ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 22/07/2022
بسم الله الرحمن الرحيم
نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 22/07/2022، حيث ذكر المهمات العسكرية التي أرسلها سيدنا أبو بكر الصديق t ضد الفرس، وبالتحديد: معركة الأُبُلّة، ومعركة المَذَار، ومعركة الوَلَجة ومعركة ذات السلاسل أو معركة كاظمة والتي قال عنها:
وقعت هذه المعركة في محرم من العام الثاني عشر من الهجرة. وسُمّيت باسم ذات السلاسل لأن الفُرس قد اقترنوا في هذه المعركة في السلاسل حتى لا يفروا.
وتسمى أيضًا بوقعة كاظمة نسبةً إلى أقرب قرية من المكان الذي وقعت فيه. وكاظمة قرية على ساحل البحر في طريق البحرين من البصرة. وتسمى وقعة الحفير أيضا، لأنها وقعت في مكان يسمى الحفير.
وكان خالد بن الوليد رضي الله عنه قائد المسلمين في هذه المعركة، وهرمز قائد الفرس. وكان عدد جند المسلمين 18 ألفا.
كان هرمز حاكما على تلك المنطقة من قِبل الفُرس، وكان أكثرَ حسبا ونسبا وشرفا من معظم أمراء الفرس. وكانت عادة علية الفرس لبْسَ قلانس غالية جدا، وكان غلاء قلسنوة أحدهم بقدر حسبه ونسبه وشرفه، وكانت أغلى القلانس بمائة ألف درهم، ولا يلبسها إلا مَن كان الذورة في الشرف والجاه. ویمكن تقدیر مكانة هرمز من حقيقة أن قلسنوته كانت بمائة ألف درهم. وكان هرمز وجيهًا بین الفرس، وكان يكره العرب القاطنين على حدود العراق، وكان أشدَّ قسوة وظلما على زعماء العرب القاطنين على الحدود، حتى إن العرب كانوا يضربونه مثلاً في الخبث فيقولون: "أكفرُ وأخبثُ مِن هرمز".
ومن أجل ذلك كان كثيرا ما يواجه الغارات والاشتباكات من قِبل العرب. ومن جهة أخرى كان يشتبك مع لصوص الهنود في البحر.
على كل حال، كَتَبَ خَالِدٌ إِلَى هُرْمُزَ قَبْلَ خُرُوجِهِ من الْيَمَامَةِ: "أَمَّا بَعْدُ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، أَوِ اعْقِدْ لِنَفْسِكَ وَقَوْمِكَ الذِّمَّةَ، وَأَقْرِرْ بِالْجِزْيَةِ، وَإِلا فَلا تَلُومَنَّ إِلا نَفْسَكَ، فَقَدْ جِئْتُكَ بِقَوْمٍ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ كَمَا تُحِبُّونَ الْحَيَاةَ".
لما قَدِمَ كِتَابُ خَالِدٍ عَلَى هُرْمُزَ كَتَبَ بِالْخَبَرِ إِلَى أَرْدَشِيرَ كسرى إيران وَجَمَعَ جُمُوعَهُ، ثُمَّ تَعَجَّلَ إِلَى كاظمة فِي كتيبة سريعة لمواجهة خَالِد رضي الله عنه، وَسَبَقَ فرسانَهُ، فَلَمْ يَجِدْ خالدا على ذلك الطَرِيق، وَبَلَغَهُ أَنَّ المسلمين يحتشدون في الحَفِير، فَعَاد إِلَى الحَفِير فَنَزَلَهُ، فَبوّأ جنوده للقتال، وَجَعَلَ عَلَى يمينه وشماله أَخَوَيْنِ له يُقَالُ لَهُمَا: قُبَاذُ وأَنُوشَجَان. وَاقْتَرَن الفرس فِي السَّلاسِلِ، فَيقال أن مَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ الرأي قالوا لغيرهم: قَيَّدْتُمْ أَنْفُسَكُمْ لِعَدُوِّكُمْ، فَلا تَفْعَلُوا، فَإِنَّ هَذَا طَائِرُ سُوءٍ. فَأَجَابُوهُمْ وَقَالُوا: أما أنتم فتُرِيدُونَ الْهروبَ.
لَمَّا أَتَى الْخَبَرُ خَالِدًا بِأَنَّ هُرْمُزَ فِي الحَفِير، مَالَ بجنوده إِلَى كَاظِمَةَ۔ وَبَلَغَ هُرْمُزَ ذَلِكَ فَبَادَرَهُ إِلَى كَاظِمَةَ فَنَزَلَهَا۔ وتعبى هُرْمُزُ وَأَصْحَابُهُ وَاستولوا على الْمَاءِ. وَقَدِمَ خَالِدٌ عَلَيْهِمْ فَنَزَلَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَمَرَ مُنَادِيَه، فَنَادَى: أَلا انْزِلُوا جميعا وَحُطُّوا أَثْقَالَكُمْ، وقاتِلوا العدو عَلَى الْمَاءِ، فَلَعَمْرِي لَيَصِيرَنَّ الْمَاءُ لأَصْبَرِ الْفَرِيقَيْنِ، وَأَكْرَمِ الْجُنْدَيْنِ. فَحُطَّتِ الأَثْقَالُ وَالْخَيْلُ وُقُوفٌ، وَتَقَدَّمَ الرَّجّالةُ، واقتتل الفريقان. وأرسل الله سحابة فأغزرت مَا وَرَاءِ صَفِّ الْمُسْلِمِينَ، فَقَوَّاهُمْ الله بِهَا.
وكاد هرمز مكيدة بخالد، وَقال للكتيبة الحامية له: سوف أدعو خالدا إلى البِراز وسأشغله معي، فاحملوا عليه فجأة في هذه الأثناء. ثُمَّ خَرَجَ هُرْمُزَ، فَلَمَّا نَزَلَ خَالِدٌ نَزَلَ هُرْمُزُ، وَدَعَاهُ إِلَى النِّزَالِ، فَنَزَلَ خَالِدٌ فَمَشِيَ إِلَيْهِ، فَالْتَقَيَا فَتضاربا بالسيوف، فاحتضنه خالد، وَحَمَلَ حَامِيَةُ هُرْمُزَ على خالد غَدرا، وأحاطوا به، ومع ذلك قَتل خالد هرمزا. ولما رأى الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو غدرَ الفرس حمل على حامية هرمز وحاصروهم وأناموهم قتلاً. وَانْهَزَمَ أَهْلُ فَارِسَ هزيمة نكراء، وانفلت قُباذُ وأنوشَجَان.
وقام المسلمون في ظلمة الليل بملاحقة الفرس حتى جسر الفرات، حيث تقع مدينة البصرة اليوم، وظلوا يقتلونهم.
وبعد انتهاء المعركة قام خالد رضي الله عنه بجمع الغنائم، وكانت فيها السلاسل التي وزنها يساوي حمل بعير. وكان وزنها ألف رطل أي 375 كيلو.
وكانت بين الغنائم التي أرسلت إلى سيدنا أبي بكر رضي الله عنه قلسنوةُ هرمز التي ثمنها مئة ألف درهم، وكانت مرصعة بالجواهر. فأعطاها خالدا.
بَعَثَ خَالِد إلى المدينة بِبشرى الْفَتْحِ وَبمَا بَقِيَ مِنَ الأَخْمَاسِ وَبِفِيلٍ، وَأعلن الْفَتْحَ بين النَّاسِ في كل النواحي. وَقَدِمَ زِرُّ بْنُ كُلَيْبٍ بِالْفِيلِ مَعَ الأَخْمَاسِ إلى المدينة، ولم يكن أحد من العرب قد رأى الفيل من قبل إلا مَن رأى فيلة أبرهةَ، ولما طِيفَ بالفيل فِي الْمَدِينَةِ لِيَرَاهُ النَّاسُ، جَعَلت النِّسَاء العجائزُ يَقُلْنَ: أَمِنْ خَلْقِ اللهِ مَا نَرَى! وَرَأَيْنَهُ شيئًا مَصْنُوعًا. فَرَدَّ أَبُو بَكْرٍ الفيل مَعَ زِرٍّ إلى خالد.
كان من أكبر دواعي انتصار المسلمين في هذه المعركة ما وضعه سيدنا أبو بكر من استراتيجية بشأن الفلاحين في العراق، والتي عمل بها خالد رضي الله عنه بصرامة. وبحسب هذه الاستراتيجية لم يتعرض المسلمون للمزارعين مطلقا، وتركوهم في أماكنهم، ولم يأخذوا منهم أي ضريبة أو خراج سوى قليل من المال.
بلغ سهمُ الفارس في يوم ذات السلاسل ألفَ درهم، وسهمُ الراجل ثلثه.
كانت لحرب كاظمة نتائج طويلة المدى. فهذه الحرب فتحت عيون المسلمين، حيث رأوا بأم أعينهم أن الفرس الذين كانوا يسمعون عن سطوتهم ومنعتهم منذ مدة طويلة، لم يقدروا مع كل قواتهم على الصمود أمام جيشٍ مسلم عادي. والغنائم الضخمة التي نالها المسلمون في هذه المعركة لم تخطر على بالهم قط.