الصحابية فاطمة بنت الخطاب (رضي الله عنها)



 الصحابية فاطمة بنت الخطاب (رضي الله عنها)

 

هي صحابية جليلة لها السبق إلى الإسلام حيث أسلمت وزوجها قبل دخول النبي ﷺ دار الأرقم.

قيل إن اسمها رملة بنت الخطاب، وقيل: أم جميل بنت الخطاب، وقيل: أميمة بنت الخطاب، وهي أخت سيدنا عمر بن الخطاب، وزوجة سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة وقد أنجبت له ابنهما عبد الرحمن.

لقد خلد التاريخ اسمها لشجاعتها حين وقفت في وجه أخيها "عمر بن الخطاب" عندما ضرب زوجها، كما أنها قد أقرت بكل جرأة أنهما أسلما ولن يتركا هذا الدين أبدًا:

"كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، الذي صار فيما بعد ثاني الخلفاء الراشدين، لا يزال واحدًا من أشد الأعداء وأشرسهم نقمة على الإسلام. وأحسّ عمر أنه لم تُتّخذ بعد الخطوة الحاسمة ضد الحركة الجديدة، فقرّر أن يأخذها هو بأن يضع حدًّا لحياة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وخرج من بيته يحمل سيفه بغير جرابه، فلقيَه صديق له، أخذته الدهشة للحالة التي رآه عليها فسأله عما ينوي أن يفعله، فقال عمر: "أريد أن أقتل محمدًا". فقال له: "أتظن بني هاشم تاركيك تمشي على الأرض وقد قتلت محمدًا، ألا تدري أن أختك وزوجها قد أسلما"؟ ونزل عليه الخبر نزول الصاعقة، وانقبض صدره بشدة فقرر أن يبدأ بأخته وزوجها أولاً. وعندما بلغ بيت أخته سمع صوت تلاوة في الداخل، وكان الصوت هو صوت "خبّاب بن الأَرَت" يعلمهم القرآن الكريم، فدلف عمر إلى البيت مسرعًا. وأحسّ خبّاب بريبة من الخطوات المتسارعة وهي تقترب فاختبأ. وقامت فاطمة أخت عمر بتنحية الأوراق القرآنية جانبًا. وواجهت أخاها هي وزوجها، فقال عمر: "لقد سمعت أنكما صبأتما"، يقصد أنهما تخليا عن دينهما. ورفع يده ليصك زوجها الذي كان من أبناء عمومته، فألقت فاطمة نفسها على زوجها كي تحول بينه وبين عمر، فهبطت الضربة على وجه فاطمة، وأصابت أنفها التي أخذت تنْزف الدماء بغزارة. ولكن الضربة زادت من شجاعة فاطمة، فقالت: "نعم، لقد أسلمنا، ولن ندع هذا الدين، فافعل ما بدا لك". كان عمر شهمًا مع خشونته تلك. وقد جعله وجه أخته المصبوغ بالدم من أثر يده يشعر بالندم، فإذا به يتحوّل إلى شخص مختلف تمامًا. طلب منهم أن يرى أوراق القرآن التي كانوا يقرأونها، فرفضت فاطمة خشية أن يمزقها ويلقي بها، فوعد عمر أنه لن يفعل. ولكن فاطمة قالت إنه غير طاهر، فعرض عمر أن يغتسل. وبعد أن تطهّر وهدأت نفسه، تناول الصحائف القرآنية في يده وكانت تحوي جزءًا من سورة طه. فراح يقرأ فيها إلى أن وصل إلى قوله تعالى:

{إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي - إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} (طه: 15 - 16)

إن هذا التوكيد الجازم لوجود الله تعالى، وهذا الوعد الساطع بساعة قادمة حتمية، يؤسس فيها الإسلام عبادة حقيقية مكان تلك التي اعتادت عليها مكة، كل ذلك مع حشد من الأفكار الأخرى المرتبطة بها، لابد أنها جميعًا حركت مشاعر عمر، فلم يملك نفسه أمام تدفق ينبوع الإيمان في قلبه، وقال: "ما أعجب هذا الكلام وما أروعه"! فخرج خبّاب من مكمنه وصاح: "فليشهد الله! لقد سمعتُ رسول الله بالأمس فقط يدعو الله أن يهدي للإسلام عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام. وأرجو أن تكون هدايتك ثمرة دعائه". وعقد عمر العزم على اعتناق الإسلام، وسأل أين يكون الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وعلى الفور اتخذ طريقه إليه في دار الأرقم بن أبي الأرقم، وكان قد أخذ سيفه معه. وعندما طرق الباب، رأى الصحابةُ عمرَ من شقوق الباب، فخشوا أن يكون ثمة نية سوء لديه، ولكن الرسول أمرهم أن يدعوه يدخل. ودخل عمر والسيف لا يزال في يده. فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - سائلاً: "ما جاء بك يا ابن الخطاب"؟ فقال عمر: "يا رسول الله، لقد جئت لأسلم". فكبَّر رسول الله ومعه الصحابة: "الله أكبر .. الله أكبر"، وردّدت قمم الجبال صدى الصوت. وانتشرت أخبار اعتناق عمر الإسلام كالنار في الهشيم. ومن اليوم فصاعدًا، أصبح عمر يعاني من الاضطهاد، شأنه في ذلك شأن بقية المسلمين، بعد أن كان هو الذي يقوم باضطهاد المسلمين وكانوا يخشون بأسه. (حياة محمد)

إذن لقد ساهمت رضي الله عنها بإسلام سيدنا عمر بن الخطاب وبهذا تحققت على يديها دعوة رسول الله ﷺ حين قال: "اللهم أيد الإسلام بأحد العُمَرَيْن"

نشأت فاطمة فى بيت أبيها الخطاب بن نفيل المخزومي القُرشي صاحب الشرف والرفعة والفضائل العربية، وأمها هي حنتمة بنت هاشم بن المغيرة.

كان لفاطمة بنت الخطاب (رضي الله عنها) دور مهم في بداية الدعوة، كما قدمت  نموذجًا رائعًا للمرأة في الكتمان والسرية حفاظًا على الإسلام وعلى رسـول الله ﷺ:

ورد في السيرة الحلبية أن رسول الله لما دخل دار الأرقم ليعبد الله تعالى ومن معه من أصحابه فيها سرًّا، وكانوا ثمانية وثلاثين رجلا، ألحّ أبو بكر (رضي الله عنه) على رسول الله في الظهور. أي الخروج إلى المسجد الحرام، فقال: يا أبا بكر إنا قليل، فلم يزل به حتى خرج رسول الله ومن معه من أصحابه إلى المسجد الحرام، وقام أبو بكر (رضي الله عنه)  في الناس خطيبا ورسول الله جالس، ودعا إلى الله ورسوله، فهو أول خطيب دعا إلى الله تعالى. وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين يضربونهمن فضربوهم ضربا شديدا، ووطئ أبو بكر بالأرجل وضرب ضربا شديدا، وصار عتبة بن ربيعة يضرب أبا بكر بنعلين مخصوفتين، أي مطبقتين، ويحرفهما إلى وجهه حتى صار لا يعرف أنفه من وجهه، فجاءت بنو تيم يتعادون، فأجلت المشركين عن أبي بكر وحملوه في ثوب إلى أن أدخلوه منزله، ولا يشكُّون في موته، ثم رجعوا فدخلوا المسجد الحرام، فقالوا والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة، ثم رجعوا إلى أبي بكر وصار والده أبو قحافة وبنو تيم يكلمونه فلا يجيب، حتى إذا كان آخر النهار تكلم وقال: ما فعل رسول الله ، فعذلوه، فصار يكرر ذلك، فقالت أمه والله ما لي علم بصاحبك، فقال اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب أخت عمر بن الخطاب، كانت أسلمت ولكنها كانت تخفي إسلامها، فأسأليها عنه ، فخرجت إليها وقالت لها، إن أبا بكر يسأل عن محمد بن عبد الله ، فقالت: لا أعرف محمدا ولا أبا بكر، ثم قالت لها: تريدين أن أخرج معك؟ قالت: نعم، فخرجت معها إلى أن جاءت أبا بكر (رضي الله عنه) فوجدته صريعا، فصاحت وقالت إن قوما نالوا هذا منك لأهل فِسق، وإني لأرجو أن ينتقم الله منهم، فقال لها أبو بكر: ما فعل رسول الله ؟ فقالت له: هذه أمك تسمع، قال: فلا عين عليك منها، أي أنها لا تفشي سرك، قالت: سالم، فقال: أين هو؟ فقالت: في دار الأرقم، فقال: والله لا أذوق طعاما ولا أشرب شرابا أو آتي رسول الله ، قالت أمه: فأمهلناه حتى إذا هدَّأت الرجل وسكن الناس فخرجنا به يتكئ عليّ حتى دخل على رسول الله ، فرق له رقة شديدة، وأكب عليه يقبله، وأكب عليه المسلمون كذلك، فقال: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، ما بي من بأس إلا ما نال الناس من وجهي، وهذه أمي بارة بولدها، فعسى الله أن ينقذها بك من النار، فدعا لها رسول الله ودعاها إلى الإسلام فأسلمت. هكذا صارت أم أبي بكر من الذين أسلموا في أوائل الإسلام. (السيرة الحلبية ج1، باب استخفائه وأصحابه في دار الأرقم) (من خطبة الجمعة لأمير المؤمنين حضرة ميرزا مسرور أحمد نصره الله بتاريخ 03/12/2021)

روت فاطمة بنت الخطاب -رضي اللَّه عنها- عن النبي ﷺ عدة أحاديث ومن ذلك ما روى الواقدي عن فاطمة بنت مسلم الأشجعية، عن فاطمة الخزاعية، عن فاطمة بنت الخطاب- أنها سمعت رسول الله – يقول: "لا تزال أمتي بخير ما لم يظهر فيهم حب الدنيا في علماء فساق، وقراء جهال، وجبابرة؛ فإذا ظهرت خشيت أن يعمهم الله بعقاب".