الحل العالمي لاجتثاث العنصري
العنصرية، كما عرفتها الموسوعة البريطانية، هي الاعتقاد بأنه يمكن تقسيم البشر إلى كيانات بيولوجية منفصلة وحصرية تسمى "الأعراق"؛ وأن هناك علاقة سببية بين السمات الجسدية الموروثة والسمات الشخصية والفكرية والأخلاقية وغيرها من السمات الثقافية والسلوكية؛ وأن بعض الأجناس متفوقة بالفطرة على غيرها.
وعلى الرغم من وجود التشريعات، يتعرض معظم الناس اليوم للعنصرية بشكل أو بآخر. مثل الجناة أو الضحايا أو الناجين أو الشهود الصامتين.
أصل العنصرية هو الكبرياء والغرور والشعور الزائف بالتفوق الذي يؤدي إلى السخرية والاستهزاء بالآخرين. والنتائج الطبيعية لهذا السلوك هي الخلاف والصراع الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى تآكل المجتمع. يشير البحث العلمي في معالجة العنصرية إلى أن القضاء على العنصرية يتطلب تحديد وتفكيك الهياكل الأساسية التي تؤدي إلى التحيز الفردي. وبعبارة أخرى، تطوير عقلية تتبنى المساواة وتضع أساس الصداقة القوية في المجتمعات.
يقول الله تعالى في القرآن الكريم:
"يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (سورةالحجرات:14)
في الواقع، تشكل هذه الآية الميثاق الأعظم للأخوة الإنسانية والمساواة، وتزيل المفاهيم الخاطئة عن التفوق على أساس الغطرسة العنصرية أو الغرور القومي، وتذكرنا أن جميع البشر قد خلقوا من خلال نفس العملية، وبالتالي فهم متساوون. أُقر هذا المفهوم في القرن الحادي والعشرين، من خلال الدراسات الجينية. ويقول الإجماع العلمي إن العرق لا يوجد كفئة بيولوجية بين البشر.
إن الاختلافات الجينية الموجودة داخل أي مجموعة عرقية أكبر بكثير من الاختلافات الجينية التي تظهر بين المجموعات العرقية المختلفة. وهذا يوضح المفهوم القائل بأن الله قد خلقنا جميعًا متساوين على الرغم من الاختلافات في صبغة بشرتنا أو في متلكاتنا الدنيوية أو مكانتنا الاجتماعية أو اختلاف أسلافنا.
وهذا المبدأ الأساس في استئصال العنصرية قد أكد عليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قبل وقت قصير من وفاته. حيث قال:
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ: "إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلاَ لاَ فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ".
يشير هذا البيان بوضوح إلى أن البشر ليس لديهم الحق ولا السلطة للحكم على تفوق أي شخص. الله تعالى وحده العالم بنوايا وأفعال الإنسان والتزاماته الحقيقية وهو صاحب الحق في الحكم على عظمة الناس. والمقياس الحقيقي للعظمة هو الخير الذي ننشره والخير الذي نقدمه للآخرين. أما خصائصنا البيولوجية الموروثة فليس لها دور في تحديد تفوقنا أو عظمتنا.
وللقضاء على العنصرية، يقدم الإسلام أعلى مثال "على قبول المساواة" فجميعنا متساوون في نظر الله. إن تفوق الإنسان يحدده الله فقط بناءً على الإنجازات الأخلاقية التي يُحكم عليها من خلال الطريقة التي نفي بها بالتزاماتنا وواجباتنا تجاه الله ومخلوقاته تعالى، كما أن مبدأ المساواة الذي تم إبرازه في الآية المذكورة أعلاه من القرآن الكريم يوفر إطارًا عالميًا لاستئصال العنصرية من أي مجتمع.
نبذة عن الكاتبة: البروفيسور أمة الرزاق كارمايكل MD، MEd، FRCS (Gen Surg.)، MBBS، طبيبة استشارية. نالت في عام 1987 ميداليات ذهبية للتميز الأكاديمي وتولت تدريبها الجراحي في المستشفيات التعليمية الكبرى في لندن وإدنبرة وفيلادلفيا. قامت بتأليف العديد من المقالات لكبرى المجلات العلمية المعروفة. وهي عضو بارز في هيئة تحرير مجلة مقارنة الأديان وكذلك مساعدة مدير المجلة.