صفية بنت عبد المطلب (رضي الله عنها)
صفية بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف صحابية وشاعرة ومن رواة الحديث، وهي عمة النبي صلى الله عليه وسلم، وأخت حمزة، وأم الزبير بن العوام رضي الله عنهم أجمعين.
وُلدت صَفِيَّةَ في مكة ونشأت بها.[تزوجت في الجاهلية من الحارث بن حرب بن أمية، ثّم تزوجها العوام بن خويلد أخي السيدة خديجة فأنجبت له الزبير بن العوام. قُتِل العوام في حرب الفِجار.
أسلمت صفية، وبايعت رسول الله، وهاجرت إلى المدينة وقال ابن حجر العسقلاني: "هاجرت مع ولدها الزبير".
ورد في "الاستيعاب في معرفة الأصحاب" أنها شهدت مع النبي ﷺ المشاهد كلها، وفي غزوة خيبر، ذكر ابن إسحاق: أَنَّ أَخَا مَرْحَبٍ، وَهُوَ يَاسِرٌ، خَرَجَ بَعْدَهُ وَهُوَ يَقُولُ: هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ؟ فَزَعَمَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنَّ الزُّبَيْرَ خَرَجَ لَهُ، فَقَالَتْ أُمُّهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: يَقْتُلُ ابْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ: «بَلِ ابْنُكِ يَقْتُلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ». فَالْتَقَيَا فَقَتَلَهُ الزُّبَيْرُ. قَالَ: فَكَانَ الزُّبَيْرُ إِذَا قِيلَ لَهُ: وَاللَّهِ إِنْ كَانَ سَيْفُكَ يَوْمَئِذٍ لَصَارِمًا، يَقُولُ: وَاللَّهِ مَاكَانَ صَارِمًا، وَلَكِنِّي أَكْرَهْتُه" (البداية والنهاية لابن كثير).
"أسلم الزبير بعد إسلام أبي بكر رضي الله عنه. كان الرابع أو الخامس بين أوائل المسلمين. لقد أسلم وهو ابن اثنيْ عشرة سنة. وفي رواية أنه أسلم وسنه ثماني سنوات أو ست عشرة سنة.
كان الزبير من العشرة السعداء الذين بشّرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في حياتهم، وكان أحد الستة الذين عيّنهم سيدنا عمر رضي الله عنه قبل وفاته من أجل الشورى لانتخاب الخليفة بعده.
لما مات العوَّام والدُ الزبير كان نوفل بن خويلد يلي ابنَ أخيه الزبيرَ، وكانت صفية تضرب الزبير وهو صغير، وتغلظ عليه، فعاتبَها نوفل وقال: ما هكذا يُضرَب الولد، إنك لتضربينه ضربَ مُبْغِضةٍ. فرجزتْ به صفيةُ:
مَن قال إني أبغضه فقد كذبْ
وإنما أضربه لكي يلبْ
ويهزم الجيش ويأتي بالسلبْ
ولا يكن لماله خبأ مخب،
يأكل في البيت من تمر وحب.
على كل حال، هكذا كان تفكيرها وأسلوب تربيتها للأولاد لجعلهم شجعانا. ولكن ليس ضروريا أن يكون هذا الأسلوب أسلوبا جيدا جدا، لأننا نرى عموما اليوم أن هذا الأسلوب لتربية الأولاد يصيبهم بنقصان الثقة بالنفس. على كل حال، إن الله تعالى حفظ الزبير من التأثير السلبي لذلك الضرب والقسوة. إن الأمومة شيء معروف، فالأم لا تضرب فقط بل تشمل أولادها بحبها وحنانها أيضا، والأحداث التالية أكدت أن الزبير تحلى بالشجاعة والبسالة بالفعل....
حدّث هشام بن عروة عن أبيه قال: قاتلَ الزبير بمكة، وهو غلام، رجلا (ربما هذا الرجل قسا عليه) فكسر يده وضربه ضربا شديدا، فمُرّ بالرجل على صفية وهو يُحَمل، فقالت: ما شأنه؟ قالوا: قاتل الزبيرَ. (لم يخبروها من الخاطئ في الخصومة) فقالت فرحةً بشجاعة الزبير رضي الله عنه:
كيف رأيتَ زَبْرَا، أأقطًا حسبته أم تمرا، أم مشمعلًّا صقرا؟
أي كيف وجدت الزبير، هل ظننته جُبْنًا أو تمرا تأكله بسهولة وتعامله كما تشاء. لا بد أنك قد وجدته كالبازي المنقض على فريسته بسرعة.". (من خطبة الجمعة لسيدنا أمير المؤمنين نصره الله بتاريخ 21/08/2020).
لَمَّا نَزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا فَقَالَ يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ يَا صَفِيَّةُ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ (صحيح مسلم)
وفي رواية عن أبي هريرة ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا فاطمة بنت محمد، اشتري نفسك من النار فإني لا أملك لك شيئا، يا صفية بنت عبد المطلب، يا صفية عمة رسول الله اشتري نفسك من النار، فإني لا أملك لك شيئا، يا عائشة، اشتري نفسك من النار ولو بشق تمرة، يا عائشة لا يرجع من عندك سائل ولو بظلف محرق" (شعب الإيمان للبيهقي)
ورد في دلائل النبوة للبيهقي: أقبلت صفية بنت عبد المطلب لتنظر إلى حمزة بأُحد، وكان أخاها لأمها وأبيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنها الزبير: "القها فأرجعها، لا ترى ما بأخيها" فلقيها الزبير فقال: أي أمه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن ترجعي ، فقالت: "ولم؟ فقد بلغني أنه قد مُثّل بأخي، وذاك في الله لما أرضانا بما كان من ذلك، فلأحتسبن ولأصبرن إن شاء الله"، فلما جاء الزبير إليه فأخبره قول صفية قال: "خل سبيلها"، فأتته فنظرت إليه واسترجعت واستغفرت له، ثم أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن.
وورد فيه أيضا قصة أخرى تدل على شجاعتها وقد حدثت يوم الأحزاب:
"كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع، حصن حسان بن ثابت، وكان حسان بن ثابت مع النساء والصبيان حيث خندق النبي صلى الله عليه وسلم، قالت صفية: فمر بنا رجل من يهود، فجعل يطيف بالحصن، وقد حاربت بنو قريظة، وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم، لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم إذا أتانا آت، فقلت لحسان: إن هذا اليهودي يطيف بالحصن كما ترى، ولا آمنه أن يدل على عورتنا من وراءنا من يهود، وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانزل إليه فاقتله، فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، قالت صفية: فلما قال ذلك احتجزت عمودا، ثم نزلت من الحصن إليه؛ فضربته بالعمود حتى قتلته، ثم رجعت إلى الحصن فقلت: يا حسان، انزل فاستلبه، فإنه لم يمنعني أن أستلبه إلا أنه رجل، فقال: ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب قال: وحدثنا يونس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن صفية بنت عبد المطلب، مثله أو نحوه، وزاد فيه قال: "هي أول امرأة قتلت رجلا من المشركين"
قالت في رثاء النبي صلى الله عليه وسلم:
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا ... وكنت بنا براً ولم تك جافيا
وكنت رحيماً هادياً معلماً ... لبيك عليك اليوم من كان باكيا
لعمرك ما أبكي النبي لفقده ... ولكن لما أخشى من الهرج آتيا
كأن على قلبي لذكر محمد ... وما خفت من بعد النبي المكاويا
أفاطم صلى الله رب محمد ... على جدث أمسى بيثرب ثاويا
فدى لرسول الله أمي وخالتي ... وعمي وآبائي ونفسي وماليا
صدقت وبلغت الرسالة صادقاً ... ومت صليب العود أبلج صافيا
فلو أن رب الناس أبقى نبينا ... سعدنا ولكن أمره كان ماضيا
عليك من الله السلام تحية ... وأدخلت جنات من العدن راضيا
أرى حسنا أيتمته وتركته ... يبكي ويدعو جده اليوم نائيا
(الاستيعاب في معرفة الأصحاب)
تُوفِّيت صفية رضي الله عنها في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب سنة 20 هـ، ودُفنت بالبُقِيع.