ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في15/04/2022



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في الخامس عشر من إبريل/نيسان الجاري، حيث تابع الحديث عن سيدنا أبي بكر الصديق t وقال:

لم يعاقب أبا بكر المرتدين لارتدادهم بل بسبب تمردهم وإشعالهم الحرب وبهذا الصدد قال الحكم العدل المسيح الموعود عليه السلام:

"كان وقت الخوف والمصائب كما لا يخفى على أهل التحقيق. فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما تُوفّي نزلت المصائب على الإسلام والمسلمين، وارتد كثير من المنافقين، وتطاولت ألسنة المرتدين، وادعى النبوة نفرٌ من المفترين، واجتمع عليهم كثير من أهل البادية، حتى لحق بمسيلمة قريبٌ من مائة ألف من الجهَلة الفجَرة، وهاجت الفتن وكثرت المحن، وأحاطت البلايا قريبا وبعيدا، وزُلزل المؤمنون زلزالا شديدا. هنالك ابتُلِيت كل نفس من الناس، وظهرت حالات مُخوفة مدهشة الحواسّ، وكان المؤمنون مضطرين كأن جَمْرًا أُضرمت في قلوبهم أو ذُبحوا بالسكّين. وكانوا يبكون تارة من فراق خير البرية، وأخرى من فتن ظهرت كالنيران المحرقة، ولم يكن أثرًا من أمن، وغلبت المفتنون كخضراءِ دِمَنٍ، فزاد المؤمنون خوفًا وفزعًا، وملئت القلوب دهشا وجزعا. ففي ذلك الأوان جُعِل أبو بكر - رضي الله عنه - حاكم الزمان وخليفة خاتم النبيين. فغلب عليه همٌّ وغمٌّ من أطوار رآها، ومن آثار شاهدها في المنافقين والكافرين والمرتدين، وكان يبكي كمرابيع الربيع، وتجري عبراته كالينابيع، ويسأل الله خير الإسلام والمسلمين.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما جُعل أبي خليفة وفوّض الله إليه الإمارة، فرأى بمجرد الاستخلاف تموُّجَ الفتن من كل الأطراف، ومَوْرَ المتنبئين الكاذبين، وبغاوة المرتدين المنافقين. فصُبّت عليه مصائب لو صُبّت على الجبال لانهدت وسقطت وانكسرت في الحال، ولكنه أُعطي صبرا كالمرسَلين، حتى جاء نصر الله وقُتل المتنبئون وأُهلك المرتدون، وأُزيل الفتن ودُفع المحن، وقُضي الأمر واستقام أمر الخلافة، ونجّى الله المؤمنين من الآفة، وبدّل من بعد خوفهم أمنا، ومكّن لهم دينهم وأقام على الحق زمنا وسوّد وجوه المفسدين، وأنجز وعده ونصر عبده الصدّيق، وأباد الطواغيت والغرانيق، وألقى الرعب في قلوب الكفار، فانهزموا ورجعوا وتابوا وكان هذا وعد من الله القهار، وهو أصدق الصادقين".

لما أراح أسامة وجُنده ظَهْرَهم، قطع أبو بكر البعوث وعقد الألوية، فعقد أحد عشر لواء وأمر كل لواء بأحد المتمردين وأعوانه وكانت قرية (ذي القصة) مركز انطلاق الجيوش إلى مواطن الردة للقضاء عليها، وكان الجهاز العسكري لدولة الصديق متفوقًا على كل القوى العسكرية في الجزيرة وكان القائد العام لهذه الجيوش خالد بن الوليد صاحب العبقرية الفذة في حروب الردة، وكانت قبائل العدو متناثرة ولم تتحصن فعاجلهم الصديق قبل أن يستفحل أمرهم ويناصروا بعضهم.

ضمنت الخطة التعاون بين هذه الجيوش بحيث لاتعمل كأنها منفصلة تحت قيادة مستقلة وإنما هي رغم تباعد المكان جهاز واحد، واحتفظ الصديق بقوة تحمي المدينة  واحتفظ بعدد من كبار الصحابة ليستشيرهم في توجيه سياسة الدولة. وأدرك أن هناك جيوشاً من المسلمين داخل المناطق التي شملتها حركة العصيان والردة، فأمر قادته باستنفار من يمرون بهم من أهل القوة من المسلمين من جهة، وبضرورة تخلف بعضهم لحماية بلادهم من جهة أخرى. وطبق مبدأ الحرب خدعة مع المرتدين، فأظهر أن الجيوش تنوي شيئًا وهي في الحقيقة تستهدف شيئاً آخر، مما أظهر حنكته السياسية، والفتح الرباني في قيادته، ثم كتب رسالة إلى قبائل العرب، وقد ذكرها المسيح الموعود عليه السلام في كتابه سر الخلافة وهي كالتالي:

"بسم الله الرحمن الرحيم

مِن أبي بكر خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى من بلغه كتابي هذا من عامّة وخاصّة، أقام على إسلامه أو رجع عنه. سلام على من اتبع الهدى، ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى، فإني أحمد إليكم اللهَ الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، نقرّ بما جاء به، ونُكفّر مَن أبى ونجاهده.

أمّا بعد، فإن الله تعالى أرسل محمدا بالحق من عنده إلى خلقه بشيرًا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، لينذر من كان حيًّا ويحِقَّ القول على الكافرين. فهدى الله بالحق من أجاب إليه، وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أدبر عنه، حتى صار إلى الإسلام طوعا وكرها. ثم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد نفّذ لأمر الله ونصح لأُمّته وقضى الذي كان عليه. وكان الله قد بيّن له ذلك ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزل فقال: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}، وقال: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} وقال للمؤمنين: {وَمَا مُحَمّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} فمَن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله وحده لا شريك له، فإن الله له بالمرصاد. حيٌّ قيّومٌ، لا يموت، ولا تأخذه سِنَة ولا نوم، حافظٌ لأمره، منتقم مِن عدوّه يجزيه.

وإني أوصيكم بتقوى الله وحظّكم ونصيبكم من الله وما جاءكم به نبيّكم - صلى الله عليه وسلم - وأن تهتدوا بهداه، وأن تعتصموا بدين الله، فإن كل من لم يهده الله ضال، وكل من لم يعافِه لمبتلى، وكل من لم يُعِنْه مخذول. فمن هداه الله كان مهتديا، ومن أضلّه كان ضالا، قال الله تعالى: {مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُّضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدَا} ولم يُقبَل منه في الدنيا عمل حتى يقرّ به، ولم يُقبَل منه في الآخرة صرف ولا عدل.

وقد بلغني رجوع مَن رجع منكم عن دينه بعد أن أقرّ بالإسلام وعمِل به اغترارًا بالله وجهالةً بأمره وإجابةً للشيطان. قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظالِمِينَ بَدَلاً}، وقال: {إِن الشيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتّخِذَوهُ عَدُوًّا إِنّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}. وإني بعثتُ إليكم فلانا من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، وأمرتُه أن لا يُقاتل أحدًا ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله، فمن استجاب له وأقرّ وكفَّ وعمل صالحًا قَبِلَ منه وأعانه عليه، ومن أبَى أمرتُ أن يُقاتله على ذلك، ثم لا يُبقي على أحد منهم قدِر عليه، وأن يحرقهم بالنار ويقتلهم كل قتلة، وأن يسبي النساء والذراري، ولا يقبل مِن أحد إلا الإسلام. فمن اتبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يُعجِز اللهَ. وقد أمرتُ رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم. والداعية الأذان، وإذا أذّن المسلمون فأذّنوا، كُفّوا عنهم، وإن لم يؤذّنوا عاجِلوهم، وإذا أذّنوا اسألوهم ما عليهم، فإن أبوا عاجِلوهم وإن أقرّوا قُبِلَ منهم".