربية الأطفال؟ ورد عن یوسف بن یعقوب أنه قال: قال لي ابن شهاب ولأخ لي وابن عم لي ونحن صبیان أحداث لا تحقروا أنفسکم لحداثة أسنانکم فإن عمر بن الخطاب کان إذا نزل به الأمر دعا الصبیان، فاستشارهم یبتغي حدة عقولهم.

عندما حصلت خسارة في جانب المسلمين في واقعة أحد ظهرت غيرة عمر t فقد نادى أبو سفيان: أفيكم محمد؟ ثم قال: أفي القوم ابن أبي قحافة، (يعني أبو بكر t) ثم سأل ثلاث مرات أفي القوم ابن الخطاب؟ ثم أقبل أبو سفيان على أصحابه وقال: أما هؤلاء فقد قُتلوا، فما ملك عمر نفسه أن قال: كذبت والله يا عدو الله! إن الذين عددت لأحياء كلهم وقد بقي لك ما يسوؤك. فقال يوم بيوم بدر والحرب سجال.

كيف كان سيدنا عمر t حريصًا على الحفاظ على أموال بيت المال؟

ورد عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ شَرِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَسَأَلَ الَّذِي سَقَاهُ مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَرَدَ عَلَى مَاءٍ قَدْ سَمَّاهُ فَإِذَا نَعَمٌ مِنْ نَعَمْ الصَّدَقَةِ وَهُمْ يَسْقُونَ فَحَلَبُوا لِي مِنْ أَلْبَانِهَا فَجَعَلْتُهُ فِي سِقَائِي فَهُوَ هَذَا فَأَدْخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَدَهُ فَاسْتَقَاءَهُ.

عَنِ ابْنٍ لِلْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ يَوْمًا حَتَّى أَتَى الْمِنْبَرَ. وَقَدْ كَانَ اشْتَكَى شَكْوَى لَهُ فَنُعِتَ لَهُ الْعَسَلُ وَفِي بَيْتِ الْمَالِ عُكَّةٌ فَقَالَ: إِنْ أَذِنْتُمْ لِي فِيهَا أَخَذْتُهَا وَإِلا فَإِنَّهَا عَلَيَّ حَرَامٌ. فَأْذِنُوا له فيها.

يقول سيدنا المصلح الموعود t:

"حين أعطى الله تعالى المسلمين الحُكم والمُلك في الدنيا وكتب لهم العزة والشرف وأعطاهم المال والثروة، لم يركنوا إلى الكسل والغفلة، بل أدوا واجباتهم على أحسن وجه، وكانوا يقظين حذرين من أن يحصل في أدائها نقص، وكيف يمكن تلافيه إن حصل. فقد ورد أن عبد الرحمن بن عوف t ترك عند وفاته من المال والعقار ما يساوي الملايين، وكان دخله السنوي بمئات الآلاف ومع ذلك ظلّ  يعمل على نشر الإسلام ليل نهار، ولم يركن إلى الكسل أو الغفلة لكثرة المال والثراء. وقد نال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما مُلكًا عظيما، ولكنهما لم يغفلا ولم يكسلا، بل قاما بواجباتهما بكل حذر وتيقظ. فقد رُوي عن عثمان t أنه كان جالسًا في قبته ذات يوم، وقد أنهكه الحر الشديد بحيث لم يقدر على فتح بابها. فرأى مِن نافذتها شخصًا يمشي في القيظ، فقال لخادمه: انظرْ من هذا. فأزال الستار فإذا شخص قد لفح الحرّ وجهه بشدته. فقال: مسافر. فلما اقترب من قبته عرف أنه عمر t، فقلق عثمان t وقال له: ماذا تفعل في هذا الحرّ يا أمير المؤمنين؟ قال: أبحث عن بعير فُقد من بيت المال.

فقد أخبر الله تعالى بقوله {عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ} أن هؤلاء سيراقبون مهماتهم دائمًا رغم جلوسهم على الأرائك، فلن يجعلهم رخاء الدنيا ونعمها كسالى. ولن يدفعهم جلوسهم على الأرائك إلى النوم والكسل، بل سيكونون فيها يقظين حذرين يراقبون حقوق الناس ويؤدون واجباتهم أحسن أداء.

وعن عدل سيدنا عمر، ورد عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اخْتَصَمَ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ وَيَهُودِيٌّ فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ الْحَقَّ لِلْيَهُودِيِّ فَقَضَى لَهُ فَقَالَ لَهُ الْيَهُودِيُّ وَاللَّهِ لَقَدْ قَضَيْتَ بِالْحَقِّ.

وفي نهاية الخطبة أعلن أمير المؤمنين نصره الله أن الحديث عن سيدنا عمر قد انتهى وأنه سيبدأ في الخطب القادمة بمشيئة الله تعالى بالحديث عن سيدنا أبي بكر t.