ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 31/12/2021



 بسم الله الرحمن الرحيم

فيما يلي ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 31/12/2021 الجاري والتي استهلها بقوله تعالى:

"إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" ثم قال:

تشير هذه الآية إلى واقعة غار ثور وعنها يقول سيدنا المصلح الموعود رضي الله عنه:

"عندما أمر الله رسوله بالهجرة اصطحب أبا بكر وخرج إلى جبل ثور على مسافة ستة أميال من مكة، واختبأ في غار في قمة الجبل. وفي الصباح لما لم يجده الكافرون في بيته، خرجوا يبحثون عنه مستعينين بأفضل قصّاصي الأثر فوصل بهم إلى مدخل الغار متتبعًا آثارهما، وقال: إذا كان محمد في مكان على الأرض فهو هنا، إذ لا أجد آثار الأقدام بعد ذلك. كان العدو واقفا على رأس الغار ولم يكن مدخله ضيقا حتى يصعب عليهم أن يطلّوا منه إلى الداخل ليروا ما إذا كان بداخله أحد أم لا، ورغم ذلك لم يصب النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - خوف ولا ذعر، بل إن قوته القدسية قد جعلت قلب أبي بكر أيضًا قويًا فلم يقل كأصحاب موسى {إنّا لَمُدْرَكون} بل قال: يا رسول الله، لقد اقترب العدو منا جدا بحيث لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا. فقال له النبي  صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر، ما ظنُّك باثنين اللهُ ثالثهما"، أي لسنا اثنين بل إن الله معنا، فكيف يمكن أن يرونا؟ وهذا ما حصل بالضبط، فبرغم أن الأعداء كانوا قد وصلوا إلى مدخل الغار إلا أنهم لم يتقدموا ليطلّوا داخله، بل رجعوا متأسفين حانقين.

لقد قال أصحاب موسى عليه السلام مذعورين {إنّا لمدرَكون}، أي أنهم ظنوا أن فرعون سيقبض على موسى معهم، ولكن توكُّل النبي صلى الله عليه وسلم على ربه قد أثّر في صاحبه أيضا فلم يقل "إنا لمدرَكون" بل قال: لقد اقترب منا العدو بحيث يستطيع أن يرانا. ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرض بهذا الظن أيضا وقال: لا تظنّ هكذا، فإننا لسنا وحدنا بل نحن ثلاثة حيث إن الله معنا".

ويقول سيدنا المسيح الموعود عليه السلام:

"لقد ظهر صدق أبي بكر رضي الله عنه عند حلول تلك المصيبة حين حوصر النبي صلى الله عليه وسلم. لا شك أن بعض الكفار كانوا يريدون إخراجه، ولكن أكثرهم اتفقوا على الهدف الأصلي وهو قتله. وفي هذا الوضع العصيب قدَّم أبو بكر رضي الله عنه نموذج صدقه ووفائه الذي سيبقى أسوة إلى يوم القيامة. إن اختيار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه في ساعة العسرة هذه يشكل دليلا قويا على صدقه وعظيم وفائه.

كان عند نبينا صلى الله عليه وسلم آنذاك ما بين 70 إلى 80 صحابيا، بمن فيهم سيدنا علي رضي الله عنهم، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يختر لرفاقته منهم إلا أبا بكر. إن الله نفسه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالكشف والإلهام أن خير رجل لهذه المهمة هو أبو بكر رضي الله عنه. لقد رافقه أبو بكر في ساعة العسرة تلك، وكان وقت ابتلاء خطير. عندما أتى على المسيح عليه السلام مثل هذا الوقت العصيب خذله تلاميذه وهربوا منه، بل لعنه أحدهم، ولكن كل واحد من الصحابة الكرام قدَّم نموذج وفاء تامّ.

اختفى النبيّ صلى الله عليه وسلم في غار يسمى غار ثور، ووصل إلى الغار الكفار الأشرار الذين قد تآمروا على إيذائه، فقال أبو بكر: لقد وصل العدو على رأسنا تماما. ولو نظر أحدهم إلى الوراء قليلا فسوف يرانا ويقبض علينا. فقال صلى الله عليه وسلم: لا تحزن إن الله معنا. فكروا في هذه الكلمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد ضمَّ فيها أبا بكر إليه، وقال: إن الله معنا، أي أن الله معك ومعي أيضا، لقد جعل الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم في كفةٍ والصدّيق في كفة أخرى. كان الاثنان في ابتلاء في ذلك الوقت، لأنه الموقف الذي كان سيوضع فيه أساس الإسلام أو يقضى عليه. كان العدوّ موجودا على الغار، وكان كل واحد يدلي برأيه، فقال بعضهم: علينا أن نفتش الغار، لأن آثار الأقدام تنتهي إليها وتختفي، ولكن قال بعضهم أنى لإنسان أن يدخل في هذه المغارة؟ ذلك أن العنكبوت كان قد نسج بيته وكانت الحمامة قد باضت، وكانت أصواتهم هذه تصل داخل المغارة، وكانا يسمعانها بكل وضوح. لقد جاء العدو للقضاء عليهما، وجاءوا مشرعين كالمجانين، ولكن انظروا إلى كمال شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقول لرفيقه الصادق والعدو على رأسهما: لا تحزن إن الله معنا. هذه الكلمات تكشف بجلاء تامّ أنه قد أدّى هذه الكلمات بلسانه، لأنها تتطلب صوتا مسموعا، لأن الإشارة لا تحقق الغرض منها. وكان العدو يتشاور في الخارج والخادم ومخدومه يتحاوران داخل المغارة، غير مباليين أن العدو سيسمعهما، وهذا يدل على كمال الإيمان بالله تعالى ومعرفته. وتكفي هذه الواقعة نموذجا على شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي ختام الخطبة قال أمير المؤمنين نصره الله:

نسأل الله أن يجعل العام الجديد مباركا من جميع النواحي وأن يحمي الجماعة من كافة أنواع الشرور ونسأله تعالى أن نرى تحقق وعود الله للمسيح الموعود عليه السلام في حياتنا. ادخلوا السنة الجديدة بالدعاء واهتموا بالتهجد وأكثروا من الصلاة على النبي والاستغفار والدعاء: "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب" و"رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ"، ثم أعلن أنه سيصلي الغائب على بعض المرحومين وذكر نبذة من حياتهم.