السيدة سلمى مبارك خان – المملكة المتحدة



  

نشأت وترعرعت وسط عائلة مسيحية في يوركشير في إنكلترا، وكنت الأخت الكبرى لثلاث شقيقيات، وكان جدي من جهة والدتي واعظًا في الكنيسة الميثودية وتشاركه جدتي في كثيرٍ من أنشطة الكنيسة،كما كانت والدتي تشرف على المجموعة المختصة بالدراما في الكنيسة وكان والدي يدير أمور فرقة الأولاد في الكنيسة.

 حين بلغت سن المراهقة صرت معلمة في مدرسة يوم الأحد وكنت في بعض الأحيان أحضر الصلوات المسيحية عطلة نهاية الأسبوع، وكان ذلك تحديدا وأنا في سن السادسة أو السابعة عشر. كنا نحضر الخطب وأفلام الأعمال التبشيرية التي تتم في وادي زامبيا في إفريقيا وكان لهذا تأثير عميق علي فكتبت هذا الشعر آنذاك وأسميته:

الاتجاه:

"قال المبشر لكل من كان هناك

نحن بحاجة لمساعدين، لأننا مثقلون بالرعاية

ونحتاج أيضا للكثير من الممرضات والأطباء

فبدأ قلبي يدق بسرعة، وعرفت ماذا سأفعل

ذهبت لغرفتي وجثوت قرب السرير

وقلت للخالق بصوتٍ خافت:

"يا إلهي أرجو منك إرشادي وتقويتي

وسأفعل بكل طاقتي كل ما تطلبه مني"

سرعان ما تلاشت جميع مخاوفي وشكوكي

فعرفت حينها رغبة رب السماء

لقد أرادني أن أتدرب كممرضة

ثم أذهب لمساعدة الأفارقة الذين أحوالهم أسوأ من حالنا

لأريهم حب ومواساة المسيحية

وأعلمهم عن ربنا المسيح في السماء.

أعرف أنني مذنبة وضعيفة

ولست بمقام خدمة الرب ولكنني سأسأله أن يقويني

وهو سيرى حاجتي الملحة بحكمته

وسأقتات على طعامه الروحاني،

فطاعةً لنداء ربي

سأذهب بحب وأقدم كل ما أستطيع"

تم إخباري أنني لا أستطيع امتهان التمريض لأنني أعاني من مرض الأكزيما الجلدي ومرض الربو، وعلى الرغم من ذلك قدمت لدراسة التمريض بسبب قوة قناعتي الجديدة وأصبحت طالبة في هذا المجال بعد عيد ميلادي الثامن عشر بمدة وجيزة، وبفضل الله، لم تقف الأمراض التي أعاني منها عائقًا في طريقي أبدًا.

في عملي الأول، اخترت العمل في قسم الحالات الخطيرة كممرضة بكفاءة ومؤهلات عالية، وأتذكر أننا عانينا في ذلك الشتاء من إصابة كبار السن بنوبة زكام حادة خلفت الكثير من الوفيات، وفي معظم الأحيان كان علينا أن نعمل بجد لإنعاش المرضى الذين انهاروا وتوقفوا عن التنفس وكنا إن نجحنا في ذلك نحيي ونبارك لبعضنا بعضًا.

قابلت في عملي طبيبا شابًا وبينما كنا نصرخ بفرح على إنجازاتنا، كان هو يقول بكل هدوء "الحمد لله" فسألته عن معنى ما يقوله فجاوبني بأنه يحمد الله، فشعرت بالخجل لكنني وافقته الرأي.

بعد المزيد من النقاشات بيننا عندما كنا نجد الوقت لذلك، أخبرني أنه مسلم، فشعرت بالشفقة عليه أن شابًا متدينًا لطيفًا مثله لم يتم تعريفه بالدين المسيحي!.

يا لقلة معرفتي! لقد كان في غاية الذكاء وكان يعرف أكثر مني! وقال لي أني إن أقنعته بصدق الدين المسيحي وتفوقه على الإسلام فهو مستعدٌ لاعتناقه، وكان يعرف بأن هذا الأمر "مهمة مستحيلة". وبحماس المبشر بدأت بمحاولة تنصيره فلم لا أبدأ بالتدرب على ذلك قبل ذهابي إلى إفريقيا؟

وسرعان ما انقلب السحر على الساحر، في البداية شعرت بمزاج سيء ثم أصبت بالغضب من كوني لم أستطع الرد على أشياء أساسية وبسيطة، لم أفهم معنى الثالوث قط وصنفته كأمر غير ذي أهمية حتى ذلك الحين.

كنت عضوة في منظمة الممرضات المسيحية وانتقلت من ممثل عن الدين المسيحي إلى آخر باحثة عن إجابات لهذه الأسئلة، من الكنيسة الإنجليزية إلى الميثودية والكاثوليكية الرومانية والمعمدانيين وجيش الخلاص. مررت بجميع المتحدثين باسم الكنائس الرئيسية واحدًا تلو الآخر ولكن لم يستطع أحد إجابتي بشكل مقنع حول الثالوث أو الكفارة.

وكانوا يقولون لي: "سندعوا لك يا أختي، تمسكي بالإيمان" ‏وحينها أدركت أن إيماني بالدين المسيحي بدأ يتزعزع، ونتيجة لذلك شعرت بالغضب الشديد. فقرأت كتبًا حول الهندوسية والبوذية واليهودية وقرأت كارهةً عن الإسلام كتيبًا صغيرًا بعنوان "الموت على الصليب" من تأليف الداعية أبو العطا الجالندهري، وقد حطم هذا الكتيب آخر آمالي في التشبث بالدين المسيحي، ثم بدأت الصدق مع نفسي وصليت للرب طالبة العون والتوجيه. كنت قد قبلت الإسلام في قلبي وآمنت بسيدنا محمد ﷺ وبالمسيح الموعود عليه السلام، ولما عرفت أن الإسلام آخر الشرائع، أدركت أنني كنت أقرأ أمورا قديمة عفا عليها الزمن وليس آخر توجيهات أرسلها الله إلينا مع خاتم الأنبياء والرسل.

تطلب الأمر مني بضعة أشهر لاستجماع قواي وشرح مشاعري لعائلتي، فاستاؤوا جدًا ورفضوا مناقشة آرائي الجديدة وقالوا لي كم سيكون الأمر مروعًا لو كان جدي الغالي لايزال على قيد الحياة ولكن بمجرد سماعي ذلك، تبادر إلى ذهني ذكرى كنت قد نسيتها تمامًا وقد أثلج تذكرها صدري، فحين كنت في العاشرة من عمري كنت أرافق جدي بعد أن ألقى موعظة المساء في كنيسة صغيرة في قرية، وبعد خدمة يوم الأحد عندما كان المصلون يناقشون ما قيل في الوعظ حول بعثة المسيح الثانية، أتذكر جيدًا أن أحدهم قال: "إذا جاء المسيح الآن فلن نكفر به كما فعل اليهود"، وذكر عضو آخر من أعضاء الكنيسة أن رجلاً من الهند ادعى بأنه المسيح الموعود وعلق على الأمر بازدراء فقال له جدي بهدوء: "وأنى لنا أن نعرف أنه ليس كذلك؟". لقد تبادرت تلك الذكرى إلى ذهني حين كنت في أشد الحاجة للطمأنينة وشعرت لو أن جدي كان لا يزال على قيد الحياة لدعمني.

بايعت رسميا في السنة الأخيرة من خلافة خليفة المسيح الثاني رضي الله عنه، وبعد بضعة أشهر تزوجت ذلك الطبيب اليافع الذي عرفني على روعة الدين الإسلامي، وتحول غضبي ورغبتي في إثبات خطأه إلى حب وامتنان، وصار لدينا أربع أطفال وبركات الله تتنزل علينا بكثرة.

بعد إسلامي كتبت تتمة لقصيدة "الاتجاه" التي كتبتها حين كنت مسيحية وأسميتها "التصحيح" وقد عبرت فيها عن مشاعري الحقيقية:

التصحيح

تدربت كما ينبغي ثم تبين لي

أنني لم أكن متأكدة من النجاح.

لطالما رافقتني الشكوك والمخاوف..

كل هذه التغييرات في بضع سنين

ضجّ رأسي بأفكار متناقضة

لكن الله الرؤوف الرحيم

أراني الحقيقة المخفية

فاتبعت كل ما طلبه مني

وأُسمع الصم مرة ثانية

وحلّ بريق الأمل محل دمع العيون

وسرتُ متهادية

نحو نور الشمس الساطع

الحمد لله! أنه أعطاني البصيرة

وأزال كل الشكوك والنفاق

لقد دعوته فقط..

فأرشدني وغفر لي ماضيّ

إن قلبي ممتلئ بالامتنان له

فقد اعتني بشخصٍ جاهل

ممتلء بالخطايا والذنوب

ولكنه هداني بكل محبة

نحو الصراط الذي علي أن أسير نحوه

إن أردت الوصول إلى تلك السعادة الغامرة

لقد صار لي مسلمة أحمدية منذ قرابة الخمسين عاما، وكان زواجي سعيدا إلى أن انتقل زوجي الطبيب سعيد أحمد خان لرحمته تعالى قبل حوالي ستة عشرة عاما. وقبل وفاته حبانا الله بفرصة الذهاب معًا إلى غامبيا والعمل في عيادة للأمراض الجلدية ضمن الوقف العرضي  لمدة شهر واحد السنة على مدار عدة سنوات، وبالتالي فقد تم الوفاء بوعدي القديم في مساعدة إفريقيا حتى وإن كانت خدمة صغيرة فأنا ممتنة للأبد لله الرؤوف الرحيم.

وفي مقدمة كتيب "الموت على الصليب" والذي كان أداة فعالة في اعتناق السيدة سلمى خان للإسلام، كتب إمام مسجد لندن السيد عطاء المجيب راشد في 07/08/2010:

“ 

"أود أن أقتبس مثالا لأثر كتاب "الموت على الصليب" على حياة السيدة المسيحية سلمى خان فقد أخبرتني أنه حين أعطاها الطبيب الراحل سعيد خان هذا الكتيب لتقرأه أثناء قيامه بتبليغها الإسلام، زعزع هذا الكتاب أركان إيمانها وقالت أنه بعد أن قرأته أدركت ضرورة أخذ الحجج المطروحة فيه بجدية، وقالت بإنه كان نقلة نوعية في رحلتها الروحانية نحو الإسلام. وأضحت أنها بعد دراسة هذا الكتيب أخذت عقيدة حياة المسيح ووفاته بجدية وحين اقتنعت بفضل الله تعالى، قررت اعتناق الإسلام. ويسرني أن أضيف أن السيدة سلمى خان كانت داعية مخلصة وذات طاقة عالية لنشر دعوة الإسلام. وقد انضم كثير من الإنجليز إلى الإسلام بفضل جهودها، أدعو الله تعالى أن يمدها بالعمر المديد ويكلل سعيها النبيل بالنجاح.