ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 10/06/2022
بسم الله الرحمن الرحيم
نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 10/06/2022، حيث تابع الحديث عن سيدنا أبي بكر الصديق t وبالتحديد عن معركة اليمامة وقال:
قال أبو سعيد الخدري: سمعت عباد بن بشر يقول حين فرغنا من بزاخة: يا أبا سعيد، رأيت الليلة كأن السماء فرجت، ثم أطبقت عليّ، فهي إن شاء الله الشهادة فقلت: خيرا والله، قال أبو سعيد: فأنظر إليه يوم اليمامة وإنه ليصيح بالأنصار ويقول: أخلصونا، فأخلصوا أربعمائة رجل يقدمهم البراء بن مالك وأبو دجانة سماك بن خرشة وعباد بن بشر، حتى انتهوا إلى باب الحديقة. فرأيت بوجه عباد، يعني بعد قتله، ضربا كثيرا، وما عرفته إلا بعلامة كانت فى جسده.
كانت الصحابية أم عمارة، نسيبة بنت كعب من أشجع النساء في تاريخ الإسلام. فقد شاركت في غزوة أحد وقاتلت ببسالة شديدة، وطالما انتصر المسلمون كانت تملأ القِرَب بالماء وتطعم الناس، ولما هزم المسلمون جاءت إلى النبي ﷺ كلما اقترب الكفار من النبي، فكانت تلقى السهام والسيوف. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: كنت أراها تقاتل عن يميني ويساري في أحد. ولما بلغ ابن قمئة النبي صلى الله عليه وسلم أوقفته أم عمارة. ونتيجة لذلك أصيبت بجرح عميق في كتفها.
وكانت تقول: إن ابنها عبد الله هو الذي قتل مسيلمة الكذاب. وكانت ممن شهد ذلك اليوم، وقطعت فيه يدها، وكان ابنها حبيب بن زيد مع عمرو بن العاص بعمان عند ما توفي رسول الله ﷺ، فلما بلغ ذلك عَمرا، أقبل من عمان، فسمع به مسيلمة، فاعترض له، فسبقه عمرو، وكان حبيب ابن زيد وعبد الله بن وهب الأسلمي فى الساقة، فأصابهما مسيلمة، فقال لهما: أتشهدان أني رسول الله، فقال الأسلمي: نعم، فأمر به فحبس فى حديد، وقال لحبيب: أتشهد أني رسول الله، فقال: لا أسمع، فقال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، فأمر به فقطع. وكلما قال له: أتشهد أني رسول الله، قال: لا أسمع، فإذا قال له: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، حتى قطعه عضوا عضوا، حتى قطع يديه من المنكبين ورجليه من الوركين، ثم حرقه بالنار، وهو كل ذلك لا ينزع عن قوله، ولا يرجع عن ما بدأ به، حتى مات، رحمهالله. ولما تلقت أم عمارة خبر استشهاد ابنها أقسمت على محاربة مسيلمة فإما تقتله أو تستشهد في سبيل الله. فلما تهيأ بعث خالد بن الوليد إلى اليمامة جاءت أم عمارة إلى أبي بكر الصديق، فاستأذنته في الخروج، فقال لها: ما مثلك يحال بينه وبين الخروج، فاخرجي على اسم الله، فخرجت وخرج معها ابنها عبد الله، وتقول عن ذلك:
لما انتهينا إلى اليمامة، واقتتلنا، تداعت الأنصار: أخلصونا، فأخلصوا، فلما انتهينا إلى الحديقة ازدحمنا على الباب، وأهل النجدة من عدونا فى الحديقة، فاقتحمنا فضاربناهم ساعة، والله قد عاهدت الله لئن رأيت مسيلمة سأقتله أو أقتل دونه، وجعلت الرجال تختلط، والسيوف بينهم تختلف، وخرص القوم، فلا صوت إلا وقع السيوف، حتى بصرتُ بعدو الله، ثم خرج لي منهم رجل، فضرب يدي فقطعها، فو الله ما عرجت عليها حتى أنتهي إلى الخبيث وهو صريع، وأجد ابني عبد الله قد قتله.
وفي رواية تقول أم عمارة: وابني يمسح سيفه بثيابه، فقلت: أقتلته؟ قال: نعم يا أمه، فسجدت لله شكرا، وقطع الله دابرهم، فلما انقطعت الحرب، ورجعت إلى منزلي، جاءني خالد بن الوليد بطبيب من العرب، فداواني بالزيت المغلي، وكان والله أشد عليّ من القطع، وكان خالد كثير التعاهد لي، حسن الصحبة لنا، يعرف لنا حقنا، ويحفظ فينا وصية نبينا صلىاللهعليهوسلم، قال عباد: فقلت: يا جدة، كثرت الجراح فى المسلمين؟ فقالت: يا بني، لقد قُتل عدو الله، وإن المسلمين لجرحى كلهم ، لقد رأيت بني أبي مجرحين، ما بهم حركة، ولقد رأيت بني مالك بن النجار بضعة عشر رجلا، لهم أنين يكمدون ليلتهم بالنار. ولقد أقام الناس باليمامة خمس عشرة ليلة، وقد وضعت الحرب أوزارها، وما يصلي مع خالد بن الوليد من المهاجرين والأنصار إلا نفر يسير من الجراح، إلا أني أعلم أن طيئا قد أبلت يومئذ بلاء حسنا، لقد رأيت عدي بن حاتم يومئذ يصيح بهم: صبرا، فداكم أبي وأمي، وإن ابنى زيد الخيل يومئذ ليقاتلان قتالا شديدا.
وفي رواية جرحت أم عمارة يوم اليمامة، أحد عشر جرحا بين ضربة بسيف، أو طعنة برمح، وقطعت يدها سوى ذلك وكان أبو بكر يأتيها يسأل عنها.
وقاتل كعب بن عجرة فجعل يصيح: "يا للأنصار الله ورسوله"، حتى انتهى إلى محكم بن الطفيل، فضربه فقطع شماله، فوالله ما عرج عليها كعب، وأنه ليضرب بيمينه، وإن شماله لتهراق الدماء، حتى انتهى إلى الحديقة، فدخل. وأقبل حاجب بن زيد بن تميم يصيح بالأوس: يا للأشهل ، فقال له ثابت ابن هذال: ناد يا للأنصار، فإنه جماع لنا ولك، فنادى: يا للأنصار، يا للأنصار، حتى اشتملت عليه بنو حنيفة، فانفرجت، وتحته منهم اثنان قد قتلهما، وقتل رحمه الله، فخلفه فى مقامه عمير بن أوس، فاشتمل عليه العدو حتى قُتل رحمه الله.