ملخص لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في 16/09/2022
بسم الله الرحمن الرحيم
نقدم لحضراتكم ملخصًا لخطبة الجمعة الأخيرة التي ألقاها سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) من المسجد المبارك في تيلفورد، في السادس عشر من سبتمبر/أيلول الجاري، حيث تابع الحديث عن سيدنا أبي بكر الصديق t وتحدث بداية عن حقوق الذميين الذين قبلوا طاعة الحكومة الإسلامية مع بقائهم على دينهم، حيث تولت الحكومة مسؤولية حمايتهم وأعفوا من الخدمة العسكرية ولم تفرض عليهم الزكاة على أن يؤخذ منهم مبلغ ضئيل جدًا معروف باسم الجزية مقابل حماية أرواحهم وممتلكاتهم. وكان قدر الجزية 4 دراهم فقط على الفرد البالغ الصالح للعمل ويعفى منها كبار السن والأطفال والمعاقون والفقراء والمحتاجون بل كان هؤلاء يتلقون عون الحكومة. كما تعهدت الحكومة بأن لا تهدم كنائسهم ولا أديرتهم أو حصونهم ولن يحظر عليهم قرع الناقوس ولا إخراج الصلبان في أعيادهم.
في عهد خلافة أبي بكر، كتب خالد بن الوليد (رضي الله عنهما) لأهل الذمة من النصارى في الحيرة في العراق الآتي: "أيما شيخ ضعف عن العمل، أو
أصابته آفة من الآفات، أو كان غنيا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طُرحت
جزيته، وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام، فإن
خرجوا إلى غير دار الهجرة ودار الإسلام فليس على المسلمين النفقة على عياله".
كما تم في عهد الصديق إنجاز عظيم هو جمع القرآن الكريم، وتعود خلفية هذا الإنجاز إلى المعركة ضد مسيلمة باليمامة حيث استشهد من المسلمين 1200 شخص منهم 700 من حفاظ القرآن وفي هذه الحالة شرح الله صدر عمر أن يُجمع القرآن في مكان واحد وذكره لأبي بكر، وتفصيل ذلك في البخاري:
عن زيد بْنُ ثَابِتٍ قال: أَرْسَلَ إِلَىَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ ـ رضى الله عنه ـ إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ لِعُمَرَ كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عُمَرُ هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قَالَ زَيْدٌ قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لاَ نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْىَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَىَّ مِمَّا أَمَرَنِي مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ قُلْتُ كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ـ رضى الله عنهما ـ فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرَهُ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ ـ رضي الله عنها.
يقول سيدنا علي t: "رحم الله أبا بكر فقد كان أول من جمع القرآن بين اللوحين"
ويقول المصلح الموعود t: لما وجد عمر بن الخطاب أن خمسمئة من حفظة القرآن المجيد قد قُتلوا في المعركة التي خاضها المسلمون ضد جيش مسيلمة، اقترح عمر على أبي بكر أنه إذا أخذ حُفّاظ القرآن المجيد في التناقص بهذه الدرجة الكبيرة، فإنه قد يكون من الصعب المحافظة على سلامة النص القرآني، وأن الوقت قد حان لجمع القرآن كله في كتاب واحد. وقد تردد أبو بكر قليلاً في أول الأمر، ثم وافق بعد ذلك وعيّن زيد بن ثابت، باعتباره أحد كتبة الوحي الذين اختارهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لتدوين النص القرآني، ليجمع النص القرآني في كتاب واحد، واختار عددًا من كبار صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - لمساعدته في هذه المهمة. وقد أمر أبو بكر - رضي الله عنه - أن يُجمع النص القرآني من اللفافات التي كان القرآن يُسجل عليها فور نزوله، وأن يشهد على دقة النص وصحته اثنان ممن يحفظون النص بأكمله عن ظهر قلب. وقد تم تنفيذ هذه المهمة، وكُتب النص القرآني كله في كتاب واحد، وشهد أولئك الذين يحفظون القرآن على صحة ودقة النص المكتوب.
وبناء على هذه الحقائق، هل يمكن أن يكون هناك ما يدعو لأدنى شك في أن تكون الأخطاء أو الخلافات قد تسربت إلى النص القرآني بين زمن وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والزمن الذي أمر فيه أبو بكر - رضي الله عنه - بجمع القرآن في كتاب واحد تحت إشراف زيد بن ثابت؟ هل يمكن أن يقال، بشيء من العقل، إنه كانت هناك صعوبة ما في جمع كتاب كانت محتوياته تُتلى باستمرار كل يوم بواسطة أعداد كبيرة من الناس، وأنه كان من المعتاد أن يُتلى النص بأكمله من أوله إلى آخره في شهر رمضان أثناء صلاة الجماعة، بواسطة أناس حفظوه بأكمله عن ظهر قلب، وأن عددًا كبيرًا من المصلين أنفسهم كانوا أيضًا يحفظونه عن ظهر قلب، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يمليه بنفسه فيُكتب النص على الفور كلما نزل الوحي بآيات منه؛ بل وكان الشخص الذي أُسندت إليه مهمة جمع النص في كتاب واحد، هو نفسه من أولئك الذين كانوا يتولون كتابة نص الوحي فور نزوله، وكان يحفظه كله عن ظهر قلب؟ لو كان ذلك الكتاب يحتوي غلطة واحدة تختلف عن النص الذي أملاه الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو تختلف عن النص الذي كان يحفظه زيد بن ثابت، أو عن النص الذي كان يحفظه أيضًا في ذاكرتهم ذلك العدد الكبير من حفظة القرآن، الذين قاموا بالتصديق على صحة النص في ذلك الكتاب، لأمكن اكتشافها وتصحيحها على الفور. إن يقينية ودقة النص القرآني قد تأكّدت وثبتت بأدلة لا تقبل الشك، ولا يمكن لعاقل أن يردّها أو يرفضها. وليس هناك من نص لأي كتاب سماوي في العالم يمكن أن ينازع القرآن المجيد في أن صحته ودقته فوق مستوى كل الشبهات.