ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 08/07/2022



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 08/07/2022، حيث تابع ذكر المهمات التي أرسلها سيدنا أبو بكر الصديق t ضد المرتدين، وبالتحديد المهمة الحادية عشرة حيث أعطى أبو بكر اللواء للمهاجر بن أبي أمية وأمره بجنود العنسي ومعونة الأبناء على قيس بن المكشوح ومن أعانه من أهل اليمن عليهم، ثم يمضي إلى كندة بحضرموت.

بدأت الردة أولا في اليمن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على يد أسود العنسي سيد بني عنس.

كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر سلفا عن ظهور متنبئينِ كذابين، فعن عَبْد اللَّهِ ابن عَبَّاس: ذُكِرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَفُظِعْتُهُمَا وَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا، فَطَارَا. فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ. فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي قَتَلَهُ فَيْرُوزُ بِالْيَمَنِ، وَالْآخَرُ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ.

لما بعث رسول الله ﷺ رسولا إلى كسرى عاهل الفرس يدعوه إلى الإسلام، استشاط غيظا وأرسل إلى بازان عامِلِه على اليمن يأمره بأن يبعث إليه برأس هذا الرجل الذي بالحجاز، فأرسل بازان شخصین إلى رسول الله ﷺ، فرد النبي ﷺ: أن ربي أخبرني أن ملككم قد قتله ابنه وصار ملكا مكانه. كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم باذان إلى الإسلام وأن يبقى عاملا على اليمن إن أسلم. فرجع رسولا باذان وأخبراه الخبر كله. وفي هذه الأثناء وصلت الأنباء لباذان أن كسرى إيران قد قتله ابنه شيرويه واعتلى العرش مكانه. فلما رأى باذان تحقق نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل دعوته صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام، فأقره النبي حاكما على اليمن.   

بعد وفاة باذان عين الرسول صلى الله عليه وسلم أمراءه على مناطق اليمن المختلفة. وكان معاذ بن جبل معلما لكل هذه المناطق من اليمن وحضرموت.

كان أسود كاهنا يعيش جنوب اليمن، وسرعان ما جذب انتباه الناس بسبب شعوذته وسحره ومنطقه وخطابه المسجع، كما ادعى النبوة وأن ملاكا يأتيه ويكشف له مخططات الأعداء وأسرارهم. فاجتمع حوله عدد كبير من البسطاء والجهلاء. واستخدم أسود أيضًا شعار اليمن لليمنيين، فاستجابوا لشعاره والتحقوا به ولم يكن الإسلام قد اكتمل فيهم.

 

لما وصلت هذه الأخبار المقلقة إلى المدينة المنورة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يعّد جيش أسامة بن زيد للانتقام لشهداء معركة مؤتة ولمنع الهجمات من الشمال. فبعث برسالة إلى القادة اليمنيين بأن يواصلوا قتال الأسود من تلقاء أنفسهم، وبمجرد عودة جيش أسامة منتصرا، سيتم إرساله إلى اليمن.

كان في جيش أسود العنسي سبعمئة من الخيالة بالإضافة إلى مئة مقاتل على الإبل. وكان عمرو بن معد يكرب نائبه في بني مذحج وهو من مشاهير فرسان العرب وشعرائهم وخطبائهم وقد قدم مع وفد بني زبيد على رسول الله، صلى الله عليه وسلم وأسلم. فلما توفي رسول الله، ارتد، ولكنه عاد إلى الإسلام ثانية، وأبلى بلاء حسنا في معركة القادسية، وتوفي في أواخر خلافة عمر رضي الله عنه.

أغار أسود العنسي أولا على أهل نجران وأخرج منها عمرو بن حزم وخالد بن سعيد، ثم حمل على صنعاء، فتصدى له شهر بن باذان الذي استشهد في هذه المعركة. كان معاذ بن جبل رضي الله عنه مقيما في صنعاء آنذالك، فانتقل إلى أبو موسى نظرًا لهذا الخطر، وهكذا استولى أسود العنسي على بلاد اليمن كلها. وبعد استشهاد شهر بن باذان تزوج أسود من زوجته آزاد جبرًا. 

في هذه الأثناء وصلت رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسلمين باليمن يأمرهم بقتال أسود العنسي، فقام معاذ بن جبل بهذا الهدف فارتفعت معنويات المسلمين.

قال جشنس الديلمي: جاءنا وبر بن يحنس برسالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من اليمنيين الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم في رسالة بقتل أسود العنسي، فتولى هو وفيروز وداذُويه قتل العنسي.

وقال أيضًا: علمنا أن بين أسود العنسي وقيس بن عبد يغوث بُغضًا، فقلنا: إن قيسًا يخاف على دمه، فدعوناه وأبلغناه عن النبي، صلى الله عليه وسلم، فأجابنا، وتراسلنا مع زعماء القبائل الآخرين، فاستعدوا لقتال أسود ووعدونا بالنصرة، فأمرناهم أن لا يتحركوا من أماكنهم حتى نبرم أمرنا. وكتب النبي، صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران كلهم بشأن أسود، فأجابوه. وبلغ ذلك الأسود وأحس بالهلاك.

ثم خطرت ببالي حيلة، فدخلت على آزاد، امرأة أسود التي تزوجها بعد قتل زوجها شهر ابن باذان، فذكّرتها بقتل زوجها شهر بن باذان وإهلاك عشيرتها وما لقيته من هوان وضيم على يد أسود، وطلبت منها أن تساعد على قتله، فأجابت: والله ما خلق الله شخصًا أبغض إلي منه، ما يقوم لله على حق ولا ينتهي عن محرم، فأعلِموني أمركم أخبرْكم بوجه الأمر.

وهكذا وتحت خطة محكمة وبمساعدة من زوجة أسود العنسي، اغتالته مجموعة من المسلمين بعد أن دخلوا عليه في قصره تحت ستر الليل، فلما أصبحوا صاحوا بشعارهم من على جدار الحصن أن أسود الباغي الطاغي قد لقي مصيره. فاجتمع المسلمون والكفار حول الحصن، ثم أذن المؤذن لصلاة الفجر ثم قال أشهد أن محمدا رسول الله، وأن أسود كذاب. ثم ألقوا رأسه أمام الناس.

وهكذا خمدت هذه الفتنة التي ظلت تشتعل لثلاثة أو أربعة أشهر، ورجع العمال والأمراء إلى مناطقهم يقومون بواجبهم. ولما جاء البشير بقتل أسود العنسي وهزيمة جيشه وانتهاء فتنته كان النبي صلى الله عليه وسلم قد لحق بالرفيق الأعلى. وفي رواية أن الله أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل أسود العنسي ليلة قتله، وفي الصباح أخبر رسول الله الصحابة بذلك وقال إن فيروز قد قام بقتله.

وفی رواية أن البشير بمقتل أسود العنسي وصل المدينة وقت دفن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية أن خبر قتله وصل إلى المدينة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم باثني عشر يوما بعد انتخاب سيدنا أبي بكر خليفة.

وبعد مقتل أسود عاد حكم المسلمين على صنعاء كأول عهده.