ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 11/03/2022



  

بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 11/03/2022، حيث تابع الحديث عن سيدنا أبي بكر الصديق t وقال:

بعد استخلافه واجه مشاكل كثيرة أولها صدمة وفاة النبي ﷺ فقد صار الصحابة كالمجانين من شدة الغم ووقعوا في حيرة شديدة هل توفي النبي حقًا أم لا؟ وأوشكوا من شدة حبهم له أن ينسوا الدرس الأول للتوحيد بظنهم أنه لا يمكن أن يموت، وفي هذه المرحلة الحرجة جاء أبو بكر إلى المسجد وقال: "من كان منكم يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات ومن كان منكم يعبد الله فإن الله حيٌ لا يموت" ثم تلا قوله تعالى: "مَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ".

يقول سيدنا المسيح الموعود u: "لقد فند أبو بكر بذلك جميع الأفكار التي كانت قد نشأت في قلوب بعض الصحابة عن حياة النبي ﷺ مستدلًا بآية قرآنية، كما استأصل فكرة حياة المسيح الموجودة في قلوب البعض نتيجة عدم التدبّر الكامل في الأحاديث".

وكان الخطر الثاني الكبير بعد وفاة النبيﷺ إصرار الأنصار على أن يكون الأمير منهم وإصرار  المهاجرين على أن يكون الأمير منهم وكاد الأمر يصل إلى الاقتتال، وفي هذه المرحلة الحرجة وضع الله تأثيرًا في لسان أبي بكر ووحّد قلوب الناس، يقول سيدنا المسيح الموعود u:

"وكما كان بنو إسرائيل مطيعي يشوع بن نون بعد وفاة موسى u ولم يختلفوا معه وأبدى الجميع طاعته، فقد ظهر الحادثُ نفسه لأبي بكر t أيضا؛ إذ قبِل الصحابة كلهم خلافته برغبة قلبية."

والفتنة الثالثة التي احتواها أبو بكر هي إنفاذ جيش أسامة، كان رسول الله ﷺ قد جهز هذا الجيش لإرساله لحدود الشام بعد غزوة مؤتة حيث صارت نوايا الرومان تجاه المسلمين خطيرة للغاية وبدأوا يستعدون للتقدم على الحدود العربية. ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أسامة بالخروج إلى الشام. كَانَ تَجْهِيز أُسَامَة قَبْل مَوْت النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَوْمَيْنِ، وَكَانَ اِبْتِدَاء ذَلِكَ قَبْل مَرَضه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَدَبَ النَّاس لِغَزْوِ الرُّوم فِي آخِر صَفَر، وَدَعَا أُسَامَة فَقَالَ: سِرْ إِلَى مَوْضِع مَقْتَل أَبِيك فَأَوْطِئْهُمْ الْخَيْل، فَقَدْ وَلَّيْتُك هَذَا الْجَيْش، فأغر صباحا على أهل أُبنى وأسرع السير تسبق الأخبار، فإن ظفرك الله فأقلل اللبث فيهم وخذ معك الأدلّاء وقدم العيون والطلائع أمامك. ثم عقد لأسامة لواءً بيده ثم قال: اغزُ بسم الله في سبيل الله فقاتل من كفر بالله! فخرج أسامة بلوائه فدفعه إلى بريدة بن الحصيب وعسكر بالجرف فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأولين والأنصار إلا انتدب في تلك الغزوة وفيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة وغيرهم، فتكلم قومٌ وقالوا: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين الأولين! فغضب رسول اللهﷺ وصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ولئن طعنتم في إمارتي أسامة، لقد طعنتم في إمارتي أباه من قبله! وأيم الله إنه كان للإمارة لخليقا وإن ابنه من بعده لخليق للإمارة وإنه لمن أحب الناس إلي، فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم! فجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ويمضون إلى العسكر بالجرف، وثقل رسول الله، فجعل يقول: أنفذوا بعث أسامة! فلما كان يوم الأحد اشتد برسول الله وجعه فدخل أسامة من معسكره والنبي مغمور، فقبله ورسول الله، صلى الله عليه وسلم، لا يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على أسامة الذي قال: فعرفت أنه يدعو لي؛ ورجع أسامة إلى معسكره ثم دخل يوم الإثنين وأصبح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مفيقا، فقال له: اغد على بركة الله! فودعه أسامة وخرج إلى معسكره فأمر الناس بالرحيل؛ فبينا هم كذلك إذا رسول أمه أم أيمن قد جاءه يقول: إن رسول الله يموت! فأقبل وأقبل معه عمر وأبو عبيدة فانتهوا إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يموت فتوفي يوم الإثنين ودخل المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة. فلما بويع لأبي بكر أمر أن يخرج كل الجيش الذي كان مع أسامة وأن لا يبقى أحد منهم في المدينة، لكن بعد وفاة النبي، صلى الله عليه وسلم، ارتدت العرب من كل قبيلة، وظهر النفاق، واشرأبت اليهود والنصارى، وبقي المسلمون كالغنم في الليلة المطيرة لفقد نبيهم وقلتهم وكثرة عدوهم. فقال الناس لأبي بكر: إن جيش أسامة جند المسلمين، والعرب قد انتقضت بك فلا ينبغي أن تفرق جماعة المسلمين عنك. فقال أبو بكر: والذي نفسي بيده لو ظننت أن السباع تختطفني لأنفذت جيش أسامة كما أمر النبي، صلى الله عليه وسلم.

يقول المصلح الموعود t:

عندما ارتدَّ العرب بعد وفاة النبيﷺ، فكّر الصحابة أنه إذا أُرسل جيش أسامة إلى بلاد نائية في هذه الحالة من التمرد لن يبقى في المدينة إلا العجائز والأطفال والنساء، ولن تكون هناك أسباب كافية لحماية المدينة. فاتفقوا على أن يذهب وفد من كبار الصحابة إلى أبي بكر ويلتمسوا منه ألا يُرسل الجيش إلى أن يخمد التمرُّد. فذهب إليه عمر والصحابة الكبار الآخرون وقدّموا هذا الطلب. فردّ عليهم غاضبا: هل تريدون أن يكون أول عمل ابن أبي قحافة بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يوقف جيشا أمر النبي بإرساله؟ والله لو اقتحم جيش العدو المدينة ونهشت الكلاب جثث المسلمين والمسلمات لن أوقف جيشا أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بإرساله.

حين اجتمع جيشُ أسامة في موضع الجرف، ذهب أبو بكر t بنفسه واستعرض الجيش ونظَّمه، كان أسامة راكبا والخليفة يمشي معه، فقال أسامة يا: خليفة رسول الله، إما أن تركب وإما أن أنزل، فقال أبو بكر t: لا أركب ولا تنزل، ما علي لو غبرت قدمي في سبيل الله ساعة؟!كان أبو بكر يحتاج إلى عمر رضي الله عنهما في المدينة لبعض الأمور فلم يحبسه بنفسه بل استأذن أسامةَ أن يخلِّف عمر في المدينة فلبَّى أسامةُ الخليفة وترك عمر في المدينة.

وفي ختام الخطبة لفت أمير المؤمنين نصره الله الانتباه مرة أخرى إلى الدعاء من أجل الوضع الحالي في العالم ودعا الله أن يهب الحكومات العقل ليتجنبوا إراقة الدماء وقال إن على المسلمين أن يتعلموا الدرس من الوضع الحالي حيث أصبح العالم موحدا ولكن المسلمين لا يزالوا متشرذمين ولن يتحقق اتحادهم إلا إذا آمنوا بإمام الزمان، ودعا الله أن يوفقهم لذلك وأن يهبهم العقل حتى يستخدموا وسائلهم لمنع الحروب وليس المشاركة فيها، ثم أعلن أنه سيصلي الغائب على المرحومة سيدة قريشي ظفر هاشمي وذكر نبذة من حياتها.