السؤال: لماذا يجيز الإسلام زواج الأقارب إذا كان علم الوراثة يكشف أن مثل هذا الزواج يتسبب بأضرار وتشوهات للأجنة؟



 

الجواب لحضرة خليفة المسيح الرابع (رحمه الله) في جلسة أسئلة وأجوبة عقدت في مسجد الفضل بلندن بتاريخ 24/11/1984:

 

 

لا يدّعي علم الوراثة ما تقوله بل يخبرنا فقط أنه إذا استمر زواج الأخ من الأخت فمع تطور الحياة، ثمة احتمال كبير أن تموت جميع الحيوانات المنوية دون جدوى... هذا ما يخبرنا به علم الوراثة. وفي حالة أخرى تخبرنا نظرية علم الوراثة أو تكشف دراسة قوانين الوراثة عن احتمال وجود صفتين وراثيتين فتتضاعف الصفات المتشابهة، وإذا كانت الصفات الوراثية جيدة، فستتولد صفات وراثية جيدة والعكس صحيح في حال الصفات الوراثية السيئة، حيث يمكن أن تصل لمرحلة شديدة الخطورة، فهذا صحيح أيضًا ولكن هذا لا يقتصر فقط على الزواج بين الأقارب لأننا نعرف بعض العائلات التي تتزوج فيما بينها منذ قرون عديدة وحتى الآن... في باكستان وفي الهند وفي بعض الأماكن، حيث تتزاوج بعض عائلات "السيد" فيما بينها وكل شيء على ما يرام. ثم هناك التزاوج بين الخيول العربية وهي عادة تمارس منذ 1400 عام عندما أمر حضرة محمد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) العرب بتزويج الخيول العربية من بعضها. فبعض المخلوقات يجب أن تستمر في التزاوج فيما بينها وقد كانت النتيجة الحصول على الحصان العربي الجميل الذي نراه اليوم. وجميع العلماء المتخصصين في هذا الموضوع يقولون إن حضرة محمد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) لم يقدم معروفًا كبيرًا للخيول فحسب وإنما للبشرية أيضًا لأن جميع خيول اليوم ذات الصفات الممتازة هي نتيجة مباشرة لتزاوج الخيول العربية فيما بينها وقد حدث هذا بأمرٍ من رسول الله محمد المصطفى (صلى الله عليه وسلم). لا يوجد خيل أصيل في العصر الحديث ليس فيه دم عربي. جميع الخيول الأصيلة من سلالات عربية وهذا بفضل التزاوج فيما بينها.

تتولد بعض التشوهات عبر الزواج ولكن هذا ليس في زواج الأقارب فقط وإنما بالزواج من الخارج أيضًا. لذلك ما لم تثبِت أن التشوهات تحدث في حالة واحدة فقط وبصورة أكبر بكثير من الحالات الأخرى فلا ينبغي القول بضرورة رفضها.

فهذا يحدث في بعض الحالات الأخرى حيث لا يوجد صلة قرابة بين الأزواج، على سبيل المثال إذا تزوج رجلٌ مصاب بالسكري من امرأة مصابة بداء السكري، فهناك احتمال كبير بأن يولد بعض أطفالهم على الأقل، إن لم يكن جميعهم، مصابين بالسكري. ويعتقد بعض العلماء أن كل طفل سيصاب بمرض السكر في حال كان والديه مصابان بمرض السكر، وهما ليسا قريبين ولكنهما يحملان جينات ذلك المرض.

 

لذلك يمكن أن يأتي ذلك من الزواج من خارج الأقارب أيضًا. الحقيقة العلمية هي العدالة في أنه إذا كان هناك من يحمل صفة وراثية لمرض معين وصادف هذا الجين صفة وراثية مماثلة في الجنس الآخر، فهناك احتمال كبير أن تتكاثر هذه الصفة ولكن هناك أيضًا احتمال تكاثر الصفات الجيدة.

علاوة على ذلك، لا تخلط بين "الجائز" وبين "الأمر"، فالقرآن الكريم أو الإسلام قد أباح زواج الأقارب ولكنه لم يأمر به، كما أنه لم يشجع على الزواج من خارج الأقارب فحسب وإنما من الأعراق الأخرى فقد قضى الإسلام على جميع حواجز العرق والدين في الزواج باستثناء واحد أو باستثناءات قليلة مثل الزواج من المشرك فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج من مشرك والعكس صحيح. وهذا أمر مختلف، لكن اختلاف العرق واللون لا يلعب أي دور في نظام الزواج في الإسلام. لذا، إذا سمح الإسلام بزواج الأقارب، فهو لم يجز الزواج من خارج العائلة فحسب، بل أجاز الزواج من أقوام أخرى أيضا، مما يؤدي إلى تجديد الدم دائمًا وبالتالي تصبح احتمالات ولادة أطفال مشوهين بعيدة، وهذا هو بالضبط ما يحدث.

السائل: لكن إذا تزوج اثنان من أبناء العمومة فإن احتمالية الإجهاض أو الوفاة قبل الولادة تكون أكبر.

حضرة الخليفة الرابع (رحمه الله): عملت طبيبًا في طب العلاج بالمثل (الهميوباثي) -على الرغم من أن ادعائي بأنني طبيب لن يقبله أطباء الطب الألوباثي- ولكن بصفتي معالجًا بالهميوباثي، فقد أمضيت في ممارسة هذا الطب 25 عامًا وأحيانًا أقوم بذلك الآن إلى جانب عملي الروتيني اليومي للجماعة، وكنت أرى أحيانًا حوالي 100 مريض في اليوم وقد صادفت العديد من الحالات التي لم يكن فيها الزواج بين الأقارب وقد ولد الطفل مشوهًا أو توفي مبكرًا أو قبل الولادة. وعندما قمنا بفحص دم الوالدين تم اكتشاف الأسباب ولكن هذا لم يكن بالضرورة لأن الوالدين أبناء عمومة، وإنما لأنهما يحملان جينات معينة، فمثل هذه الأمور يمكن أن تحدث في كل مكان.

ولما كان الإسلام يجيز زواج الأقارب فإنه أيضًا لا يمنعك من الزواج من خارج العائلة وفي كثير من الأحيان تتزوج في الخارج أيضًا حتى يتجدد الدم جيلًا بعد جيل.