ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 19/08/2022



 بسم الله الرحمن الرحيم

نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 19/08/2022، حيث تابع ذكر المهمات العسكرية التي أرسلها سيدنا أبو بكر الصديق t وبالتحديد فتوحات الشام حيث قال:

لما فرغ أبو بكر t من أهل الردة، فكر بصدّ الروم الغزاة، ولم يُطلع على ذلك أحدا، فبينما هو كذلك إذ جاءه شرحبيل بن حسنة وقال: يا خليفة رسول الله أحدثت نفسك أن تبعث إلى الشام جندا؟ قال: نعم، ولم أطلع عليه أحدا، وما سألتني إلا لشيء. قال: أجل، رأيت فيما يرى النائم كأنك تمشي فى ناس من المسلمين فوق حرشفة من الجبل، فأقبلت تمشي معهم حتى صعدت قلة فى أعاليه، فأشرفت على الناس ومعك أصحابك، ثم هبطت من تلك القلة إلى أرض سهلة دمثة، فيها الزروع والعيون والقرى والحصون، فقلت: يا للمسلمين! شنوا الغار على المشركين، فأنا ضامن لكم بالفتح والغنيمة! فشد المسلمون وأنا فيهم ومعي راية، فتوجهت بها إلى قرية فسألوني الأمان فأمنتهم، ثم جئت فأجدك قد انتهيت إلى حصن عظيم، ففتح لك، وألقوا إليك السلم، ووضع لك عريش فجلست عليه، ثم قال لك قائل: يفتح عليك وتُنصر فاشكر ربك واعمل بطاعته، ثم قرأ: "إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّابا".

فقال أبو بكر t: "نامت عيناك، خيرا رأيت، وخيرا يكون إن شاء الله، بشرت بالفتح ونعيت إلي نفسي" ثم دمعت عيناه وقال: "أما الحرشفة التي كنا نمشي عليها حتى صعدنا منها إلى القلة لعالية فأشرفنا منها على الناس فإنا نكابد من أمر هذا الجند مشقة ويكابدونها ثم نعلو بعد ذلك ويعلو أمرنا، وأما نزولنا من القُلّة إلى الأرض السهلة الدمثة وما فيها من الزروع والعيون والقرى والحصون فإنا ننزل إلى أمر أسهل مما كنا فيه، وفيه الخصب والمعاش، وأما قولي للمسلمين: شنوا عليهم الغارة، فإني ضامن لكم بالفتح والغنيمة، فإن ذلك توجيهي للمسلمين إلى بلاد المشركين واحتثاثي إياهم على الجهاد، وأما الراية التى كانت معك فتوجهت بها إلى قرية من قراهم فدخلتها فاستأمنوك فأمنتهم فإنك تكون أحد أمراء المسلمين ويفتح الله على يديك، وأما الحصن الذى فتح لنا فهو ذلك الوجه، يفتحه الله عليّ، وأما العريش الذى رأيتني عليه جالسا، فإن الله يرفعني ويضع المشركين، وأما الذي أمرني بالعمل وبالطاعة وقرأ عليّ السورة فإنه نعى إلي نفسي، إن هذه السورة حين أنزلت على النبي ﷺ علم أن نفسه قد نعيت إليه".

لما أراد أبو بكر t أن يجهز الجنود إلى الشام دعا عمر وعثمان وعليا ووجوه المهاجرين والأنصار، فدخلوا عليه فقال: إن الله تبارك وتعالى لا تحصى نعمه، ولا تبلغ جزاءها الأعمال، فله الحمد كثيرا على ما اصطنع عندكم، قد جمع كلمتكم، وأصلح ذات بينكم، وهداكم إلى الإسلام، ونفى عنكم الشيطان، فليس يطمع أن تشركوا بالله ولا أن تتخذوا إلها غيره، فالعرب اليوم بنو أم وأب، وقد رأيت أن أستنفرهم إلى الروم بالشام، فمن هلك منهم هلك شهيدا، وما عند الله خير للأبرار، ومن عاش منهم عاش مدافعا عن الدين، مستوجبا على الله ثواب المجاهدين، هذا رأيي الذى رأيت، فليشر علي كل امرئ بمبلغ رأيه. فقام عمر t، فقال: "الحمد لله الذي يخص بالخير من يشاء من خلقه، والله ما استبقنا إلى شيء من الخير إلا سبقتنا إليه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، قد والله أردت لقاءك بهذا الرأي الذي ذكرت غير مرة، فما قضى الله أن يكون ذلك حتى ذكرته الآن، فقد أَصبتَ، أصاب الله بك سبيل الرشاد".

ثم قال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد وجميع من حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار: فإنا سامعون لك، مطيعون، لا نخالف أمرك، ولا نتخلف عن دعوتك وإجابتك.

ثم قام أبو بكر فى الناس وقال: "أيها الناس، إن الله تعالى، قد أنعم عليكم بالإسلام، وأعزكم بالجهاد، وفضلكم بهذا الدين على أهل كل دين، فتجهزوا عباد الله إلى غزو الروم بالشام، فإني مؤمر عليكم أمراء، وعاقد لهم عليكم، فأطيعوا ربكم، ولا تخالفوا أمراءكم، ولتحسن نيتكم وسريرتكم وطعمتكم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون". ثم أمر بلالا فأذن فى الناس أن ينفروا إلى جهاد عدوهم الروم بالشام.

أمّر أبو بكر خالد بن سعيد على الجيش وطلب منه أن يحث من يعيش على تخوم الشام للانضمام إليه ثم أرسل إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الجهاد في سبيل الله وبعث بهذا الكتاب مع أنس بن مالك t. قال أنس: أتيت اليمن فبدأت بهم حيا حيا، وقبيلة قبيلة، أقرأ عليهم كتاب أبي بكر فإذا فرغت من قراءته قلت: الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أما بعد، فإني رسول خليفة رسول الله إليكم، ورسول المسلمين، ألا وإني قد تركتهم معسكرين، ليس يمنعهم عن الشخوص إلى عدوهم إلا انتظاركم، فعجلوا إلى إخوانكم بالنفر، رحمكم الله أيها المسلمون. فعاد أنس بن مالك وبشَّرَ أبا بكر بقدوم القوم.

أَقَامَ خالد بن سعيد في تيماء فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ، وَبَلَغَ الرُّومَ عِظَمُ ذَلِكَ الْعَسْكَرِ، فَضَرَبُوا عَلَى الْعَرَبِ الضَّاحِيَةِ الْبعوث بالشام إليهم، فَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِذَلِكَ، وَبِنُزُولِ مَنِ اسْتَنْفَرَتِ الرُّومُ فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ: أَنْ أَقْدِمْ وَلا تُحْجِمْ وَاسْتَنْصِرِ اللهَ، فَسَارَ إِلَيْهِمْ خَالِدٌ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُمْ تَفَرَّقُوا وَأَعْرَوْا مَنْزِلَهُمْ، فَنَزَلَهُ وَدَخَلَ عَامَّةُ مَنْ كَانَ تَجَمَّعَ لَهُ فِي الإِسْلامِ، وَكَتَبَ خَالِدٌ إِلَى أَبِي بَكْرٍ بِذَلِكَ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ: "أَقْدِمْ وَلا تَقْتَحِمَنَّ حَتَّى لا تُؤْتَى مِنْ خَلْفِكَ"، فَسَارَ فِيمَنْ كَانَ خَرَجَ مَعَهُ حَتَّى نَزَلُوا فِي موضع، فَسَارَ إِلَيْهِ بِطْرِيقٌ مِنْ بَطَارِقَةِ الرُّومِ، يُدْعَى بَاهَانَ، فَهَزَمَهُ وَكَتَبَ بِذَلِكَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَاسْتَمَدَّهُ. وَقَدْ قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَوَائِلُ مُسْتَنْفِرِي الْيَمَنِ وَفِيهِمْ ذو الكلاع، وقدم اليه عِكْرِمَةُ أيضا فَكَتَبَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ إِلَى أُمَرَاءِ الصَّدَقَاتِ أَنْ يُبَدِّلُوا مَنِ اسْتُبْدِلَ، فَكُلُّهُمُ اسْتُبْدِلَ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ جَيْشَ الْبِدَالِ، فَقَدِمُوا عَلَى خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ.

كان الوليد بن عقبة أول من أدرك خالد بن سعيد، وقص عليه أنباء المدد وحماسة أبي بكر لفتح الشام، وغبطة أهل المدينة بانتصار إخوانهم على بني الأصفر، ففاضت نفس خالد بالمسرة، وأمر جيشه أن يتهيأ للسير وتقدم بالمسلمين ومعه الوليد بن عقبة يقابل جيشًا للروم على رأسه قائدهم الأكبر باهان. تراجع باهان لاستدراج خصمه حتى يعري ظهره فيتمكن من حصره ويجيئه من خلفه، وذلك ما حذر أبو بكر خالدًا منه، وكان خالد قد غفل عن ذلك فهُزم. ولَمَّا قَدِمَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ ذَا الْمَرْوَةِ (بعد الهزيمة)، عزم الصديق على تسيير الجيوش لبلاد الشام، فدعا الناس إلى الجهاد، وعقد الألوية لأربعة جيوش لفتح الشام وهي: جيش يزيد بن أبي سفيان، وجيش شرحبيل بن حسنة وجيش أبو عبيدة بن الجراح وجيش عمرو بن العاص.

وفي ختام الخطبة أعلن أمير المؤمنين نصره الله أنه سيصلي الغائب على المرحوم الشهيد نصير أحمد وذكر نبذة عن حياته وظروف استشهاده.